يرصد هذا التقرير أبرز التطوُّرات خلال شهر سبتمبر لعام 2016 ليقدِّم للقارئ والمهتمّ وصفًا دقيقًا للحالة الإيرانِيَّة خلال الفترة محلّ الرصد والتحليل. يشتمل تقرير شهر سبتمبر على ثلاثة أقسام رئيسيَّة، يهتمّ الأول بالشَّأن الداخليّ الإيرانِيّ، في حين يتطرَّق الثاني إلى الشَّأن العرَبيّ، ويتناول الثالث الشَّأن الدوليّ من المنظور الإيرانِيّ.
يركز قسم الشَّأن الداخليّ على ستة محاور، حيث يستعرض الأول مؤسَّسة الرئاسة، وكان أبرز ما جاء فيه انحسار المنافسة على الترشُّح في الانتخابات الرئاسيَّة القادمة المقرر إجراؤها في شهر مايو من عام 2017م، بعد إعلان خامنئي توصيته لأحمدي نجاد بعدم الترشُّح، واتِّباع عدد من السياسيّين البارزين نفس الوصية، وكان الأمر يمثِّل موافقة من خامنئي على إخلاء الساحة لروحاني ليحظي بفترة رئاسيَّة ثانية عبر انتخابات أقلّ تنافسية، وانعكس الأمر على أداء مؤسَّسة الرئاسة في تكثيف نشاطها على المُستوَى الخارجيّ، وهو الأمر الذي لوحظ خلال زيارة روحاني لنيويورك وخطابه أمام الجمعيَّة العامَّة للأُمَم المتَّحدة والنتائج التي ترتبت عليه.
أما المحور الثاني فيستعرض المؤسَّسة العسكريَّة التي اهتمَّت هذا الشهر بعرض منجزات التسلُّح والصناعات الحربية بمناسبة أسبوع الدِّفاع المقدَّس، وهو ذكرى اندلاع الحرب العراقيَّة الإيرانِيَّة، وكان أبرز ما عُرض هو الروبوت المقاتل، والفرقاطة «نظاري» المصنَّعة محلِّيًّا، كما شهد الشهر عروضًا عسكريَّة في معظم المدن الإيرانِيَّة مع مناورات محدودة العدد متطورة الأداء بخاصَّة في التدريب على مواجهة التسرُّب الإشعاعيّ في المناطق المجاورة للمفاعلات النوَوِيَّة الإيرانِيَّة.
ويتطرَّق المحور الثالث إلى الملفّ الأمنيّ، وأبرز ما جاء فيه اكتشاف خلايا لـ»داعش» في المناطق الحدودية الغربيَّة لإيران، ومجريات الحرب مع الحزب الديمقراطيّ الكردستاني، وحدوث عدد من التفجيرات والحرائق في المناطق الحدودية، فضلًا عن استمرار عمليَّات القبض على مزدوجي الجنسيَّة بذريعة ممارسة التجسُّس في الأراضي الإيرانِيَّة، وتزايُد عدد الإعدامات تحت دعوى تجارة المخدِّرات، الأمر الذي يَحظَى بإدانات دوليَّة متكررة لِمَا يَشُوب المحاكمات من تسرُّع وعدم التزام بالإجراءات القانونيَّة المتَّبَعة.
يتناول المحور الرابع الجانب الاقتصادي بتطورُّاته كافَّةً على مختلف القطاعات، التي تضمنت خمسة قطاعات رئيسيَّة: قطاع الطاقة، وقطاع الاستثمار، وقطاع التِّجَارة الخارجيَّة، وقطاع البنوك، وأخيرًا قطاع السِّياحة. كما تَطرَّقنا إلى مناقشة الأوضاع المعيشية التي تشغل الداخل الإيرانِيّ.
وتناول المحور الخامس القضايا الاجتماعيَّة، وكان أبرزها تفشِّي حالة اللا معيارية في سلوك المجتمَع الإيرانِيّ، وعدم وضوح التسلسل القيمي لديه، الأمر الذي نتج عنه ظاهرة ما يُعرف بـ»الزواج الأبيض» أو «المساكنة» خارج إطار مؤسَّسة الزواج الشرعي، وما ينتج عنه من تراجع معدَّلات الزواج الشرعي، ومِن ثَمَّ نقص المواليد. كما تناول المحور قضايا الإدمان والطَّلَاق الذي ارتفعت معدَّلاته، علاوة على زيادة نسبة البطالة والانتحار والعنف المجتمَعي.
في قسم الشَّأن العرَبيّ اتسعت ساحات المواجهات بين إيران والمملكة العرَبيّة السُّعوديَّة خلال شهر سبتمبر الجاري حيال ملفّ الحَجّ لعام 2016، نتيجة مساعٍ إيرانِيَّة لـ»تسييس» الحَجّ عبر رفع شعارات سياسيَّة مناهضة من خلال تجمُّعاتهم، منها «الموت لإسرائيل» و»الموت لأمريكيّا»، وهو ما رفضته السُّلُطات السُّعوديَّة لكونه يضرّ بعَلاقات السُّعوديَّة الدوليَّة ويؤثّر سلبًا على درجة تزاحم الحُجَّاج ويُفقِدهم حياتهم.
