أقامت إيران علاقات دبلوماسية مع حركة طالبان، بعد أشهر من استيلائها على السلطة في كابول قبل نحو عامين. وعلى الرغم من استمرار التوتُّرات بين طهران وكابول، تندفع إيران بفعل الاعتبارات الاقتصادية والأمنية وكذلك الانقسامات في المقاومة الأفغانية المناهضة لـ«طالبان»، إلى إصلاح علاقاتها مع الحركة.
ولتخفيف حدّة التوترُّات مع «طالبان»، عيَّنت إيران سفيرها الجديد في كابول حسن كاظمي قمي، في ديسمبر 2022م. وتطالب «طالبان» إيران بالإفراج عن السجناء الأفغان، الذين يُعَدُّ الكثير منهم من المهاجرين غير الشرعيين ومن المهرِّبين، وتطالب أيضًا بتصويب أوضاع حوالي 2.1 مليون إلى 2.6 مليون أفغاني ممَّن لا يحملون وثائق رسمية في إيران. وقد أثار مقتل مهاجرين أفغان، على يد حرس الحدود الإيراني، قلق كابول. وبالإضافة إلى ذلك، أعربت حركة طالبان عن قلقها إزاء الحرمان المنهجي لحقوق الأفغان في إيران، بما في ذلك عدم حصولهم على فرص التعليم والصحة، ناهيك عن أنَّ بعض المهاجرين الأفغان في إيران يقعون ضحايا للعمل القسري، وتُفرَض على الأفغان في إيران قيودٌ على تحرُّكاتهم، ويُعزَلون عن أفراد عائلاتهم في أفغانستان، الذين لا يستطيعون دخول إيران، وفي بعض الأحيان يتعرَّضون للتحرُّش الجنسي.
ولمعالجة هذه المخاوف، سلَّمت إيران مفاتيح السفارة الأفغانية في طهران إلى دبلوماسيي «طالبان» في فبراير؛ للتخفيف من حدّة التوتُّرات مع أفغانستان. وعلى الرغم من الدعم الإيراني للجماعات الأفغانية المناهضة لـ«طالبان»، بما في ذلك «جبهة المقاومة الوطنية في أفغانستان»، إلّا أنَّ هذه الخطوة تعني ضمنيًا اعتراف طهران بحركة طالبان، لاسيّما أنَّ هذه الخطوة تأتي في خِضَم انشقاقات في الجبهة؛ بسبب مزاعم تتعلَّق باحتكار زعيمها أحمد مسعود للسلطة وادّعاءات بوجود فساد. ومن جانبها، أعربت جبهة المقاومة الوطنية في أفغانستان عن أسفها لاستيلاء «طالبان» على السفارة الأفغانية في طهران.
تحثّ «طالبان» إيران، وهي شريك أفغانستان التجاري الرئيسي، على زيادة استثماراتها؛ إذ افتتحت إيران في مارس الماضي موقعًا لمركز تجاري في أفغانستان؛ من أجل دعم الأنشطة التجارية والاقتصادية بين البلدين. ومن المتوقَّع أن يساعد خط سكة حديد «خاف-هرات»، الذي يبلغ طوله 225 كيلومترًا ويربط شرق إيران بغرب أفغانستان، إلى جانب الأنشطة التجارية في ميناء چابهار الإيراني، في إزالة الحواجز التي تقف أمام التجارة والعبور، ومن المتوقَّع أن يساعد في تعزيز العلاقات التجارية. وتقول إيران إنَّها سوف تزيد من استثماراتها في مشاريع البنية التحتية في أفغانستان، بما في ذلك قطاعات التعدين والطاقة والنقل.
