تنافُس النماذج في منطقة الشرق الأوسط

https://rasanah-iiis.org/?p=31982

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

تعيش منطقة الشرق الأوسط مرحلةً جديدةً من التنافس الموازي للصراعات في كثيرٍ من الأحيان ويركز هذا التنافس على الإقناع والجذب أو ما يعرف بالنموذج الجذاب في الحوكمة والتنمية والاستثمار في الإنسان. وإذا ما تحدثنا عن المملكة العربية السعودية فقد اتجهت منذ ثماني سنوات على أقل تقدير نحو هذا النموذج واتضحت معالمهُ بشكل أوضح وأشمل وأكثر نضجًا خلال الثلاث سنوات الماضية، من حيث التحديث والانفتاح والتطوير وتنويع الدخل والتركيز على رفاهية المجتمع وتحسين جودة الحياة.

صحيحٌ أنّ كثيرًا من هذه المشاريع الإصلاحية والتنموية والاستثمارية الضخمة لا تزال في منتصف الطريق الذي تنتهي مرحلتهُ الأولى بتحقق رؤية 2030م لكن كل من يصل إلى المملكة وسبق أن زارها أو عايَش هذه المرحلة يلحظ بوضوح التحول الكبير في معظم مدن المملكة والعقلية الإدارية الجديدة التي تدير الوزارات والمؤسسات وكذلك مشاريع تمكين المرأة والاستثمار في الرياضة والسياحة ورفع دور القطاع غير الربحي (القطاع الثالث) في الناتج الإجمالي للمملكة.

هذه التحولات في المملكة يرصدها بعناية الشباب الطموح في المنطقة وبخاصة في الدول التي تربطها بالمملكة علاقاتٌ ليست مثالية إنْ لم تكُن متوترة وبخاصة في إيران.

لقد أثّر هذا التحول أو ما يمكنُ تسميته بالنموذج السعودي كثيرًا على الشباب الإيراني الذي يتابعُ ما يحدث في دول الجوار وبخاصة في دول الخليج العربية وأصبح معيارًا في كثير من الأحيان لتقييم أداء الحكومات الإيرانية المتعاقبة رغم وجود الصورة النمطية لأسباب تاريخية وقومية تجاه المملكة. مثل هذا النمط للمقارنة تجاوز الكثير من وعود الحكومات الإيرانية التي تقدم وعودًا كبيرة للشعب الإيراني دون تحققها على أرض الواقع. بل إنّ جميع موازنات الحكومات الإيرانية المتعاقبة تقدم وعودًا عالية لكنها لا تتحقق ليس هذا فحسب، بل إنّ جميع النتائج سلبية والأوضاع المعيشية تتجهُ نحو الانحدار على كافة المستويات.

وسأحاول في الجزء التالي من المقال استعراض بعض ما ذكرته بعض الشخصيات الإيرانية البارزة في هذا الصدد. يقول علي قنبري النائب السابق في البرلمان والمساعد الأسبق لوزير الجهاد الزراعي وعضو هيئة التدريس بجامعة “تربيت مدرس”: وقعت إيران في فخ التنمية الصورية، لأنّ التنمية تعني تقوية البنية التحتية وتهيئة الأوضاع في البلاد لتوزيع الرفاهية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والثقافية، في حين أنّ نتيجة تنفيذ خطط التنمية الست السابقة لم تحقق ذلك، كما أنّ مجرد الأعداد والأرقام التي تظهرُ حصول نمو اقتصادي محدود، لا تعني الوصول للتنمية. وأضاف: نحن متخلفون بمقدار 15 عامًا عن دول الجوار. نحن في أحسن الأحوال متخلفون 10 سنوات، وفي أكثر الحالات واقعية متخلفون 15 عامًا عن الدول المحيطة بنا مثل السعودية وتركيا وغيرها.

من جانب آخر، يذكر وحيد شقيقي خبير اقتصادي: دخلت السعودية الموجة الثالثة من المعرفة، وقامت بتغييرات جوهرية في الاقتصاد المرتكز على المعرفة، وتغير نظام الثروة لديها، وباتت تستفيد من العناصر المولدة للثروة مثل الاقتصاد الافتراضي والذكي والأخضر والطاقات المتجددة، بينما لا نزال نعيش في مرحلة الموجة الثانية، ونصرُّ على تحسين أوضاع الصناعة وفق الموجة الثانية، بينما دخل منافسونا الموجة الثالثة وخططوا لنظام الثروة المستقبلية.

