ظلّت حالة عدم الاستقرار في الهيكل الإداري والوزاري هي السمة البارزة لحكومة حسن روحاني في دورتها الثانية على الرغم من مرور نحو عام ونصف على تشكيلها، وقد لعبت الأزمات الاقتصادية التي تتعرض لها إيران، إضافة إلى الضغوط السياسية المتلاحقة على روحاني، دورًا كبيرًا في بروز هذا الوضع.
على مستوى الهيكل الإداري لمكتب الرئيس لا تزال هناك شواغر متمثلة في المتحدث باسم الحكومة، والمساعد التنفيذي للرئيس، أما على مستوى الوزارات فلا تزال وزارتا الاقتصاد والعمل شاغرتين بعد سحب الثقة من الوزيرين مسعود كرباسيان وعلي ربيعي في أغسطس الماضي، وخلال اليومين الماضيين ارتفع عدد الوزارات الشاغرة إلى 4 وزارات بعد استقالة كل من وزير الطرق وبناء المدن عباس آخوندي، ووزير التجارة والصناعة محمد شريعتمداري.
وزير الطرق وبناء المدن المستقيل عباس آخوندي، استُجوِب ثلاث مرات خلال السنوات الماضية من عمر حكومة روحاني، وفي كل مرة كان ينجح في نيل ثقة أعضاء البرلمان، وكان على وشك استجوابه للمرة الرابعة خلال الفترة الأخيرة بسبب كثرة انتقادات الأصوليين لأداء وزارته.
كذلك كان آخوندي يقدم استقالته لروحاني في كل مرة كان يتعرض فيها للاستجواب في البرلمان، لكن إصراره على الاستقالة هذه المرة كان لاختلافه مع سياسة الحكومة المبنية على “تَدخُّل الدولة بشكل كبير في السوق، وطريقة إدارة الوضع الاقتصادي المتدهور للبلاد، فضلًا عن تجاهل الحكومة ثلاثة مبادئ رئيسية، هي الالتزام بالقانون واحترام حقّ الملكية واقتصاد السوق التنافسي”، كما اعتبر أن “من حقّ الرئيس روحاني أن يعيِّن وزيرًا أكثر انسجامًا معه في الحكومة”.
أما محمد شريعتمداري فقد تَعرَّض هو الآخر لانتقادات شديدة من الأصوليين ووسائل الإعلام التابعة لهم، تَمثَّلَت في ضعف الأداء والسماح باستيراد أكثر من 6400 سيارة بطريقة غير قانونية، وتخصيص 18 مليار دولار بسعر 4200 تومان للدولار الواحد لبعض الأفراد والشركات لشراء السلع غير الضرورية.
وفي سبتمبر الماضي قدَّم عدد من النواب مشروعًا للهيئة الرئاسية في البرلمان لاستجوابه حول أداء وزارته، ونتيجة لهذه الضغوط قدَّم شريعتمداري استقالته من وزارة التجارة والصناعة.
عقب اكتمال عقد الوزراء المُقَالين والمستقيلين، تَقدَّم الرئيس حسن روحاني برسالة إلى البرلمان الإيرانيّ بقائمة تضمّ 4 وزراء مقترَحين لمنحهم الثقة.
جاء هذا القرار بسبب الضغوط والأزمات التي ظلَّت تلاحق روحاني منذ دورته الرئاسية الأولى، لكنها اشتدت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بعد سحب الثقة من وزيرين خلال أغسطس الماضي هما وزير الشؤون الاقتصادية والمالية مسعود كرباسيان عقب التراجع الحادّ في قيمة الريال إلى جانب تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، ووزير العمل علي ربيعي، إضافةً إلى مساءلة روحاني نفسه في 28 أغسطس 2018 وعدم اقتناع نواب البرلمان بردوده على 4 أسئلة من مجموع الأسئلة الخمسة التي طُرحت عليه، بحُجَّة أن روحاني ربط كل الأزمات الداخلية التي تشهدها البلاد بالضغوط الأمريكيَّة والمؤامرات الخارجية. وخلال شهر أكتوبر الجاري تفاقمت الضغوط على روحاني بعد دعوة خامنئي، إضافة إلى الرسالة التي بعث بها نحو 50 خبيرًا اقتصاديًّا إلى رؤساء السلطات الثلاث وحذَّروا فيها من أن الوضع الذي تشهده البلاد أسوأ بكثير مِمَّا يُتصوَّر، وأن البلاد على وشك الانهيار. هذه الأسباب مجتمعةً دعت روحاني إلى قبول استقالة آخوندي وشريعتمداري، أو إقناعهما بالاستقالة.
ومن الواضح أن روحاني أرجأ تقديم وزيرين جديدين للاقتصاد والعمل، إلى حين اكتمال إقالة أو استقالة بقية الوزراء، وذلك لضخّ دماء جديدة في هيكل الحكومة المُنهَكة والمُثقَلة بالأزمات، ولمواجهة حزمة العقوبات الأمريكيَّة الجديدة المقررة في نوفمبر المقبل.
