دول أوروبا وتحدّي وصول إيران إلى التقنيات مزدوجة الاستخدام

https://rasanah-iiis.org/?p=30063

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

باتت إمكانية وصول إيران إلى التقنيات ذات الاستخدام المزدوج على أجندة دول أوروبا منذ أن استخدمتها إدارة محمود أحمدي نجاد لتطوير برنامج إيران النووي في مطلع القرن الحادي والعشرين. وفي عام 2022م تتسنّم هذه القضية الأجندة الأوروبية، ولكن المخاوف هذه المرّة تشمل استخدام إيران للتقنيات مزدوجة الاستخدام، المصنّعة في أوروبا وأمريكا واليابان، لتطوير برنامجها للطائرات المسيّرة.

ونظرًا إلى تسليم إيران هذه الطائرات المسيّرة إلى روسيا في حربها ضد أوكرانيا -المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي- فقد أصبحت هذه القضية الآن تهديدًا مباشرًا للأمن الأوروبي. وحسب ما ورد في تقارير استخباراتية أوكرانية حصلت عليها صحيفة «وول ستريت جورنال» من «هيئة مكافحة الفساد المستقلة» في كييف، فإن ثلاثة أرباع الأجزاء المكوِّنة للطائرات المسيّرة الإيرانية التي اشترتها روسيا صُنعت في دول غربية، وغالبًا في الولايات المتحدة[1]، ومعظم هذه الأجزاء نُقل إلى إيران بعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية عليها عام 2018م، لا سيّما في عامَي 2020م و2021م.

كيف يمكن تفسير هذا الفشل الفادح في فرض تشريعات وعقوبات صارمة بما لم يمكّن النظام الإيراني من بناء برنامج طائرات مسيّرة طموح فحسب، بل من نشر طائراته المسيّرة في الشرق الأوسط في البداية، في العراق وسوريا واليمن، ثم على الأراضي الأوروبية في أوكرانيا؟

تُلقي السُّلطات الأوروبية والأمريكية واليابانية باللوم في هذا الصدد على «الوسطاء»، الذين ينقلون التقنيات ذات الاستخدام المزدوج إلى إيران بطريقة غير قانونية على الرغم من وجود نظام قانوني يحظر ذلك على شركاتهم الوطنية، ويُقال إنَّ جهاتٍ مارقةً تابعة للقطاع الخاص في الصين تستخدم عَلاقاتها الاقتصادية مع إيران غطاءً لتطوير أنشطة غير مشروعة، تخص التقنيات ذات الاستخدام المزدوج. فوفقًا لوزارة التجارة اليابانية، فُرضت عقوبات في 2021م على شركة يابانية لتصديرها «محركات مؤازرة» إلى الصين، عُثر عليها باعتبارها جزءًا من طائرة مسيّرة إيرانية، كما أن وسطاء آخرين يواجهون نفس الادعاءات من دول الغرب، ومن هؤلاء الوسطاء الإمارات العربية المتحدة وتركيا (الدولة العضو في حلف الناتو).

التقنيات ذات الاستخدام المزدوج والطائرات المسيّرة

يكمن التحدي الرئيسي الذي يواجه السلطات الأوروبية، إذا ما أرادت السيطرة على وصول التقنيات ذات الاستخدام المزدوج الأوروبية الصنع إلى أيدي إيران، في أن معظمها -حتى القِطَع التي تُستخدم في تصنيع الطائرات المسيّرة- متاح على الإنترنت، ومِن ثَمّ فسهلٌ وصول الدول الوسيطة إليها وشحنها إلى إيران. إتاحتُها على الإنترنت تصعّب منع شرائها، إذ يعتمد هذا على عمل الجهات الخاصة والشبكات غير الرسمية التي توفر هذه التقنيات لإيران، فإيران تستفيد من وجود شبكات غير رسمية في البلدان المجاورة لها -مثل تركيا والعراق وروسيا والإمارات- كما أن وجود تلك الشبكات يصعّب مسألة الاستقصاء على السلطات الغربية، التي تحاول الكشف عن مسؤوليات الشركات أو الأفراد المتورطين في التهريب.

التقارير الاستخباراتية الأوكرانية الأخيرة حول وجود أجزاء أوروبية الصنع في الطائرات المسيّرة الإيرانية، ما هي إلا تذكيرٌ آخر لأوروبا بأن عليها أن تتخذ موقفًا، وألا تستمرّ في الوقوف والنظر بسذاجة إلى عَلاقاتها التجارية مع إيران، حتى لو لم تتمكن أوروبا من رصد الشبكات غير الرسمية في المنطقة والسيطرة عليها، فعليها أن تكون على دراية بالمخاطر التي تشكلها المعدات العسكرية الإيرانية المطوّرة المُستخدمة في أوكرانيا على أمن أوروبا.