وحول الفرق بين العمل والشعارات، يقول الأستاذ الجامعي مجيد مرادي: منذ أعوام طويلة نطلقُ شعار الموت لأمريكا ونستهزئُ بالسعودية بأنها تابعة لأمريكا، لكن حين ننظر مليًا، نرى أننا أصبحنا عمليًا تابعين لأمريكا [نسعى لاسترضاء أمريكا للموافقة على الإفراج عن أموالنا في كوريا الجنوبية لاستخدامها لأغراض مدنية]، بينما تقاوم السعودية أمريكا وأدخلت الصين للشرق الأوسط. ويضيف: يصرخ رئيس الجمهورية منذ سنتين بأننا لن نربط حياة المواطنين بالمفاوضات مع أمريكا، لكننا نرى عمليًا أنّ الدولار يرتفع وينخفض مع كل خبر ينشر حول الاتفاق النووي. لكن الريال السعودي يقف بثبات، ولن تتزعزع مكانة الريال السعودي حتى وإن اهتزت الجبال.

إن الاقتصاد القوي هو الذي منح السعودية الاستقلال السياسي، وليس شعارات مواجهة الاستكبار العالمي، وما أضرّ باستقلالنا عمليًا هو الاقتصاد الضعيف. هذا هو الفرق بين ريالنا والريال السعودي. يتعرّضُ ريالنا لصفعات بسبب السياسات الضعيفة، وتحقّقُ سياستهم النجاح نتيجة الريال القوي.

وحول التخطيط للمستقبل، يقول إحسان بداغي، الكاتب الصحفي: تجهز السعودية نفسها عبر مشاريع عملاقة مثل مدينة نيوم الضخمة بتكلفة 500 مليار دولار لزيادة عدد سكانها بنسبة 50% حتى العام 2030م. بينما تقوم إيران بمنع اختبارات الكشف عن وجود إعاقة لدى الجنين وتصعّب الوصول إلى أدوات منع الحمل. وبعد ذلك، يصف كثيرٌ من السياسيين الإيرانيين حكامَ السعودية بالرجعيين والجاهلين.

وحول مركزية القوة في المنطقة، ذكر الكاتب الصحفي مصطفى فقيهي على تويتر: أصبحت السعودية في عهد ابن سلمان القوة الأولى بالمنطقة، نتيجة فهمها منطق العالم دون مزاعم وضجيج فارغ. تدور عجلة اقتصادها، وترتقي مكانتها الدولية والآن تعتزم إجراء مصالحة بين روسيا وأوكرانيا، بينما يتّهمُ الغرب إيرانَ بدعم أحد أطراف النزاع. تخلوا عن العداء للسعودية وانظروا للحقائق.

أحد رواد مواقع التواصل الإيرانيين يقول: تم إغلاق معرض قزوين الدولي؛ بسبب بثّ موسيقا وخلع زائرات المعرض للحجاب. بينما تجلب السعودية نجوم كرة القدم من أجل الدعاية لبلدها. عندنا ينتظر البعض ظهور خصلات من شعر المرأة كي يغلقوا ما يسمونه معرضًا دوليًا.

 وأخيرًا، يذكر الاقتصادي سيامك قاسمي: تمضي فكرة ابن سلمان، لتحويل دول الخليج العربية بقيادة السعودية إلى اتحادٍ شبيه بالاتحاد الأوروبي، قدمًا وبسرعة. وبرأيي ليس من المستبعد أن يتوجه هذا الاتحاد نحو فكرة العملة الموحدة. ستزداد الفجوة الاقتصادية بين شمال الخليج وجنوبه أكثر فأكثر.

يُذكر أنه بحسب أحدث تقارير مؤشر السعادة العالمي، احتلت إيران المركز 101، فيما احتلت السعودية المركز 30.

من الواضح أنّ المملكة العربية السعودية تتقدم وتنمو وتزدهر بكل المقاييس، ومن الأفضل للدول المتنافِسة أن تتعلم من المملكة وتبني نموذجًا يحاكي نموذج المملكة في مجالات الحوكمة والتنمية.

المصدر: عرب نيوز


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد 

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية