دلالات تنامي التعاون الإيراني-الروسي في مجال الفضاء

https://rasanah-iiis.org/?p=28839

أطلقت روسيا مؤخرًا قمرًا صناعيًا إيراني الصنع من قاعدة بايكونور الفضائية، التي استأجرتها في كازاخستان. وأكدت إيران أن هذا القمر الصناعي الذي أُطلِق عليه اسم «الخيّام»، سيكون مخصَّصًا للأغراض المدنية، مثل البرامج الزراعية والمراقبة البيئية. ومع ذلك، أعرب مسؤولون أمريكيون عن قلقهم من استخدام القمر الصناعي لأغراضٍ عسكرية. وبحسب ما أفادت به بعض التقارير، أبلغت وكالة الفضاء الوطنية الروسية «روسكوزموس» إيران، بأن روسيا سوف تُبقي القمر الصناعي تحت سيطرتها لعدة أشهر أو أكثر؛ لمساعدتها في الحرب التي تخوضها في أوكرانيا، إلا أن طهران نفت هذه «الادّعاءات». ويُعَدّ التعاون في مجال الفضاء بين إيران وروسيا أولى ثمار اتفاقيات الشراكة، التي أُبرِمت بعد الاجتماع الأخير بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي، ويعكس هذا التعاون أيضًا الشراكة الإستراتيجية المتنامية بين البلدين.

وأُطلِق القمر الصناعي «الخيّام» للاستشعار عن بُعد، بواسطة صاروخ حامل للأقمار الصناعية من طراز «سويز-1.2ب»، على مدار أرضي منخفض. وسبق أن أطلق الحرس الثوري الإيراني في مارس من هذا العام، القمر الصناعي «نور-2»، الذي يُستخدَم إلى حدٍّ كبير لمهمات ومشاريع التصوير، إلا أن القمر الصناعي «الخيّام» يتمتع بدقة أعلى من مثيله «نور-2». وكشفت وكالة الفضاء الإيرانية، أنه من المتوقع أن تصل قدرته التصورية إلى دقة متر واحد وسوف يُستخدَم لتعزيز قدرات الإدارة والتخطيط الإيرانية، بما في ذلك مراقبة الحدود. وبحسب ما أفادت به التقارير، تسعى إيران إلى تطوير قدرات أقمارها الصناعية للاستشعار عن بُعد بدقة تصوير تتراوح ما بين 5 إلى 10 أمتار. وقامت روسيا ببناء وتطوير القمر الصناعي «الخيّام»، بتفويض من إيران، وسوف يدور القمر الصناعي في مدار بارتفاع 500 كيلومتر، ويزن حوالي 600 كيلوغرام. وأكدت الحكومة الإيرانية أنها تعتزم تكليف خبراء إيرانيين بتطوير ثلاث نسخ أخرى من «الخيّام»؛ إذ قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي بهادوري جهرمي مؤخرًا، إن «بناء ثلاثة أقمار صناعية أخرى من نوع الخيام بمشاركة علماء إيرانيين مُدرَج في جدول أعمال الحكومة». وأشاد قائد القوة الجوية للحرس الثوري أمير علي حاج زاده، مؤخرًا، بقدرات الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية، مؤكدًا أن البرامج الفضائية والعسكرية في إيران مترابطة مع بعضها البعض.

وجاء إطلاق القمر الصناعي في خِضم التوترات المتزايدة بين إيران والولايات المتحدة، والغموض الذي يكتنف طبيعة المقترحات المقدمة من قِبَل الاتحاد الأوروبي لإحياء الاتفاق النووي، خاصةً في ظل رفض إيران لجميع المطالب المتعلقة ببرنامجها للصواريخ الباليستية. وأعربت الولايات المتحدة عن مخاوفها بشأن إطلاق القمر الصناعي «الخيّام»؛ لأن أنظمة إطلاق الأقمار الصناعية تُستخدَم فيها تقنيات لها نفس خصائص الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رأس نووي. وحذَّرت القوى الغربية من أن برنامج الفضاء الإيراني يمكن أن يكون غطاءً لتطوير أنظمة وقود وصواريخ متطورة، وربما صواريخ أكبر حجمًا.

يُشير التعاون الفضائي المتنامي بين إيران وروسيا إلى ثلاثة تطورات رئيسية: أولًا، من المرجَّح أن يكون برنامج الفضاء الإيراني ذو أهمية لأمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية في السنوات المقبلة، وفي ظل نمو القدرات الفضائية الإيرانية على قدم وساق، سوف يكون لتلك القدرات فوائد تعود على برنامج الصواريخ الباليستية، خاصةً أن «منظمة الصناعات الجوية الإيرانية» لا تصنِّع الصواريخ ومركبات الإطلاق إلى الفضاء لأغراض بحثية فحسب، بل أيضًا لأغراض عسكرية. ثانيًا، تُجهِّز إيران وروسيا الشراكة الفضائية المتنامية بينهما لتكون جبهةً جديدة؛ من أجل تعزيز تعاونهما الإستراتيجي، وسوف تمكِّن هذه الشراكة كلا البلدين من استكشاف وتوسيع مشاريعهما الجوية والدفاعية، وعلى سبيل المثال، فقد أفادت مصادر المخابرات الأمريكية، بأن روسيا أرسلت مؤخرًا عددًا من أفرادها لتلقِّي التدريب على تشغيل الطائرات العسكرية الإيرانية المسيرة، قبل إرسالها إلى مسرح العمليات العسكرية في أوكرانيا، وفي هذا الصدد، أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان أن «مسؤولين عسكريين من روسيا زاروا قاعدة للطائرات بدون طيار في مدينة كاشان الإيرانية؛ ربما لكي يتلقوا التدريب على استخدام الطائرات المسيرة». ثالثًا، في الوقت الذي تواجه فيه روسيا عزلةً دولية، إلا أنها كثَّفت من تعاونها في مجال الفضاء مع بعض دول الشرق الأوسط وأفريقيا، ولطالما كانت القدرات التي تمتلكها روسيا في مجال إطلاق الأقمار الصناعية، أحد أهم الجوانب الرئيسية في مساعي موسكو من أجل تنويع أوجه تعاونها مع بعض الدول؛ لكي تبرز حجم تحالفاتها وشراكاتها العديدة. وتتطلع وكالة الفضاء الوطنية الروسية «روسكوزموس» الآن إلى توسيع سوقها في الشرق الأوسط، لاسيّما مع تنامي مخاوف التعاون المستقبلي مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وهدَّدت روسيا بوقف تعاونها مع الغرب فيما يتعلق بمحطة الفضاء الدولية، في حال لم تُرفَع العقوبات. وصرح الرئيس التنفيذي لـ «روسكوزموس» يوري بوريسوف، مؤخرًا، بأن «إطلاق القمر الصناعي “الخيّام” يكفي لتمهيد الطريق أمام موسكو؛ من أجل توسيع التعاون في مجال تصنيع المعدات الفضائية، وتقديم الخدمات لدول الشرق الأوسط وآسيا وأمريكا اللاتينية».

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير