تُنذر الزيادة في عمليات نقل الأسلحة في الآونة الأخيرة، بين روسيا وإيران، بتوسُّع نطاق العلاقات العسكرية بين البلدين، خلال العام الحالي. وتتزامن الشراكة العسكرية بين موسكو وطهران، مع رفع الولايات المتحدة من وتيرة مبيعات الأسلحة على المستوى العالمي. وفي المقابل، شهِدت صادرات الأسلحة الروسية انخفاضًا تنازليًا، إذ أسهم الصراع في أوكرانيا إسهامًا كبيرًا في هذا الانخفاض، فقد انخفضت مبيعات الأسلحة الروسية بنسبة 31% خلال السنوات الخمس الماضية.
وحسبما أفادت به التقارير الأخيرة، فإنَّ الطرفين يجريان عمليات تبادُل للأسلحة، وقد أرسلت موسكو لطهران أسلحةً أمريكيةً وغربية، كانت قد استولت عليها في حربها مع أوكرانيا. وشمِلت سلسلةُ إمدادات الأسلحة الإيرانية إلى روسيا نقل الآليات الخفيفة الوزن، خاصّةً الطائرات المسيَّرة، التي أرسلت المئات منها. ورُصِدت بعض هذه الطائرات المسيَّرة في أوكرانيا، الأمر الذي يُشكِّل تهديدًا متزايدًا للمجهود الحربي للغرب في الميدان الأوكراني، ورُبما يساهم ذلك في إطالة أمد الصراع الروسي-الأوكراني. وتعمل هذه الطائرات المسيَّرة بتقنية غربية حصلت عليها القوات الروسية في أوكرانيا، وأرسلتها إلى إيران. ولاعتمادها على الهندسة العكسية والتقنية الغربية في تصنيع الأسلحة، تشهد الصناعات العسكرية في إيران نموًا سريعًا.
بالإضافة إلى ذلك، اشترت إيران مؤخَّرًا طائرات Su-35 من روسيا، وتخطِّط أيضًا لشراء طائرات هليكوبتر وصواريخ روسية. وتعتزم إيران أيضًا شراء طائرات Su-30SM، وطائرة التدريب القتالية الخفيفة Yak-130 المتطوِّرة. وبناءً على ذلك، يقول الخبراء إنَّ إيران ستعتمد على شراكتها مع روسيا، لشراء قطع الغيار والمعدّات اللازمة لتشغيل الطائرات المذكورة؛ لكي تتمكَّن من الحصول على التفوُّق الجوِّي، وتوسيع نطاق عملياتها الهجومية البرِّية.
أبطأت سابقًا العقوباتُ التي تقودها الولايات المتحدة، من عمليات تسليم المعدّات العسكرية الروسية إلى إيران، لكن عندما شدَّدت واشنطن العقوبات على موسكو وطهران، يبدو أنَّ البلدين (أي روسيا وإيران) حريصان على تسريع عملية نقل الأسلحة. وعلى الرغم من هذه العقوبات، فقد حصلت إيران على قائمة من القاذفات التكتيكية، والطائرات المقاتلة، وطائرات النقل من روسيا.
تمثِّل خطوات ربط النظام المصرفي الروسي والإيراني، واحدةً من عدَّة إجراءات تتبنّاها روسيا وإيران؛ لمواجهة الجهود الدولية، التي تهدف إلى تقليص الشراكة العسكرية المتنامية بينهما. وفي هذا الصدد، سوف تُتيح صفقة روسية-إيرانية جديدة لـ 52 فرعًا من البنوك الإيرانية وأربعة بنوك أجنبية لم يُذكَر اسمها، باستخدام نظام الاتصالات بين البنوك المحلِّية في إيران، والمعروف باسم SEPAM؛ لكي ترتبط مع 106 بنوك باستخدام نظام المراسلة المالية الروسي. لن يتعرَّض النظام المشترك ما بين البنوك المحلِّية للعقوبات، ولن تخضع بنيتها التحتية لسيطرة الحكومات الغربية.
سيُساعد ممرّ النقل الدولي بين الشمال والجنوب، بمجرّد اكتماله وبدء تشغيله، في الالتفاف على العقوبات الغربية، وهو أمرٌ بالغ الأهمِّية للعلاقات الروسية-الإيرانية وللتجارة ونقل الأسلحة.
ليس من المُستغرَب أن يساورَ الولايات المتحدة القلق، من إمكانية إتاحة عمليات نقل المعدّات العسكرية الروسية، وفرص حصول إيران على آليات عسكرية متقدِّمة إلى حدٍّ ما، خصوصًا لأنظمة دفاعها الجوي. وأكَّدت طهران أنَّها طلبت إمدادات عسكرية جديدة من موسكو، وتأمل في استلامها قريبًا. وتقول الولايات المتحدة أيضًا إنَّ العلاقات الروسية-الإيرانية المتنامية تتحرَّك بوتيرة سريعة بالغة الخطورة، وتحذِّر من أنَّ طهران لديها بالفعل شبكة مشتريات شبه عالمية؛ للحصول على أحدث التقنيات العسكرية. وتعتقد طهران أنَّ من حقِّها بموجب القانون الدولي، الدخول في تعاون عسكري، وعقد صفقات الأسلحة مع روسيا.
تفرض الولايات المتحدة عقوبات أكثر صرامة على روسيا وإيران خلال هذا العام 2023م، وتتّخِذ المزيد من الخطوات، من أجل وقف إمدادات الطائرات المسيَّرة الإيرانية إلى موسكو. قدَّم مجلس الشيوخ الأمريكي بعض الإجراءات هذا العام، لمواجهة تحدِّي موسكو وطهران العسكري، فقد قدَّم قانونًا لردع الدعم الإيراني لروسيا في أوكرانيا وتوجيه ضربة استباقية ضد الإرهاب. واعتبر البنتاغون إيران، بأنَّها تحدٍّ عالمي؛ بسبب تعاونها العسكري المتزايد مع روسيا، ويسعى إلى تشكيل تحالف عالمي؛ لكبح جماح الشراكة بين البلدين.
تستهدف إسرائيل البنية التحتية الدفاعية الإيرانية، بما في ذلك مستودعات الذخيرة، وعلى الرغم من إحباط إيران لمعظم هذه الهجمات، إلّا أنَّها ترفع سقف تكلفة صناعة الأسلحة لديها. وحسبما أفادت به وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الأخرى المدعومة من كييف، يبدو أنَّ أوكرانيا تدعم هذه الهجمات الإسرائيلية، في محاولة منها لتحذير طهران لإيقاف تزويد روسيا بالأسلحة والطائرات المسيَّرة .
ومن غير الواضح، ما إذا كانت هذه الإجراءات ستحِدُّ من عمليات نقل الأسلحة بين إيران وروسيا؛ فطهران دائمًا مستعدَّة لإرسال المزيد من الأسلحة، وكذلك الأفراد العسكريين الإيرانيين إلى موسكو، ومن جانبها تُصِرُّ روسيا على أنَّ تعاونها مع إيران سيستمرّ، على الرغم من الضغوطات الأمريكية.
وفي الوقت الذي تعزِّز فيه الولايات المتحدة شراكاتها في جميع أنحاء آسيا، مع دول مثل كوريا الجنوبية واليابان لاحتواء روسيا، فإنَّه من المُرجَّح أيضًا أن تتعزَّزَ الشراكة العسكرية بين موسكو وطهران. ولعلَّ الضوابط الضعيفة على سوق الأسلحة الدولي والآسيوي خصوصًا، قد تعني أيضًا أنَّ موسكو وطهران ستجدان دائمًا طُرُقًا جديدة لتوسيع نطاق نقل الأسلحة والتقنية والمعدّات.