منذ أنْ أبدى المرشد الأعلى للنظام الإيراني علي خامنئي رفضه التام للدعوات الرامية لاستجواب الرئيس روحاني أو الإطاحة بحكومته، شهد التيار المحافظ انقسامًا واضحًا في الموقف من الحكومة، حيث استجابت شريحةٌ واسعة من هذا التيار إلى رغبة وتوجيهات المرشد وخفّضت من شدة انتقاداتها للحكومة، بينما واصل فريقٌ آخر انتقاداته دون أي اهتمام بتوجيهات المرشد علي خامنئي حول هذا الشأن.
مجلس الشورى (البرلمان) الحالي والذي وصفه خامنئي بالثوريّ يبدو أنه لا يزال بعيدًا عن الالتزام بتوجهات ورسائل المرشد ولا سيّما فيما يتعلق بتأكيده على ضرورة استمرار حكومة روحاني حتى نهايتها للمحافظة على استقرار وأمن إيران خلال هذا الوقت الحرج من تاريخ إيران، ولعل تغريدة رئيس لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني مجتبى ذو النوري والتي هاجم فيها الرئيس روحاني تعكسُ جانبًا من حالة الانقسام في معسكر المحافظين في التعاطي مع مواقف وتوجيهات المرشد علي خامنئي، وخلافًا للمرات السابقة فقد اتّخذ ذو النوري هذه المرة موقفًا أكثر تشدّدًا عندما خاطب الرئيس روحاني قائلًا: «إنّ الغالبية العظمى من الشعب الإيراني لا ترضى بأقل من عزلك من رئاسة الجمهورية ومعاقبتك» ووصل التشدد بذي النوري أنْ وجّه دعوةً لرأس النظام الإيراني المرشد علي خامنئي بالموافقة على إعدام الرئيس روحاني- ليس لمرةٍ واحدة- بل ألف مرة حتى تهدأ نفس الشعب الإيراني حسب تعبيره. وجاءت تغريدة ذو النوري بعد تصريحاتٍ لروحاني تمّ تفسيرها على أنها رغبةٌ من الرئيس روحاني لإجراء مفاوضات مع الإدارة الأمريكية حول المِلفات الخلافيّة بين البلدين ولا سيّما الاتفاق النووي الذي خرجت منه الولايات المتحدة في 2018م.
في مقابل هذا الفريق هناك فريقٌ آخر من المحافظين كان في السابق يحملُ راية التشدّد تُجاه الحكومة لكنه بدا الآن أكثر التزامًا بتوجيهات المرشد بل وبدأ يُردد مخاوف المرشد ويروج لتبريرات أخرى تدعو لعدم المساس بالحكومة الحاليّة، منها ما ذهب إليه رئيس تحرير صحيفة «كيهان» والمقرب من المرشد حسين شريعتمداري والذي ادعى أنّ هناك مشروعًا أعدتهُ الولايات المتحدة وحلفاؤها لتقويض الأمن والاستقرار في ثلاث دول هي إيران ولبنان والعراق، ويهدفُ المشروع في الأساس لإنهاء دور رئيس الحكومة في البلدان الثلاثة المستهدفة أيْ أنْ تصبح حكوماتها بلا رؤساء على غرار ما حدث للبنان والعراق.
ورغم أنّ معظم المطالبات المتعلقة باستجواب الرئيس روحاني أو إقالته من منصبه أو تلك التي تحملُ طابعًا راديكاليًّا كالتي أطلقها رئيس لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني مجتبى ذو النوري، جاءت من شخصياتٍ أصولية ومتشددة إلّا أنّ حسين شريعتمداري وجّه كلامه للتيار الإصلاحي الذي دخل مؤخرًا عددٌ من أقطابه ضمن المطالبين باستجواب روحاني فيما طالبه عددٌ آخر من الإصلاحيين بالاستقالة من منصبه.