على الصعيد الأمني، تعمل إيران و«طالبان» على خفض حدّة التوتُّرات الحدودية؛ إذ أطلقت «طالبان» في فبراير الماضي سراح أحد حراس الحدود الإيرانيين، الذي اعتُقِل على معبر ميلك الحدودي، الذي يشهد تبادُل إطلاق نار مستمرّ عبر الحدود. ولا تزال التوتُّرات قائمةً بين إيران و«طالبان» حول نهر هلمند، حيث تتهم طهران كابول بحرمانها من حصّتها من المياه، من خلال بناء سدود على النهر. وافتُتِح سد كمال خان المثير للجدل رسميًا في مارس 2021م، وذلك على الرغم من أنَّ طهران سعت جاهدةً لعرقلة بناء ذلك السد، على مدى السنوات السابقة. وقال النائب الأول لرئيس الجمهورية الإيراني محمد مخبر، إنَّ طهران قد تضطرّ إلى رفع دعوى قضائية أمام المحاكم الدولية؛ لاستعادة حقها في نهر هلمند المعروف باسم هيرماند في إيران. في عام 1973م، أبرم البلدان معاهدة نهر هلمند، التي تضمن لإيران حصّةً شهريةً من مياه نهر هلمند. وتصرّ إيران على أنَّ جارتها أخفقت بالوفاء بالتزاماتها في الاتفاق. وبسبب القلق الإيراني لوجود تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان، خصوصًا في المناطق الحدودية بما في ذلك في محافظتي هرات ونمروز، اقترحت إيران مؤخَّرًا اتّخاذ إجراءات مشتركة مع السلطات الأفغانية في إطار الحرب على الإرهاب. كما دعت إيران حركة طالبان إلى احترام الأقلِّيات الأفغانية، واستضافت كذلك وفودًا شيعية أفغانية. واستجابةً لذلك، التقى النائب السياسي لرئيس الوزراء الأفغاني بالإنابة مولوي عبد الكبير، الملا حسن أخوند في الأيام القليلة الماضية، مع نائب العلماء الشيعة الأفغاني محمد أكبري؛ من أجل التأكيد على أنَّ «طالبان» لا تنظر إلى الشيعة على أنَّهم مختلفون عن السُنَّة. ودعا العلماء الشيعة الأفغان بدورهم، أتباعهم إلى التعامل مع حكومة «طالبان»؛ من أجل حل الخلافات عن طريق التعايش معها.
ينسجم تقارُب إيران من «طالبان» مع مطالب الصين، بأن تتعامل دول المنطقة مع الحركة؛ للحيلولة دون عزل أفغانستان. وفي فبراير الماضي، زار أمين مجلس الأمن القومي الإيراني الأعلى علي شمخاني موسكو؛ لإجراء مزيدٍ من المشاورات حول أفغانستان. وتحرص روسيا وإيران على الحيلولة دون تنامي نفوذ «داعش» في أفغانستان، إلّا أنَّ طهران تقول إنَّ سياسات واشنطن في عزل «طالبان» أدّت إلى زعزعة الاستقرار في أفغانستان؛ ما خلق موطئ قدم لجماعات إرهابية، مثل «داعش خرسان».
صرَّح مكتب إيران لدى الأمم المتحدة، بأنَّ الأوضاع الإنسانية في أفغانستان صعبة للغاية، إذ يُقدَّر أنَّ نحو 28 مليون شخص في حاجة إلى المساعدات. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على «طالبان»، لكن منذ فبراير 2022م، سمحت الولايات المتحدة بتخصيص أموال أفغانية مجمَّدة بالخارج تبلغ قيمتها 3.5 مليار دولار لصندوقٍ ائتماني بإدارة الأمم المتحدة؛ من أجل دعم الجهود الإنسانية في أفغانستان. ولا ترى طهران أنَّ هذه الخطوة كافية، وطالبت بالإفراج عن جميع الأموال الأفغانية المجمَّدة، التي تصل قيمتها إلى 9 مليارات دولار.
ومن الآن فصاعدًا، سوف تعمل إيران مع «طالبان»؛ لكي تُظهِر نفسها على أنَّها شريكٌ موثوقٌ به، لاسيّما أنَّ الحفاظ على التجارة والتعاملات المالية مع «طالبان» يتطلَّب تعاونًا واسع النطاق في المجال الأمني. وسوف يرسم هذا التعاون مسار العلاقات بين إيران و«طالبان»، وربما يفتح قنوات دبلوماسية جديدة ومنتديات للحوار؛ من أجل حل القضايا العالقة بين الجانبين. إلّا أنَّ العلاقات ستبقى هشةً بين البلدين؛ بسبب الاختلافات الأيديولوجية بينهم، ولو كانت البراغماتية تبدو كأنّها النهج الذي يتبنّاه الجانبان فعليًا في الوقت الحالي.