رفعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخَّرًا، العقوبات المفروضة على ثلاثة مسؤولين سابقين في حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني، وشركتين متورِّطتين في تجارة البتروكيماويات الإيرانية. وجاءت هذه الخطوة قبل بدء الجولة السادسة من مفاوضات فيينا. وقد أثارت تلك الخطوة ردّة فعلٍ قوية من الجمهوريين، الذين شكَّكوا في توقيتها ودوافعها. ولا تزال إدارة بايدن تواجه ضغوطًا في طريقها لإحياء الاتفاق النووي، ويُشير الحذف الأخير من قوائم العقوبات إلى نيّة واشنطن تقديم تنازلاتٍ معيَّنة، بينما تُوصَف تلك الخطوة بـ «المُعتادة».
وقد أعلن مكتب مراقبة الأُصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية (OFAC) في بيانه، أنَّ الحذف من قوائم العقوبات كان يستند إلى «تغيير تمّ التحقُّق منه في السلوك أو الوضع من جانب الأطراف الخاضعة للعقوبات». ومِنْ بين مَنْ شُطِبوا من القائمة، المدير العام لشركة النفط الوطنية الإيرانية أحمد غالباني، والمدير العام لشركة «هونغ كونغ إنترتريد كومباني» فرزاد بازركان، والمدير التجاري لشركة «نفطيران إنترتريد» محمد معيني.
غير أنَّ عديدًا من المشرِّعين الأمريكيين عارضوا خطوة الرفع من قائمة العقوبات، وأعربوا عن مخاوفهم العميقة تجاهها، إذ قادت المشرِّعةُ الجمهورية وعضوةُ مجلس الشؤون الخارجية كلوديا تيني مجموعةً من المشرِّعين الأمريكيين لكتابة خطاب إلى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ذكروا فيه أنَّ حذف الأسماء من العقوبات قوَّض تعهُّد إدارة بايدن بمشاورة الكونجرس بشأن إيران وعدم التصرُّف بفردانية. كما تساءل قادةٌ جمهوريون عن المعايير التي قرَّرت وزارة الخزانة بموجبها رفع أسماء المخالفين للعقوبات المفروضة على إيران، بالنظر إلى استمرار طهران في دعم الإرهاب بالمنطقة، وتوسيع برنامجها النووي، وانتهاك العقوبات الأمريكية على صادرات النفط والبتروكيماويات. ولطالما اعتمدت إيران على السفن الوهمية لضمان مرور شحناتها التجارية، فقد صادرت الولايات المتحدة مؤخَّرًا نفطًا خامًا إيرانيًا كان يُنقَل بشكلٍ غير قانوني، إذ أخفت إيران الشحنةَ على أنَّها من العراق، بوضع علامة «خام البصرة الخفيف» عليها.
ويمكن النظر إلى قرار مكتب مراقبة الأُصول الأجنبية الأخير على أنَّه مؤشِّرٌ على رغبة إدارة بايدن ضمانَ إكمال مفاوضات فيينا بسلاسة، إذ شدَّد روحاني وقتها على أنَّ إيران بحاجةٍ إلى رفع العقوبات؛ حتّى تتمسَّك بالمفاوضات. ولا يزال الإعفاء من العقوبات نُقطةَ خلافٍ رئيسة في مفاوضات فيينا المعطَّلة؛ فإيران بحاجةٍ ماسَّة لرفع العقوبات لإنعاش اقتصادها المتدهور، خاصَّةً أنَّ الرئيس الإيراني المُنتخَب إبراهيم رئيسي أكَّد على أهمِّية إصلاح الاقتصاد طوالَ حملتِه الانتخابية. وقد صرَّح كبيرُ المفاوضين الإيرانيين عباس عراقتشي سابقًا أنَّه من غير المُرجَّح أن يُتوصَّلَ إلى اتفاقٍ نهائي قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وأنَّ موقف إيران من مفاوضات فيينا لن يتغيَّر على أيّ حال، بينما رفض إبراهيم رئيسي في مؤتمره الصحافي الأوَّل التفاوُض على سلوك إيران الإقليمي وبرنامجها للصواريخ الباليستية، ووافق على عودة إيران إلى الاتفاق النووي، لكنه رفض أيّ لقاء مُحتمَل مع الرئيس جو بايدن.
ونظرًا لاعتماد الاقتصاد الإيراني بشكلٍ كبير على موارد الطاقة في البلاد، فمن المؤكَّد أنَّ إبراهيم رئيسي سيعملُ على تحقيق المزيد من الإعفاء من العقوبات لإنعاش الاقتصاد الإيراني، إذ يُشير قرارُ مكتب مراقبة الأُصول الأجنبية بشأن حذف مجموعةٍ من الأفراد والشركات من قائمة العقوبات وفرض عقوباتٍ جديدة على سعيد الجمال، إلى نهجِ واشنطن الحذر تجاه إيران، ورغبتها في الموازنة بين إحياء الاتفاق النووي وتهدئة مخاوف حُلفائها الإقليميين. وتجِدُ إدارة جو بايدن نفسها في موقفٍ لا تُحسد عليه، إذ إنَّ توسيع نطاق الإعفاء من العقوبات عن إيران سيواجهُ معارضةً شديدة من قِبل الجمهوريين، لا سيّما أنَّ إيران تواصل تمويل الميليشيات التابعة لها، عن طريق الإيرادات التي تجنيها في الغالب من بيع أُصولها النفطية؛ ما يجعلُ وصول الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاقٍ مرضٍ للطرفين فيما يتعلَّق بالإعفاء الشامل للعقوبات صعبًا للغاية.
وفي الوقت الحالي، يبدو أنَّ تركيزَ واشنطن الأساسي يقتصر إلى حدٍّ كبير على قضية البرنامج النووي الإيراني، إذ قال المتحدِّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس في مؤتمر صحافي: «إنَّ إدارة بايدن تنظُر في معالجة سلوك إيران الإقليمي وانتهاكاتها لحقوق الإنسان في «اتفاق متابعة»، يُسفِر عن «اتفاقٍ نوويٍ أطول وأقوى»، كما يعكسُ قرارُ مكتب مراقبة الأُصول الأجنبية الأخير الحذف من قوائم العقوبات أيضًا، أولويةَ واشنطن الرئيسة المتمثِّلة في اكتساب زخمٍ في المفاوضات الجارية».
ومع ذلك، لا تزال التنازُلات التي ترغب الولايات المتحدة بتقديمها في هذه المرحلة غير واضحة، خاصَّةً أنَّ وزير الخارجية الأمريكي قال إنَّه حتّى لو كانت إيران ستعود إلى الاتفاق النووي، فإنَّ المئات من العقوبات ستبقى سارية.