المرشد علي خامنئي عدَّد في مرات سابقة الأسباب التي ساقته لرفض إقالة الحكومة، حيث تركز في مجملها حول خشيته من أن تقود أي خطوة للإطاحة بالحكومة إلى زعزعة الاستقرار والأمن ونشر الفوضى في إيران، وبالتالي فإنّ ما ذهب إليه شريعتمداري من وجود مخططٍ يستهدفُ إيران ودولًا أخرى في المنطقة ويهدفُ إلى فرض سياسة حكومةٍ بلا رئيس قد يكون محل تأييد خامنئي؛ وذلك نظرًا لإيمان الأخير الكبير بنظرية المؤامرة واعتباره أنّ الولايات المتحدة هي العدو اللدود لبلاده، وبالتالي يُتوقّع منها أيّ مؤامرة قد تنجحُ في الضغط على النظام الإيراني. كما أنّ صحيفة «كيهان» التي يديرها حسين شريعتمداري غالبًا ما تعكسُ الموقف الرسمي للنظام الإيراني ومرشده علي خامنئي، إضافةً لذلك يبدو أنّ مشروع «حكومة بلا رئيس» والذي اِتَّهَمَ به شريعتمداري الإدارة الأمريكية، قد تمّ التطرق إليه في أروقة النظام ومؤسّساته المختلفة بما فيها الحكومة ويتضح ذلك من تصريح وزير الثقافة الإيراني عباس صالحي الذي استخدم اصطلاحًا قريبًا من اصطلاح «حكومة بلا رئيس» وهو مشروع اللاسلطة في دول المنطقة، وحذّر من أنّ الإساءة للسلطات الثلاث هو مقدمةٌ لتنفيذ هذا المخطط في إيران.
ويُمكن تلخيص أهم دلالات دفاع المرشد والمحافظين عن الحكومة في النقاط التالية:
– إنّ جنوح الرئيس روحاني وإذعانه لسياسات التيار المحافظ ولا سيّما خلال فترته الرئاسية الثانية كان لها عظيم الأثر في خفض حدّة التوتر بين الرئيس روحاني والمحافظين؛ الأمر الذي أثار حفيظة الإصلاحيين ومهّد الطريق للتقارب بين المرشد والرئيس روحاني.
– الخلافات التي نشبت بين الرئيس روحاني وعددٌ من أقطاب التيار الإصلاحي والتي وصلت مؤخرًا إلى درجة المطالبة باستقالة روحاني من منصبه، كان لها دورٌ كبيرٌ في تحول بعض المحافظين من معسكر المنتقدين للحكومة إلى معسكر المدافعين عنها والداعمين لاستمرارها وهنا يسعى المحافظون إلى التأثير على القاعدة الشعبية للتيار الإصلاحي قُبيل الانتخابات الرئاسية التي تفصلنا عنها أشهرٌ قليلة.
– احتواء الحكومة وضمان استمرارها حتى النهاية وبالتالي ضمان ولاء الحكومة خلال الفترة المتبقية من عمرها.
– خشية المرشد من أن تقود عمليّة الإطاحة بالحكومة إلى حدوث اضطراباتٍ أمنيّة وربما عزوف الناخب الإيراني عن المشاركة في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة.
مجمل القول، إنه رغم الانتقادات الشديدة التي تعرضت لها الحكومة من كلا قطبي النظام الإيراني -أيْ مِمّا يسمى بالمحافظين والإصلاحيين-خلال الفترة الأخيرة والتي وصلت إلى حد الدعوة لإقالتها ومحاكمة الرئيس وإعدامه، لكن يبدو أنّ التحول في موقف المتشددين تُجاه الحكومة ودعمهم لاستمرارها وادعاءهم أنّ هناك مخططًا خارجيًّا يهدفُ إلى الإطاحة بها، قد نزل بردًا وسلامًا على الحكومة وضمِن لروحاني إكمال فترته الرئاسية الثانية دون التعرض لخطري الاستجواب والإقالة.
المصدر: Arab News
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد