نتذكر أن في أول أعوام الثورة، كم من جهود بُذلت حتى تحل اللغة العربية محل اللغة الإنجليزية. وكانت النتيجة الوحيدة لهذه الجهود ظهور جيل من الشباب في مرحلة الإصلاحات وزيادة السيولة في إيران، يتحدثون الفارسية بلهجة إنجليزية مرنة من أجل الاستعراض. انتقد “خامنئي” مرشد الجمهورية الإيرانية مرة أخرى ترويج اللغة الإنجليزية في إيران، خلال لقائه مجموعة من المعلمين يوم الاثنين 2 مايو الماضي. وكان قد اعترض أيضاً في مايو 2007م في جمع من معلمي محافظة كرمان على ترويج اللغة الإنجليزية بين الأطفال الإيرانيين. على ما يبدو، من حيث أن كل يوم في التقويم الإيراني له مناسبة، كل شهر له مناسبة أيضاً. ومن هذا المنطلق ينبغي أن نسمي شهر مايو بشهر انتقاد ترويج اللغة الإنجليزية.
النزاع على ماذا؟
هذه المرة على ما يبدو أن تسلسل هذه القصة يأتي من السخرية السابقة: قد صرح “حسن روحاني” رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حضور المعلمين، في رده على كلام المرشد، قائلاً:
“ما هي اللغة وعدد اللغات الأجنبية التي نتعلمها يرتبط بإمكانياتنا وأيضاً بعدد المعلمين المجيدين للغات الأجنبية لدينا، وبالطبع يرتبط برغبة الشعب. الشعب نفسه يجب عليه أن يطلب والمعلم أيضاً عليه أن يطلب وعليه أن يختار كم لغة يريد أن يُعلِمها”.
السؤال الذي يطرح نفسه، هل الخلاف كان صراحةً على تعليم اللغة الإنجليزية؟
اللغة الإنجليزية هي لغة التجارة العالمية ولغة العولمة. المعرفة باللغة الإنجليزية تبدلت إلى ضرورة في الدول الإسكندنافية، في هولندا، في العديد من دول جنوب شرق آسيا، وحتى في ألمانيا. حكومة “حسن روحاني” تسعي أيضاً إلى أن تهيئ أجواء التجارة العالمية. قمة الملكية الفكرية التي بدأت عملها على يد وزارة الإرشاد في 2 مايو، قبل أن يكون هدفها هو حماية ملكية الآثار الأدبية والفنية، كان الهدف منها وضع ارتباط إيران بمعاهدة برن وباريس موضع المناقشة، باعتباره تمهيداً لازدهار تجاري عالمي في مرحلة ما بعد العقوبات. هذه المناقشة لم تصل إلى نتيجة محددة وفقط تم اعتبارها ضرورة.
يمكن اعتبار كلام آية الله “خامنئي” حول انتقاده لترويج اللغة الإنجليزية بأنه انتقاد للعولمة وفتح أبواب إيران أمام البضائع الأجنبية. من أحد الأهداف المحتملة لذلك، تقصير يد المهربين الرسميين وغير الرسميين والمضاربين والمنتفعة الذين كانوا يتغذون على العقوبات.
سيف الإسلام معممر
8 سبتمبر 1984م، هرع آية الله خامنئي الذي كان رئيس الجمهورية في ذلك الحين إلى مقابلة معمر القذافي في ليبيا. الآراء التي طرحها آية الله “خامنئي” حول أسلوب الحياة الإسلامية ومنع ترويج اللغة الإنجليزية، كانت بالنسبة لآراء سيف الإسلام أمراً غريباً. كان ابن القذافي يتحدث أيضاً في ذلك الوقت عن “بناء نظام” واستمرارية الثورة في هيكل الحكومة وعن عولمة الثورة الليبية، وأعتقد أنه كان يجب منع هجوم البضائع الغربية على الأسواق الليبية من خلال إصلاح أنماط الاستهلاك والاقتصاد المقاوم. وكان يعتقد أن دخول ليبيا إلى التجارة العالمية ينبغي أن يحدث خطوة بخطوة وبروية.
كان قد أعلن سيف الإسلام أن تعليم اللغة الإنجليزية في ليبيا ممنوع. كان يرى أن من خلال شد قوام الإنتاج المحلي وتربية قوى محلية متخصصة يمكن الحصول على الانسجام الاقتصادي المطلوب.
لا تنسوني!
آية الله الخامنئي لم ينسَ ذكريات تلك الزيارة على الرغم من كهولة سنه.
إحدى المشكلات التي يواجهها الأشخاص المسنون الذين أصيبوا بالعته، هي أنهم يتذكرون جيداً الذكريات القديمة، لكنهم ينسون الأحداث التي تقع في هذه اللحظة. أحياناً مشاكلنا وحتى أزماتنا تكون مبتذلة بنفس المقدار. لا نهتم ونعقد القصة أكثر من اللازم. الصراع الرئيسي ليس في الحدث:
منع ترويج اللغة الإنجليزية في إيران ليس أمراً ثقافياً. آخر محاولات الرجل في الحفاظ على معتقداته في مرحلة الشباب. إن اللغة الإنجليزية دليل على هلع رجل مسن وملازم لبيته اﻵمن، وقد تآكلت علاقته مع زمانه الحاضر. الأشخاص مثل “حسن روحاني” و”حسن خميني” في هذا الصراع مقارنةً بمرشد الجمهورية الإسلامية ينظرون إلى الشباب والحداثة وضرورة الكاريزما الشعبية. وفي هذه الأثناء، يصيح العجوز في كل مناسبة تمر به: “لا تنسوني”.
المصدر: راديو زمانه