في طرحٍ يضلّل القارئ ويُخفي عديدًا من الحقائق المتصلة بواقع اللاجئين على الأراضي الإيرانية، لا سيما من الأفغان الذين يواجهون حالات تمييز قومي في قطاعات متفرقة، أهمّها القطاع الصحي، كتبت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) في حسابها الرسمي على «تويتر»، أن إيران «من البلدان القليلة في العالم التي تقدّم للاجئين خيار التسجيل في نظام التأمين الصحي الوطني، أسوةً بالمواطنين الإيرانيين». وفي هذا التقرير نتناول الجوانب المحيطة بإشكالية اللاجئين الصحية، من خلال تفنيد ما طرحته المفوضية السامية.
وحسب المفوضية، فسيُمكَّن مئة وعشرون ألف لاجئ في إيران من الحصول على التأمين الصحي، تبعًا لتوافُقٍ متدارَك بين المفوضية والحكومة الإيرانية لضمان حصول اللاجئين على الرعاية الصحية. وأضافت أن التأمين يشمل خدمات علاج الإصابة بفيروس «كورونا» والاستشفاء منه مجانًا، كما يدعم التكاليف الطبية الأخرى مثل العمليات الجراحية وغسل الكلى والأشعة والفحوص المخبرية والعيادات الخارجية، ونوَّهت باقتضاب أنها الجهة المعنية بدفع تكاليف وأقساط التأمين لهؤلاء اللاجئين ممَّن يُعَدّون في حيز الفئات الأكثر ضعفًا. وفي هذا الإطار ينبغي أن ننوّه لعدَّة نقاط:
النقطة الأولى أن بيانات المفوضية تؤكد حقيقة سعيها لمساعدة المئة والعشرين ألف لاجئ للحصول على التأمين الطبي، لكن ماذا يشكّل هذا الرقم للمجموع الكلي للاجئين والمهاجرين؟ تتباين الإحصائيات المتعلقة بتعداد اللاجئين في إيران، سواءً اللاجئون الحاصلون على وثائق حكومية رسمية وغير الحاصلين عليها. مثلًا، تقول الإحصائيات الرسمية الإيرانية إن تعداد اللاجئين الأفغان يصل إلى قرابة ثمان مئة ألف لاجئ، فيما صرَّح العام الماضي نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي بوصول تعدادهم إلى ما يقرب من ثلاثة ملايين لاجئ على الأراضي الإيرانية. ووفقًا لدراسة صادرة عن جامعة كامبريدج، يعيش أكثر من مليونَي مواطن أفغاني في إيران، 40% منهم مسجَّلون ببطاقات لجوء، و2% يحملون تصاريح إقامة طويلة الأجل، و22% يحملون جوازات سفر قصيرة الأجل، و36% يعيشون في إيران بلا أي مستندات رسمية. على كل حال، يتّضح أن من ساعدتهم المفوضية على التقديم في التأمين الصحي قِلَّةٌ قليلةٌ جدًّا في ظل عجز الغالبية العظمى منهم عن تحصيله.
النقطة الثانية أن المفوضية السامية دفعت لمئة وعشرين ألف لاجئ تكاليف التأمين الصحي، بلا مشاركة من الحكومة الإيرانية في تحمُّل أي نسبة من تلك الأعباء المالية، وأكدت المفوضية في بيان لها أن «العديدَ من اللاجئين لم يعودوا قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية، ناهيك عن دفع تكاليف التأمين الصحي، التي تُقدَّر بنحو 40 في المئة من متوسط النفقات الشهرية لعائلةٍ لاجئة»، بما يعني أن اللاجئين المقيمين في إيران، خصوصًا ذوي الدخل المحدود، ما كانوا ليحصلوا على التأمين الصحي لولا المفوضية والتزامها بدفع أقساط التأمين الطبي.
النقطة الثالثة أن منصاتٍ عالمية كشفت عن رفض المستشفيات الإيرانية استقبال اللاجئين الأفغان المصابين بفيروس «كورونا»، مما دفع آلاف المهاجرين والطلبة منهم إلى اختيار العودة إلى أفغانستان، وإن كانت بلادهم تنقُصها الإمكانيات والإمدادات الطبية اللازمة، وأعرب لاجئون أفغان عن آسفهم من أن أحدَ أفضل المستشفيات في إيران (مستشفى الإمام الخميني) رفضَ استقبالَهم، رغم تصريحات المسؤولين الحكوميين بعدم تحيُّز الجهاز الصحي الحكومي ضدَّ اللاجئين. يعني هذا أن الحكومة الإيرانية عجزت على فترات رئاسية متفرقة عن توسيع رقعة التأمين الصحي ليغطي شريحةً أكبر من مواطنيها، لا سيما في المناطق الريفية، ولم تأبه بإدراج اللاجئين فعليًّا ضمن قوائم برامج التأمين الطبي، قبل أن تتفاقم بشكلٍ صارخ الأوضاع المعيشية والصحية التي يتجرَّعُها اللاجئون في غضون انتشار جائحة «كورونا».
النقطة الرابعة أن اللاجئين والمهاجرين لا يحظون بمعاملة كريمة، وتعاملهم الكوادر والمنشآت الطبية الإيرانية بازدراء وتمييز، بل إن الجهات المسؤولة في إيران سنّت تشريعات تقضي بعدم إدراج اللاجئين والمهاجرين على قائمة الانتظار لعمليات زراعة الأعضاء. فقد أصدرت لجنة زراعة الأعضاء قرارًا يرفض منح أعضاء المواطنين الإيرانيين للأجانب، بذريعة «حفظ كرامة المواطن الإيراني»، ويُعَدّ وزير الصحة الإيراني السابق حسن هاشمي من أشدّ المدافعين عن هذا القرار، وفي مفارقةٍ صارخة، لا يمنع القانون الإيراني ذاته زراعة أعضاء المهاجرين واللاجئين للمرضى الإيرانيين، مما أثار استياء هذه الفئات التي تشكّل نسبةً معتبرة من المقيمين في إيران، إذ اعتبروا هذا السلوك عنصريةً في التعامل مع الأجانب المقيمين على الأراضي الإيرانية. وفي هذا الإطار، فقد أغفلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حقائقَ عدَّة عندما تحدثت عن تقديم الحكومة الإيرانية للاجئين خيارَ التسجيل في التأمين الصحي «أسوةً بالمواطنين الإيرانيين»، موهِمةً القارئ بأن المواطن واللاجئ على قدم المساواة في إيران. اللاجئ في إيران يدفع تكاليف علاج تصل إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف تكاليف علاج المواطن الإيراني، كما أن جُلَّ اللاجئين والمهاجرين لا تستقبلُهم المنشآت الصحية كما أشرنا سابقًا، أو يُعامَلون فيها باحتقارٍ وازدراء، فضلًا عن أن الذين حصلوا على المساعدة للتسجيل في التأمين الصحي لا تتجاوز نسبتُهم 6% من تعداد اللاجئين الموثَّقين، ولم يكُن ليتحقق لهم الأمر لولا دفعُ المفوضية تكاليفَ الأقساط، واستفادة مؤسسة التأمين الإيرانية «سلامة» التابعة للحكومة من حصد العائدات المالية.
إجمالًا، لا نُنكِر الإيجابيات التي حصلَ عليها المئة والعشرون ألف لاجئ بمُوجَب ما قدَّمته المفوضية السامية من خدمات مالية لإدراجهم على قوائم التأمين الطبي في إيران، إلا أن الصورة المُبالَغ فيها لما تقدّمه الحكومةُ الإيرانية للاجئين، التي رسمتها تغريدةُ المفوضية، يقبعُ خلفها عديدٌ من الإشكاليات المعرفية؛ فالمفوضية السامية هي التي تتكفَّل بأقساط التأمين الصحي لعددٍ من اللاجئين في إيران، وهذا العدد يشكِّل نسبةً ضئيلةً جدًّا من تعدادِ كلِّ اللاجئين الذين يُعامَلون بازدراءٍ وتمييزٍ عنصري، وترفضُ الكوادرُ والمنشآتُ الطبية في إيران تقديمَ الخدمات الصحية لهم، مما يُرغِمهُم إما على النزوح عائدين إلى بلادهم، وإما على مواجهة مصيرٍ شديدِ التعقيد من أمراضٍ مزمنة وحالاتٍ معيشيةٍ بائسة.