استغرق الأمر سبع سنوات كي يتحول “رئيس الجمهورية المحترم”[1] إلى “شيخ عبد العالي” آخَر[2]، وأخذ يخاطب من خلف الميكروفون الشخص الذي كان يومًا “الأقرب إليه”، محذِّرًا إيَّاه من نزول ميدان الانتخابات.
الآن يُلقِي أحمدي نجاد، وهو لا يصدِّق، نظرةً إلى هذا المشهد، وهو يشاهد أنه قد نُهي بكلّ بساطة عن الترشُّح لانتخابات الرئاسة في العام القادم. لقد تَخلَّى عنه خامنئي، أكبر حلفائه على مدار الأعوام الثمانية إبَّان فترته الرئاسية، ولم يعُد مستعدًّا للمراهنة عليه، يبدو أن رهان انتخابات عام 2009 الرئاسية قد كلّف خامنئي ثمنًا باهظًا بما فيه الكفاية، وأصبحت فكرة عودة أحمدي نجاد غير مقبولة بالنسبة إليه.
خلال الساعات القليلة الماضية التي تلت خطاب خامنئي الذي أبدى فيه مخالفته لترشح أحمدي نجاد لانتخابات الرئاسة، ظهر عديد من التحليلات التي تدور جميعها حول محور واحد، هو أنّ عمر أحمدي نجاد السياسي قد انتهى في نظر خامنئي، ولم تعُد آمال “النجاديين” الذين كانوا يأملون في العودة إلى السُّلْطة واتسلُّم زمام الأمور سوى سراب؛ سيعني اختفاء أحمدي نجاد عن ساحة الانتخابات الرئاسية في العام القادم تغييرًا جديرًا بالاهتمام في صفوف اللاعبين السياسيين في إيران، وسيكون لذلك أهمية تتجاوز الدور الذي يلعبه أحمدي نجاد كشخص.
الخوف من ثنائية الأقطاب
الاستدلال الأساسي الذي اتخذه خامنئي للحيلولة دون ترشُّح أحمدي نجاد للانتخابات هو أنّ حضوره في هذه الانتخابات سيؤدي إلى ثنائية في الأقطاب السياسية في الفضاء السياسي داخل إيران، وهذه الثنائية -على حدّ زعمه- لن تكون لصالح أحمدي نجاد نفسه ولا لصالح النظام. لا يزال خامنئي يتذوق مرارة نتائج انتخابات مجلس الخبراء والبرلمان في فبراير الماضي، فعلى الرغم من أنه ضيَّق الخناق كثيرًا على الإصلاحيين وأجواء المنافسة من خلال رفض الأهليات بالجملة التي صدرت عن مجلس صيانة الدستور، فإن إيجاد القطبية الثنائية غير الظاهرة قُبيل الانتخابات بأيام معدودة، أدَّى إلى أن يعجز اثنان من حلفائه، هما محمد يزدي ومحمد تقي مصباح يزدي، من الوصول إلى مجلس الخبراء، وأدَّى كذلك إلى أن يحقق تحالف المعتدلين والإصلاحيين نصرًا باهرًا تحت عنوان “تحالف أميد” في مجلس الشورى.
أما تجربة ثنائية الأقطاب في انتخابات الرئاسة عام 2008 فلا تزال آثارها باقية حتى اليوم، وهي تشكِّل مصدر قلق كبيرًا لخامنئي، وما يدلّ على أنّ آثار تلك التجرِبة باقية هو مسألة فرض الإقامة الجبرية على قادة “الحركة الخضراء”، لذا فليس لدى خامنئي الرغبة في تكرار مثل هذه اللعبة المحفوفة بالمخاطر.
الفجوة بين الخواصّ
وحسب التقارير، فإن اللقاء الذي جرى بين أحمدي نجاد وخامنئي، وكان هدفه الحصول على الإذن بخوض انتخابات الرئاسة، جرى قبل شهر تقريبًا، وجدير بالاهتمام، من هذا المنطلق، أنّ خامنئي بعد مرور شهر كامل قرَّر إبداء رأيه في المسألة، وبشكل علني، ولعدة أيام استمرَّت الإشاعات حول هذا اللقاء، وحول مسألة نهي أحمدي نجاد عن خوض الانتخابات، لكنّ تصريحات خامنئي الواضحة خيّبت أمل أحمدي نجاد وأنصاره، فقد كانت تصريحات خامنئي يوم الإثنين، التي جاءت على هامش “درس البحث الخارج”، فريدة من نوعها وغير مسبوقة، فلم يسبق لخامنئي أن نهى مرشَّحًا بهذا الأسلوب، علنيًّا، عن الترشح للانتخابات، وعادة ما كان المرشَّحون يسألون خامنئي عن رأيه في لقاءات خاصَّة، ويحصلون على الجواب، وتنتهي القضية في نفس اللحظة، لكن يبدو أنّ خامنئي أحسّ أنه إن لم يُبدِ رأيه بشكل علنيّ، فمن المحتمَل أن يواجه عصيانًا من أحمدي نجاد، الموقف الذي حدث لخامنئي مرتين على الأقلّ خلال فترة أحمدي نجاد الرئاسية، كانت الأولى عندما كان أحمدي نجاد يرغب في تعيين صهره، اسفنديار رحيم مشائي، مساعدًا له، والثانية كانت الخلاف حول عزل حيدر مصلحي وزير الاستخبارات، ففي كلتا المرتين، عندما رأى خامنئي عصيانًا في طاعة أحمدي نجاد الأوامر، وصل الأمر بينهما إلى مواجهة علنية، عندها أعلن أحمدي نجاد استسلامه.
في هذه المرة أيضًا، وبعد أن سمع أحمدي نجاد الجواب السلبي من خامنئي، يبدو أنه يسعى لتحميل خامنئي تبعات هذا القرار، ولأجل الصدفة فقد نجح في ذلك، فرسالة خامنئي اليوم، شاء أم أبى، ستحيِّر مجموعة من أنصاره، فكيف يرفض طلب أحمدي نجاد الترشُّح في حين أنه كان مَحَطَّ ثقة من قبل؟
اللعب على أرض خامنئي
في مشهد أوسع من الفضاء السياسي الإيراني، يبدو أن النقطة التالية تثير الاهتمام، وهي أنّ هندسة الانتخابات يجب أن تكون حسب ذوق خامنئي، وقد أزالت التصريحات الأخيرة أي شكوك بهذا الخصوص إن وُجدت من الأساس، فخامنئي هو المتهَم الأساسي في تزوير انتخابات عام 2009 لصالح أحمدي نجاد، واليوم يريد أن يعيد ترتيب اللعبة بشكل مختلف، وأن يغيِّر ديكور الانتخابات. في تلك الأيام كانت “مصلحة النظام” حسبما كان يرى خامنئي، في أن يبقى أحمدي نجاد في السُّلْطة بأي نحو كان، واليوم تقتضي “مصلحة النظام” أن لا يكون على الساحة السياسية من الأساس.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز