في حين بدأت الأمور السياسية تستقر في عراق ما بعد داعش، أصدر رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي قرارًا من عشرة بنود، أمر فيه بدمج «الحشد الشعبي» مع بقية قطاعات الجيش العراقي ويسري عليه ما يسري على سائر القوات المسلحة العراقية بعد أن كان يعمل خارجًا عن إطار الدولة، وَسببًا في ظهور المشكلات وما ينجم عن ذلك من تبعات سلبية ولا سيَّما التوجهات الطائفية لدى الحشد الشعبي وتصفية الحسابات مع المنافسين أو الخصوم خارج النطاق الرسمي.
الأهم من ذلك، أنَّ الحشد الشعبي يملك ارتباطًا وثيقًا جدًا بالنظام الإيراني إذ اُستغلّت دعوة المرجعية الشيعية في العراق بقيادة آية الله السيستاني للتطوع في التصدي لتنظيم داعش الإرهابي، الأمر الذي اُستثمِر من إيران ووُظِّف بشكل كبير لخدمة أجندة إيران في العراق وسوريا. أيضا تعُدّ إيران قوات الحشد الشعبي قوةً عسكريةً وأمنيةً ولوجستيةً مؤثرة كجزءٍ مما تطلق عليه «محور المقاومة» ويهدفُ للتصدي لنفوذ اللاعبين الإقليميين والدوليين وتنفيذ الأجندة التوسعية لإيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وأيّا كانت أسباب اتّخاذ هذا القرار، يعتقد عضو في لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي كريم عليوي أنَّ عدد أتباع الحشد الشعبي سيزداد في أعقاب ذلك. وأضاف أنه لن يُقلَّص عددُ عناصر الحشد الشعبي على أية حال. ويعتقد عليوي كذلك أن فالح الفياض سيظل رئيسًا للحشد الشعبي وسيواصل إدارته كَكِيان مستقل، كما هو حال وزارتيْ الدفاع والداخلية.
لكن إلى ماذا تهدفُ الحكومة العراقية من وراء هذا القرار؟ الرسالة الواضحة أنَّ رئيس الوزراء العراقي وفي ظل التطورات المتسارعة في المنطقة قد يهدفُ من وراء هذا القرار إلى إبعاد بلاده عن الصراع الأمريكي-الخليجي-الإيراني وبخاصة بعد تقاريرٍ تحدثت عن أنَّ الطائرات المسيرة التي استهدفت محطات أرامكو لضخ النِّفط في وسط السعودية انطلقت من الأراضي العراقية. أيضًا تبدو هذه المجاميع المسلحة متمردة بشكل كبير على السلطات في العراق كما أنها تضمُ فصائلَ إرهابية قامت بعمليات انتقام داخل العراق وبخاصة تجاه أهل السنة في البلاد فقتلت ونهبت وشردت الآلاف بعضهم لا يزال يعيش في المخيمات حتى اللحظة.
من الأسباب الأخرى التي قد تكون قد دفعت برئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي لاتخاذ هذا القرار هو القضاء التام على جميع الميليشيات وحصر حمل السلاح على الدولة دون غيرها، وأيضًا التخلص من الأذرع المسلحة للأحزاب السياسية في البلاد.
لكن تبقى هناك بعض الملاحظات الجديرة بالاهتمام والطرح حتى وإن شكك كثيرون في قدرة عبد المهدي على تطبيق هذا القرار. أولًا: ما مصير القطاعات الاقتصادية والاستثمارات التي يمتلكها الحشد الشعبي وشركات البناء والتشييد التي تستحوذ على الحصة الأكبر من هذا القطاع الحيوي في بغداد وغيرها. هل ستبقى تحت إدارة الحشد الشعبي أو تُسلَّم للجهات الرسمية ذات الاختصاص؟ صحيح أنَّ القرار أكد على إغلاق المكاتب الاقتصادية لكن لم يتحدث عن مصير الأصول والأموال التي يمتلكها الحشد الشعبي.
ثانيًا: يبدو من القرار أن هذه المجاميع المسلحة ستحتفظ بكينونتها دون دمجها وإذابتها بشكلٍ كامل في القوات المسلحة العراقية وهذا يعد دفعة إيجابية للحشد الشعبي، إذ حصل على الغطاء الرسمي كاملًا ولكنه ظل مستقلًا من حيث التشكيلات الرئيسة والقيادات العليا للحشد وتحت هيئة جديدة اسمها هيئة الحشد الشعبي، وسوف يحتفظ بموقفه من الإدارة السياسية للبلاد واعتبار كينونته أعلى وأكبر، وأنّه قدم تضحياتٍ عالية تجعل إمرَته مرهونة فقط بيد المرجعية الدينية سواء العراقية أو الإيرانية.
ثالثًا: وهو الأهم، يعتقد كثيرون أنَّ هذا القرار يُمهِّد الطريق لتشكيل نموذجٍ عراقي من الحرس الثوري الإيراني وسيكون الوقت كفيلًا بحصول الحشد الشعبي على كافة الأسلحة المتطورة والطائرات والدبابات والصواريخ وسيحصل على التأهيل اللازم مع البقاء على حقيقته كتنظيمٍ تقوده الأيدولوجيا وتحدد مساراته وتوجهاته وأفعاله. لذا وخشيةً من الوصول لهذه المرحلة ربما يتطلب الأمر أخذ هذه المخاوف في عين الاعتبار والعمل من الجانب التنظيمي والإداري والإستراتيجي على ضمان حصول الاندماج الكامل لعناصر الحشد الشعبي في الجيش النظامي وإعادة تأهيلهم بعيدًا عن المنطلقات الأيدولوجية والمذهبية والولاء المرتبط بشخصياتٍ محددة أو ولاءٍ عابر للحدود، ليكون الولاء للوطن بكل مكوناته الدينية والعرقية والمذهبية.
ختامًا، ستكون الفترة القادمة مرحلة اختبارٍ حقيقيٍّ لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي ليس فقط في تطبيق هذا القرار، ولكن في كشف الثغرات ومعالجتها لضمان دفع العراق بعيدًا عن المحاصصات الطائفية والجهوية وتشكيل الدولة الوطنية الشاملة والوقوف بحزم في وجه الضغوطات الخارجية والداخلية والمحاولات التي قد تستغلُّ هذا القرار وتوجِّههُ نحو أهدافٍ تُعيد العراق مجددًا لدائرة الانفلات الأمني والصراع الطائفي.
المصدر: Arab News
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المعهد