عرضَ الرئيس إبراهيم رئيسي مشروع «خطة التنمية الوطنية السابعة» أمام البرلمان في أوائل يونيو الجاري، وذلك بعد أن أجرت الهيئة تعديلاتٍ طفيفة على الخطة، ولكن يرى النقاد أنها خطة بطموح مفرط لأنها تغضُ الطّرْفَ عن واقع الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في إيران
ويساور الخبراء قلقٌ إزاء تقديرات الخطة حول التدفق النقدي، لأنها تتجاوز بعشر مرات مما يمكن أن تُنتجه الدولة على أرض الواقع. وقد رصدت الخطة ميزانيةً تعادل 1200 مليار دولار، وفي حال كانت هذه الخطة هي الخيار المفضل المتاح، فإنه يجب أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي الإيراني نموًا بنسبة 46.9%، والصادرات النفطية بنسبة 79.4%، والواردات بنسبة 111.8%، والصادرات غير النفطية بنسبة 177%. بينما تتراوح نسبة التوقعات الحالية لواردات إيران بعد عامين فقط عند 16.2% والنمو في القطاع غير النفطي 22.6%
ومن جانبها، تَدّعي طهران بأنها على إطلاعٍ تام بمؤشرات النمو، وأن البلاد شهدت نموًا في العام الماضي بنسبة 4%، في القطاع الصناعي وحدَه، ومن هنا تأتي الحاجة إلى تخصيص مزيدٍ من التمويل للمناطق التجارية والمجمعات الصناعية. وتتوقع خطة الميزانية أيضًا نموًا في الاستثمار بنسبةٍ تبلغ 22.6%، ومعدلات نموٍ سنوية للعمالة تبلغ 3.8% أي ما يُعادل مليون وظيفة سنويًا، وتتوقع الخطة، انخفاض التضخم بنحو 10%، وهو ما لم يُفصَح عنه بالفعل بعد. وبحسب ما أفادت به الروايات الرسمية، فسوف ينخفض معدل التضخم من 19% إلى 9%، إلا أن الخبراء يقولون بأن المعدل الحقيقي أعلى بعشر مرات مما يُعلن عنه رسميًا؛ وبالتالي، فمن غير الواضح كيف سَتتمكّن طهران من بسط سيطرتها على الاقتصاد، على الرغم من وجود خطة التنمية الجديدة. يمر صندوق المعاشات التقاعدية في إيران، على سبيل المثال، بأزمة، وهو يغطي 25 مليون متقاعد ومتقاعدة، وهذا يعني أنه حتى الإيرادات المتواضعة الناتجة عن خطة التنمية الجديدة يجب أن تغطي أولًا ديون الدولة الهائلة للمتقاعدين. كما تواجهُ مؤسسة الضمان الاجتماعي التابعة للقوات المسلحة، ومؤسسة الضمان الاجتماعي الإيراني، خطرَ الإفلاس ما لم تقُم الحكومة الإيرانية بإنعاش صندوق التمويل الخاص بهما
وفي الوقت نفسه، تنفي مؤشرات الاقتصاد الكلي للبنك المركزي الإيراني النتائج التي توصَّل إليها مركز الإحصاء الإيراني، وتختلف الهيئتان حول الناتج المحلي الإجمالي الفعلي للبلاد. ومما يثير الدهشة بأن التقلبات المستمرة في أسعار السلع الأساسية، بما في ذلك العديد من المواد الغذائية، تسبب مصاعب اقتصادية شديدة الوطأة
وعلى الرغم من هذه الحقائق القاسية، فقد زاد مشروع قانون الميزانية الجديدة لإيران من مخصصات الميزانية للقوات المسلحة والحرس الثوري الإيراني (الباسيج)، وخُصِّص مبلغٌ إضافي قدره 52.2 مليون دولار أمريكي تقريبًا لتلك القوات، بالإضافة إلى المخصصات الأخرى التي ترعاها الدولة؛ وبالتالي، تحَّولت الأموال التي تشكل حاجةً ماسة -بعيدًا عن حاجات الشعب الإيراني- إلى تمويل المؤسسة العسكرية والأمنية الإيرانية.
وبالإضافة إلى ذلك، سيحصل المقاولون الساعون لتحقيق المكاسب على صفقاتٍ تفضيلية لإدارة البرامج البيئية التي يجب أن تقع في العادة تحت إشراف الحكومة الإيرانية في إطار خطة التنمية الجديدة، الأمر الذي سوف يفتح المجال أمام المستثمرين الجشعين لنهب الموارد الطبيعية المتبقية في إيران. بل وتقلل خطة التنمية من إمكانية اللجوء إلى الطرق القانونية من خلال إلغاء القوانين البيئية التي كانت تحمي الأراضي العامة في السابق
ويخشى الاقتصاديون من لجوء طهران لرفع الضرائب بموجب الخطة المذكورة، ويحذرون من الانهيار الاقتصادي في حال حدث ذلك. وتعد الخطة أيضًا مناهضةً للقوى العاملة لأنها تحمي المستثمرين. ومن غير المرجح أن يحصل معظم العمال حتى على نصف الحد الأدنى للأجور وسوف يتمكن أصحاب الشركات من توظيف الشباب وذوي الإعاقة بنصف المعدل الأدنى للأجور، ويمكن تسريحهم دون أي تعويض. وتقول النقابات والاتحادات العمالية إن هذه السياسة غير العادلة ستؤدي إلى استغلال القوى العاملة
تهدفُ الخطة إلى تعزيز الانضباط المالي ومعالجة معدل التضخم المرتفع وتحقيق النمو المستدام، إلا أنها تتجاهل القطاعات الرئيسية مثل القطاع الصحي في إيران. وعلى سبيل المثال، تفتقر الخطة إلى رؤية لتنفيذ برنامج صحي وطني شامل على الرغم من حقيقة أن خطة التأمين الصحي الوطني وخطة الرعاية الاجتماعية الحالية بإيران في حالة من الفوضى المالية. وبالإضافة إلى ذلك، سوف يجلب تسليط الضوء على الخصخصة السريعة لقطاع الصحة، «كما هو متوقع من خلال الخطة»، المزيدَ من الخبرة للمناطق الحضرية إلا أنه سوف يتجاهل المؤشرات الصحية الحرجة في المدن الصغيرة والمناطق الريفية. وتتجاهل الخطة أيضًا، حاجة القطاع الصحي إلى إنتاج الأدوية الصيدلانية الشائعة للمساعدة في خفض تكلفة الأدوية حسب خطة التطوير، الأمر الذي سوف يُمكن مجموعة مختارة من الشركات الخاصة من احتكار سوق الأدوية الإيرانية.
أخيرًا، تواجه خطة التنمية السابعة مشكلتان رئيسيتان؛ ففي الوقت الذي تشجع فيه طهران على النمو السكاني، لا توجدُ خططٌ جديدة لتقديم الحوافز اللازمة للعائلات لإنجاب مزيدٍ من الأطفال في ظل ما تعانيه هذه العائلات من صعوبات اقتصادية. وتتجاهل الخطة كذلك الحاجة إلى ترميم المواقع الأثرية والحفاظ على التراث الثقافي الإيراني وتعزيز السياحة باستثناء المجالات التي تحقق العوائد المالية
تتعالى الدعوات لمراجعة الخطة ولكن يبدو أن حكومة رئيسي عازمة على المضي فيها قدمًا، وقد فشل الرئيس رئيسي في الرد على الاتهام بأن خطته غامضة وغير شفافة. ويُصر المنتقدون على أن الخطة أقرب ما تكون إلى ضربٍ من الوهم لأنها لا تأخذ في الاعتبار السياقات الاقتصادية والجيوسياسية لإيران، لا سيما أنها تعاني من فقرٍ بالاستثمارات، وتعاني من سوء الإدارة الاقتصادية والفساد الواسع والعقوبات الصارمة.