ومعظم هذه الشبكات التي تُهرِّب التقنيات إلى إيران بغرض استخدامها في الطائرات المسيّرة تلقَّى دعمًا من النظام الإيراني في عام 2007م تقريبًا لتفادي العقوبات الأوروبية، وعليه فمن المنطقي أن يتساءل المرء عما إذا كانت السلطات الأوروبية على دراية بهذه المسألة في الماضي وقررت غض الطرف وعدم ملاحقة هذه الشبكات، من منطلق التساهل مع النظام في إيران. ونظرًا إلى أن سلوك النظام الإيراني الحالي يُظهِر بجلاءٍ سذاجة المقاربة الأوروبية، فقد حان الوقت للسلطات الأوروبية أن تتأكد من سدّ جميع الثغرات المحتملة في عقوباتها ضد إيران، وذلك بفرض بروتوكول جديد مخصّص للتقنيات مزدوجة الاستخدام، وقد تكون الطائرة المسيّرة الإيرانية «مهاجر-6» مفيدة عند صياغة هذا البروتوكول[2]، فهذه الطائرة مثال واضح على قدرة إيران منذ عقود على تجاوز العقوبات الغربية، بل ولوائح الأمم المتحدة وحظر الأسلحة.

وعليه فعلى أوروبا إجراء تحقيق شامل بشأن كل القطع التي قد يكون لها استخدامات عسكرية في مجال تصنيع الطائرات المسيّرة والصواريخ، كما على السلطات الأوروبية أن تطلب صلاحية الرقابة الكاملة على تسويق هذه القطع، ليس لإيران فحسب، بل لدول المنطقة أيضًا، فدور الوسطاء عامل رئيسي في تمكُّن إيران من استيرادها.

ومن المهم أيضًا أن تكون آلية العقوبات الصارمة وتطبيقها الشامل مصحوبَين بتعاونٍ بنّاء من الدول الوسيطة والدول المجاورة، التي لا تكون في الغالب على دراية تامة بمعاملات الجهات الخاصة الفاعلة وعمليات «الشحن العابر».

وثمة بالفعل قضية شائكة حول مسؤولية هذا التهريب وهل يقع على عاتق الدولة أم الشركات، فإذا كانت العواصم الأوروبية تهدف إلى فرض عقوبات على القنوات التي تستخدمها إيران لتجهيز طائراتها المسيّرة فعليها رفع تكلفة نقل التقنيات ذات الاستخدام المزدوج إلى إيران، ويجب أن تطلب من الشركات الأوروبية تعزيز جهودها في المراقبة الوثيقة لسلاسل تسليم مصنوعاتها قدر الإمكان إلى أن تصل إلى المستخدم النهائي.

دول أوروبا لا تفتقر إلى الفهم الحقيقي لإيران، بل إلى إرادة سياسية من أجل تنفيذ العقوبات على نقل التقنيات ذات الاستخدام المزدوج إليها، لا سيّما استخدامها في أوكرانيا، كما تواجه أوروبا عقبة جديدة حتى تكون سياستها تجاه إيران ناجحة تتمثل في عدم التركيز فقط على الإعلان عن نظام عقوبات جديد في سياق الاحتجاجات الإيرانية الحالية، إذ لا يكفي الإعلان في حال لم تُنفَّذ العقوبات الحالية بصرامة.

وأخيرًا فإنّ على الأوروبيين أن ينقلوا هذه المسألة إلى المستوى الدولي ويناقشوها في المحافل السياسية العالمية، لأن عديدًا من البلدان -حتى التي لا تتّفق مع أوروبا في قضية غزو روسيا لأوكرانيا (مثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حتى في القارة الإفريقية)- تواجه منذ فترة طويلة تهديدًا من قِبل الطائرات المسيّرة الإيرانية، نظرًا إلى ما ورد عن تسليم إيران لطائرات مسيّرة إلى جبهة «البوليساريو».

وعلى أوروبا الآن التواصل مع هذه الدول لتشكيل تحالف دولي للضغط من أجل اتخاذ إجراءات دولية قادرة على عزل النظام الإيراني، وإضعاف عزيمته السياسية وقدرته على الوصول إلى التقنيات مزدوجة الاستخدام، التي تمكّنه من تصنيع أسلحة فتاكة وتصديرها بإفلات تام من العقاب.

المصدر: RUSI


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد 


[1] https://www.nytimes.com/2022/11/22/us/drones-russia-iran.html

[2] https://www.rferl.org/a/ukraine-russia-drones-iran-western-technology/32115733.html

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
رئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية