بعد موافقة حسن روحاني على استقالة وزيرَي المواصلات والصناعة، أصبحت كراسيّ أربع وزارات في مجلس الوزراء شاغرة فضلًا عن كرسيّ المتحدث باسم الحكومة، حيث فقدت حكومة روحاني الثانية التي يبدو أنها بلا رُبّان منذ مدَّة اثنين من وزرائها من قبل، بعد استجوابهما وسحب البرلمان الثقة منهما، وهما وزير الاقتصاد ووزير العمل، فقد استجوب البرلمان وزيرَ الاقتصاد، كرباسيان، على أثر أزمة العملة الصعبة، ونُقِلَت صلاحياته إلى القائم بأعمال الوزير، رحمت الله أكرمي، كما عُيّنَ أنوشيروان محسني بندبي للقيام بأعمال علي ربيعي في وزارة العمل بعد استجواب الأخير وسحب البرلمان ثقتَه.
أما محمد باقر نوبخت الذي كان يتولى منصب المتحدث باسم الحكومة، ونائب الرئيس، ورئيس هيئة التخطيط والميزانية، في آن واحد، فقد استقال من منصب المتحدث باسم الحكومة، والنتيجة أن أيًّا من المناصب المذكورة ليس فيها مسؤول خلال الأزمة الاقتصادية، كما حُرمت الحكومة أبسط أدواتها في التواصل مع الناس.
رئيس جمهورية عاجز عن إدارة الحكومة
واجه حسن روحاني شخصيًّا مراتٍ عدَّةً انتقاداتٍ تصفه بالكسل والعجز وعدم القدرة على التعامل مع شؤون الدولة الحالية، لكن القصة لا تقف عند هذا الحدّ، فعلى الرّغم من أن دستور «الجمهورية الإيرانية»، بخاصَّة بعد عام 1989 حين أُعيدَ النظر فيه، ينصُّ على أن رئيس الجمهورية هو الشخص الثاني في السُّلْطة، وأنّه رئيس السُّلْطة التنفيذية في الدولة، فإن صلاحياته عمليًّا أضيق من أن يختار أعضاء حكومته.
ذكر هاشمي رفسنجاني نفسه أنه كان مُجبَرًا خلال رئاسته على التنازل للمرشد عن تعيين وزراء الداخلية والخارجية والاستخبارات والدفاع، ليتمكن من التعامل مع المؤسَّسات غير المُنتَخَبَة، وحتى تتمكن «حكومته الاقتصادية» من السير قُدُمًا في عملية البناء، واستمرّت هذه السُّنَّة غير القانونية بعد رفسنجاني، لكنها لم تقتصر على هذه الوزارات الأربع.
وأخذ المرشد يتدخل في تعيين وزراء مجالات الثقافة والمجتمع، لدرجة أن حسن روحاني صرّح، عندما كان بصدد تعيين وزير لوزارة التعليم العالي، بأنه من بين جميع الخيارات المطروحة، قدّم الشخص الذي أيّده خامنئي للبرلمان لنيل الثقة، وفي مقال له في صحيفة «شرق» في عام 2017، أطلق سعيد حجاريان على خامنئي لقب «رئيس الجمهورية» بعد الرجوع إلى الدستور، وذلك بما رأى للأخير من صلاحيات ينصّ عليها الدستور.
إذ كتب حجاريان يقول: «من حيث أن الرئيس الحالي للحكومة محروم من رسم السياسات على نطاق الدفاع والخارجية والداخلية، وذلك لأن رسم السياسات العامَّة، حسب الدستور، من صلاحيات المرشد، فلا يمكن اعتبار منصب رئيس الحكومة يعادل حتى منصب رئيس وزراء في الأنظمة السياسية الأخرى، بخاصَّة أنه لا يملك صلاحية اختيار ولو نصف أعضاء حكومته. إن رئيس الجمهورية يعني رئيس جميع أفراد الشعب، وفي نظام الجمهورية الإسلامية سيد القوم أو رئيس الشعب هو المرشد، كما أن رئاسة الجمهورية تعني رئاسة النِّظام الجمهوري، وهذا المصطلح يشير إلى المرشد بشكل كامل، والنتيجة أن مَن نسمِّيه اليوم (رئيس الجمهورية)، هو في أفضل الأحوال يجلس على رأس طاولة مجلس الوزراء ويدير اجتماعات هذا المجلس».
تَداخُل الصلاحيات وتَعارُض السياسات
بعيدًا عمَّا يُكتَب على الورق وفي كتيّبات القانون، فإن الحكومة في النِّظام الإيرانيّ في نهاية المطاف تبيع النِّفْط، وتحوِّل أكثر بقليل من 60% من عائدات النِّفْط إلى العملة الوطنية، وتُقسِّم هذه النسبة بين قطاعات الإسكان والخدمات وتُقدِّمها على شكل ميزانية، لكن الصلاحيات الموكولة إلى مجلس الوزراء، أو على الأقل الحدّ الأدنى المتوقَّع منه، أوسع بكثير من هذا، فمجلس الوزراء ورئيسه مكلَّف بأن يأخذ المصالح العامَّة بعين الاعتبار، وفي نفس الوقت الالتزام بالوعود الانتخابية التي قدّمها، ومن جهة أخرى عليه تنفيذ السياسات العامَّة التي لا يُبدِي مُجرِيها استعدادًا لقبول أي مسؤولية تجاهها.
لقد أشار عباس آخوندي إلى هذه القضية في نَصّ استقالته، قائلًا: «بالنظر إلى الظروف الموجودة في الدولة، فليس لديّ القدرة على التناغم مع الحكومة لِمَا تُبدِيه من أكبر قدر من التدخُّل في السوق وأساليب تنظيم شؤون الاقتصاد»، كما اعتبر آخوندي أن استقالته جاءت بسبب انتهاك ثلاث قواعد -بسبب ما تمليه العقوبات بالطبع- هي «التزام القانون، واحترام حقّ الملكية، واقتصاد السوق التنافسيّ».
يشير نَصّ الاستقالة هذا إلى أن حكومة روحاني التي كان لها توجُّهات ليبرالية، في الاقتصاد على الأقل، رضخت لانتهاك قاعدة السوق الحُرَّة بسبب ضغوط المؤسَّسات غير المُنتَخَبَة، ممَّا أدَّى في النهاية إلى استقالة أحد وزرائها.
احتجاج رؤساء الجمهورية على صلاحيات الرئيس
قد يكون الاستياء من الصلاحيات والمهامّ المحدودة أحد أوجه الاشتراك بين جميع رؤساء الجمهورية في إيران حتى الآن، فعلى الرغم من مرور 40 عامًا على تدوين قانون تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية، فإن الجدل لا يزال قائمًا حول هذه القضية، فجميع الرؤساء، من رئيس حكومة الإصلاحات محمد خاتمي، إلى الرئيس المدعوم من الأصوليين محمود أحمدي نجاد، طالبوا بتوضيح وزيادة صلاحياتهم، كما أعلن روحاني بعد مرور عام على تَسَلُّم حكومة «الاعتدال» عن نيته تطبيق صلاحيات رئيس الجمهورية.
يشير تذمُّر رؤساء الجمهورية في إيران خلال الأعوام السبعة عشر الماضية، إلى أن موضوع صلاحيات رئيس الجمهورية والقيود المفروضة عليه بغَضّ النظر عن توجُّهه السياسي، بخاصَّة في تطبيق الدستور، قد تسبب في مشكلة، فقد قال حسن روحاني خلال زيارته محافظة أردبيل: «لقد صوَّت الناس ليكون رئيس الجمهورية هو المطبِّق الأول للدستور. إنّ مسؤولية تطبيق الدستور في الدولة في عهدة رئيس الجمهورية».
المرجع في هذا الجدل هو المادة 113 من الدستور، التي تنصّ على أنّ «رئيس الجمهورية هو أعلى مرجع رسميّ في الدولة بعد المرشد، ويتولى مسؤولية تطبيق الدستور»، وبالاستناد إلى هذه المادة كان محمد خاتمي يعتقد أنّ «رئيس الجمهورية غير قادرٍ على وقف عملية انتهاك أو عدم تطبيق الدستور، أو على الأقل الغموض الموجود لا يسمح له بذلك»، وأرسل كذلك لائحة زيادة صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى البرلمان بِناءً على المهامِّ المشار إليها في هذه المادة من الدستور.
وبعد عشر سنوات من خطوة خاتمي هذه، وفي عام 2010 تحديدًا، اعتقد أحمدي نجاد أنّ «الآليات المحدَّدة في مجال تقسيم عمل السلطات لم تُوضَع على أسس حكيمة، لأن هذه الآليات لم تتغير منذ 100 عام، في حين أن جميع الأمور أصبحت أكثر تعقيدًا خلال هذه المدة».
الآن بعد مرور ثماني سنوات، أصبحت حكومة روحاني الثانية مُحاصَرة بحلقة الصلاحيات التي لا تمتلكها والمهامّ الموكولة إليها، لدرجة أنها ترى أربعة من مقاعد مجلس الوزراء فارغة في حين لم يمضِ من عمرها سوى أقلَّ من عامين.
مادة مترجمة عن موقع زيتون
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المعهد