كما شهد الشهر ذاته حدثَين بارزين على الساحة السُّورِيَّة: الأول يتمثل في انقضاء اتِّفاق الهدنة دون تمديده، والثاني التصعيد العسكريّ الرُّوسي-السُّورِيّ مع دعم إيرانِيّ ضدّ مدينة حلب الهامَّة على الصعيدَين الجيو-ستراتيجي والجيو-سياسيّ لتحقيق مكاسب استراتيجية على الأرض.
وعلى الصعيد العراقيّ شهد سبتمبر دورًا إيرانِيًّا متناميًا تجاه معركة تحرير الموصل من تنظيم «داعش» بالعراق بدعمها مشروعًا شيعيًّا للمرحلة التَّالِية يتعارض مع المشروعين السُّنِّيّ والكردي، مِمَّا يؤكِّد خطورة الأوضاع عقب تحرير المدينة.
وعلى صعيد الأزمة اليَمنيّة التي تراوح مكانها منذ استيلاء الحَوثِيّين المدعومين إيرانِيًّا على العاصمة اليَمنيّة صنعاء سبتمبر 2014 واحتلال القصر الرئاسي وإضفاء الطابع المذهبيّ على الصراع، شهد سبتمبر 2016 أحداثًا عِدَّةً، من بينها قرار الرئيس هادي نقل البنك المركزي الذي تسيطر عليها قوات الحَوثِيّ-صالح من صنعاء إلى عدن، ثم تصريح وزير الخارجيَّة اليَمنيّ عبد الملك المخلافي بأن حكومته ستطبع خلال الفترة المقبلة (لم يحدد طولها) عملة جديدة.
وأيضًا طالعتنا الصِّحافة الإيرانِيَّة خلال سبتمبر الجاري بأخبار تقول فيها إن القاهرة تُدِير ظهرها للرياض وتتَّجه إلى طهران، مستشهِدة بلقاء وزير الخارجيَّة المصريّ ع نظيره الإيرانِيّ على هامش اجتماعات الدورة الـ71 للجمعيَّة العامَّة للأُمَم المتَّحدة بنيويورك التي انعقدت يوم 20-27/9/2016، وأن الأمين العامّ الأسبق لجامعة الدُّوَل العرَبيّة عمرو موسى وصف قرار السُّعوديَّة تشكيل ما يُسَمَّى التحالف العرَبيّ بقيادة السُّعوديَّة في اليمن بـ»غير الصائب»1979.
أما قسم الشَّأن الدوليّ فتناول أولًا العَلاقات الإيرانِيَّة-الأمريكيَّة، وفيها توالي المؤشِّرات الدالَّة على حقيقة العَلاقات الأمريكيَّة-الإيرانِيَّة منذ توقيع إيران الاتِّفاق النوَوِيّ مع مجموعة «5+1» ودخولها فصلًا جديدًا يسوده التوجُّه نحو التقارُب السياسيّ في العَلاقات بين البلدين تجاه القضايا الإقليميَّة والدوليَّة العالقة، بخاصَّة الملف النوَوِيّ، فالولايات المتَّحدة لا يهمُّها لا أمن دول مجلس التعاون الخَلِيجِيّ ولا الأمن العرَبيّ كافَّةً، بل ما يهمُّها فقط مصالحها في المنطقة، ومن بين هذا المؤشِّرات الجديدة إعاقة إدارة أوباما مساعي الكونغرس إصدار قانون للكشف عن أموال كبار القيادات الإيرانِيَّة وتأكيد وزير الخارجيَّة الإيرانِيّ حصوله على وعود أمريكيَّة بتحفيز الدُّوَل الأُورُوبيَّة لتعزيز التعاملات التِّجَاريَّة مع إيران، خصوصًا البنوك الأُورُوبيَّة.
وتناول ثانيًا العَلاقات الإيرانِيَّة-الرُّوسِيَّة، وفيها تم التركيز على مجالات التعاون بين البلدين التي شهدت نموًّا خلال شهر سبتمبر، وهي مجال الطاقة النوَوِيَّة والكهربيَّة، بعد توقيع اتِّفاق بشأن المرحلتين الثانية والثالثة من محطة بوشهر النوَوِيَّة، مع التعاون في مجال النظائر المُشِعَّة داخل مفاعل فرودو، ونقل الماء الثقيل المُنتَج في إيران إلى روسيا. ثم مجال التعاون المصرفي الذي شهد افتتاح بنك إيرانِيّ في موسكو، والاتِّفاق على تأسيس بنك مشترَك يسهِّل عمليَّة التبادل التِّجَاريّ بين البلدين التي شهدت تحسُّنًا ملحوظًا خلال الأشهُر الستة الماضية، وفي النهاية التعاون العلمي، وبه توقيع اتِّفاقيَّات تبادُل طلابي ونقل التكنولوجيا بهدف تطبيق التجرِبة الهندية في مجال البرمجة والتقنيات الحديثة في إيران.
لاستكمال القراءة إضغط هنا