سيكون إبراهيم رئيسي -الذي قاد على مدى عقود حملةً واسعةً للقضاء على معارضي النظام السياسي الإيراني- الرئيسَ المقبل لإيران، ويجب عليه أن يظلّ طوال فترة رئاسته مُخلِصًا للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي ولـ«الحرس الثوري» الذي اكتسب صلاحياتٍ واسعة على مدى العقود الماضية للعمل على هدفٍ أساسي هو ضمان بقاء النظام في إيران، مهما كلَّف الأمر.
وسيتولَّى رئيسي زمام الأمور في أوائل أغسطس المقبل، وسطَ مخاوفَ محلِّية وإقليمية ودولية متزايدة من تولِّيه المنصب. وقد كانت نسبة إقبال الناخبين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي عُقِدت بتاريخ 18 يونيو الجاري، أقلّ من 50%. ويقول معارضو الانتخابات في ذلك إنَّ الإقبال المنخفض للناخبين يعكس وجود استفتاء للتغيير، إذ تُشير استطلاعات الرأي التي أُجريت قبل الانتخابات الرئاسية، إلى أنَّ معدَّلات المشاركة في الانتخابات على مستوى البلاد تراوحت بين 37 و47%، بينما كان إقبال الناخبين في طهران 26%.
وشكَّل حوالي 10% من إجمالي الأصوات بطاقات تصويت فارغة؛ ما يُشير إلى عدم رضا الشارع عن الانتخابات، كما استبعد مجلس صيانة الدستور معظم المرشَّحين لخوض هذا السباق الرئاسي المحسوم مُسبَقًا.
وقد حاز رئيسي على أكثر من 50% من مجموع الأصوات، التي بلغ عددها 17.8 مليون في السباق الرئاسي. ويخشى معارضو رئيسي من شنِّه حملة قمعٍ قاسية ضدّ الاحتجاجات المتزايدة في إيران، إذ كان يشغلُ منصبَ رئيس المحكمة العُليا في إيران، حين اندلعت الاحتجاجات الشعبية في جميع أنحاء البلاد على مدى السنوات القليلة الماضية بسبب تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ولم يتمكَّن ذوو المتظاهرين أو المارَّة الأبرياء الذين قُتِلوا برصاص قوّات الأمن من اللجوء إلى العدالة؛ لذا لم يكُن من المُستغرَب أن تدعو عدَّة حملات داخل إيران وخارجها لمقاطعة الانتخابات الرئاسية، تعبيرًا عن رفضها للسباق الرئاسي المحسوم مُسبَقًا لصالح رئيسي.
ويُعَدّ رئيسي أقلّ شعبيةً بين روَّاد الثورة «المتشدِّدين» الذين يدعمون النظام السياسي الإيراني، إذ رفض الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد التصويت إلى جانب عددٍ كبير من السياسيين من كِلا المعسكريْن «الإصلاحي» و«المحافظ». إذ قال الرئيس «الإصلاحي» الإيراني الأسبق محمد خاتمي: «إنَّ السباق الرئاسي يبعثُ على القلق على مستقبل البلاد»، كما قال عضو البرلمان السابق «المتشدِّد» ذو التوجُّه «الإصلاحي» علي مطهري: «إنَّه من المهمّ أن يُساعد رئيسي في إنهاء العقوبات المفروضة على إيران بقيادة الولايات المتحدة، وعليه أن ينظُر في مظالم مَنْ فقدوا أحبّاءهم في الاحتجاجات الأخيرة»، فيما رأت شخصياتٌ معارضة محلِّية أُخرى أنَّ السباق الرئاسي المحسوم مُسبَقًا كان إهانةً لشعب إيران.
وعلى الصعيد الدولي، يحظى رئيسي أيضًا بسُمعة سيِّئة، إذ دعت منظَّمة العفو الدولية إلى إجراء تحقيقات في دوره في الجرائم ضدّ الإنسانية. فوفقًا لمركز حقوق الإنسان في إيران، فقد أشرف رئيسي على إعدام 4500 إلى 5000 سجين سياسي على مدار ثلاثة أشهر، كان العديدُ منهم في سنّ المراهقة في فترة اعتقالهم. وفي أول مقابلة صحفية له بعد الانتخابات، قال رئيسي: «إنَّه يجب الإشادة به لدوره في التعامُل مع عمليات الإعدام في عام 1988م».
وخارج حدود إيران أيضًا، فقد أسفرت نتيجة الانتخابات الرئاسية الإيرانية عن قلقٍ متزايد، إذ يُصرّ البيت الأبيض على أنَّه يجب على رئيسي الردّ على الأسئلة المتعلِّقة بدوره في انتهاك حقوق الإنسان، لكنَّه لم يحدِّد إعدامات عام 1988م.
وبعد أن تلقَّى رئيسي تقريرًا ملخَّصًا من وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حول الوضع الحالي لمفاوضات فيينا، حذَّر من أنَّه -رغم دعمه للمفاوضات- لن يسمحَ لهم بالمماطلة. وسبقَ أن عارض رئيسي المفاوضات النووية خلال حملته الرئاسية قبل أربع سنوات، كما أكَّد على أنَّه لن يتفاوض بشأن برنامج إيران للصواريخ الباليستية أو سلوكها الإقليمي.
وقد هنَّأ عددٌ قليلٌ من دول المنطقة رئيسي على فوزه، بينما تعهَّد بالتواصُل مع جيران إيران. ومع ذلك، وبعد مرور أيامٍ فقط على انتخابه، أطلقت «ميليشيا الحوثي» المدعومة من إيران أكثر من 12 طائرةً مسيَّرة استهدفت المملكة العربية السعودية، وقد ذكرت المملكة أنَّها ستحكُم على رئيسي وفقًا للطريقة التي يُدير بها سياسة إيران الخارجية، كما تعملُ الرياض بشكلٍ وثيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية؛ لضمان امتثال إيران النووي. وانتقدَ رئيسُ الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت، رئيسي، واصفًا أعضاء الحكومة الإيرانية بـ «مرتكبي عمليات قتل جماعي»، وقال: «يجب على القُوى العالمية أن يتنبَّهوا إلى التهديد الذي تشكِّله طهران على السلام الإقليمي والعالمي»، وثمَّة احتمال بأنَّ إسرائيل تستعدّ لمهاجمة المواقع النووية الإيرانية. ومن الواضح أنَّ فوز رئيسي تزامن مع فترةٍ حاسمة تمُرّ بها علاقات إيران الخارجية، وليست سياستها الداخلية فحسب، هي التي تواجه عقبات، بل تواجه البلاد ضغوطًا إقليمية ودولية متزايدة. كما تحرَّكت واشنطن -بعد انتخاب رئيسي- لحجب عديدٍ من شبكات التلفزيون الدولية المرتبطة بإيران، بما فيها شبكةٌ واحدة على الأقلّ يديرها «الحوثيون». وتواصل إيران تخصيب اليورانيوم بمستوياتٍ عالية؛ ما زاد المخاوف الدولية من أنَّ طهران تنوي تطويرَ أسلحةٍ نووية في فترةٍ ما مستقبلًا. وفي ضوء ما سبق، يبدو أنَّ رئيسي يواجه مهمَّةً مستحيلة، تتمثَّل في تجاوُز التحدِّيات المتعدِّدة والمعقَّدة التي تواجهُ البلاد؛ ما يُلقي بظلالٍ من الشكّ حول رئاسته منذ اليوم الأوَّل.