والوزراء المقترَحون هم:
ووَفْقًا للنظام الداخلي للبرلمان الإيرانيّ، فأمام النواب فرصة لمدة أسبوع واحد لبحث برامج الوزراء المرشَّحين في إطار اللجان التخصصية، ومن ثم يبحث المجلس أهليتهم في اجتماع علنيّ، وقد حدَّد البرلمان يوم الأحد القادم موعدًا للتصويت على الوزراء الأربعة الذين يقترحهم الرئيس روحاني.
عقب إعلان قائمة الوزراء المقترحين لشغل الحقائب الوزارية الأربع اجتمعت كتلة المستقلين بالبرلمان، التي يدعمها رئيس البرلمان علي لاريجاني، بكل من رضا رحماني المقترَح لوزارة الصناعة والمعادن والتجارة، ومحمد إسلامي المقترَح لوزارة الطرق وبناء المدن، لبحث برامج وخُطَط كل منهما، وبعد انتهاء الاجتماع أعلن المتحدث باسم كتلة المستقلين مرداد لاهوتي أن أعضاء كتلته دعموا بقوةٍ برنامج رحماني، أما محمد إسلامي فأكَّد لاهوتي أن رأي كتلة المستقلين حوله سيُعلَن بعد اجتماع آخر معه يُعقد لاحقًا.
لماذا يُصِرّ روحاني على الاحتفاظ بشريعتمداري؟
بعد يوم واحد من قبول استقالة شريعتمداري، فوجئ الجميع باختيار الرئيس روحاني له مجدَّدًا لوزارة العمل والرفاه الاجتماعي، بدلًا من علي ربيعي الذي أطاح به البرلمان في أغسطس الماضي.
إصرار روحاني على إبقاء محمد شريعتمداري في الحكومة واختياره لإدارة وزارة العمل والرفاه الاجتماعي على الرغم من الانتقادات الشديدة الموجَّهة إليه والتي قد تُضعِف فرصته في كسب ثقة البرلمان، أثار مجموعة من التساؤلات والتكهنات في أذهان المراقبين والمهتمين بشأن الحكومة الإيرانيَّة، وقد خلصت الاستنتاجات إلى ما يلي:
1- يرى البعض أن روحاني مَدِين لمحمد شريعتمداري، لدوره الكبير في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ومِن ثَمَّ وجد روحاني نفسه مضطرًّا إلى غَضِّ الطرف عن أخطاء شريعتمداري.
2- شريعتمداري أحد الوزراء القلة الذين يمثِّلون التيَّار الإصلاحي في الحكومة، لذا فإن بقاءه في الحكومة يمثل إحدى أدوات روحاني لتجنُّب أي انتقاد قد يتعرض له مستقبَلًا حول حصة الإصلاحيين في الحكومة.
3- يُعتَقَد أن محمد شريعتمداري يتمتع بعلاقات جيدة مع مؤسَّسة المرشد، وأن روحاني أراد من اختياره شريعتمداري في وزارة التعاون والعمل والرفاه الاجتماعي التي تُعَدّ من أهمّ المرافق الاقتصادية لامتلاكها عددًا كبيرًا من الشركات والمؤسَّسات المالية، الاستفادةَ منه في حفظ هذه الوزارة بعيدًا عن انتقادات الأصوليين.
4- أما الرأي الرابع فيرى أن أعضاء البرلمان لن يمنحوا شريعتمداري الثقة، كما أن شريعتمداري ليس راغبًا في المنصب الجديد، لكن روحاني يرى أنه إذا لم ينَلْ شريعتمداري ثقة النواب، فإن هؤلاء النواب لن يتشددوا في منح الثقة للشخص التالي الذي سيقدِّمه لهم.
يُذكَر أن حسين شريعتمداري كان وزيرا للتجارة لمدة 8 سنوات إبان رئاسة محمد خاتمي 1997-2005، وبعد وصول حسن روحاني إلى كرسي رئاسة الجمهورية في 2013 شغل منصب المساعد التنفيذي للرئيس، وفي الفترة الرئاسية الثانية عاد شريعتمداري مرة أخرى إلى وزارة التجارة التي توسعت مهامُّها بعد أن أُدمِجَت معها وزارة الصناعة والمعادن في يوليو 2011 لتصبح وزارة التجارة والصناعة المعادن.
قد ينجح روحاني في إجراء تعديل في عدد من وزراء القطاع الاقتصادي، وقد يجد نفسه مضطرًّا إلى إرغام أو إقناع وزراء جدد بالاستقالة، بسبب الانتقادات الشديدة التي تتعرض لها الحكومة، لكن يبدو أن الأزمة الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد الإيرانيّ أكبر من أن يحلَّها وزراءُ جُدُدٌ مهما بلغوا من العلم والكفاءة والخبرات المتراكمة، لأن الأزمة تكمن في أبعاد أخرى خارجة عن مقدرة وسيطرة الحكومة، تتمثل في هيكلة النِّظام الاقتصادي الإيرانيّ وتَدَخُّل مؤسَّسات النِّظام المختلفة في الشأن الاقتصادي وسيطرتها على معظم القطاعات الحيوية.