رسائل ودلالات زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للعراق

https://rasanah-iiis.org/?p=36366

في أول زيارة خارجية له بعد انتخابه رئيسًا لإيران، يُجري الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، زيارة للعراق، تستمر لمدة ثلاثة أيام من 11 إلى 13 سبتمبر 2024م، استجابةً لدعوة رسمية قدمها له رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في يوليو 2024م، ويزور خلالها 5 مدن عراقية هي أربيل والنجف وكربلاء والبصرة، إضافة إلى العاصمة بغداد التي التقى فيها رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد ورئيس الوزراء. وتأتي زيارة بزشكيان للعراق في ظل تطورات إقليمية مضطربة بفعل التصعيدات العسكرية المباشرة وتداعيات الحرب الدائرة في غزة، ما يكشف عن بعض التساؤلات الهامة: ما رسائل ودلالات اختيار الرئيس بزشكيان للعراق كأولى محطات زياراته الخارجية بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية كأول رئيس إيراني في تاريخ النظام الإيراني الديني يخصص رحلته الخارجية الأولى للعراق مقارنةً ببقية رؤساء إيران؟ وما الأبعاد الأمنية والاقتصادية والسياسية للزيارة على ضوء توجهات الرئيس بزشكيان الإقليمية والدولية التي حددها في برنامجه الحكومي؟ وما التفسيرات وراء إجرائه زيارة لإقليم كردستان العراق كأول رئيس إيراني يزور الإقليم؟ هل يشير ذلك إلى تحسُّن العلاقات الإيرانية مع الإقليم، أم إلى التنسيق مع كردستان العراق للمضي في مزيد من الإجراءات والسياسات ضد المعارضة الكردية لإيران، أم إلى الاثنين معًا؟

أولًا: دلالات اختيار بزشكيان العراق محطته الخارجية الأولى

تفرض مسألة اختيار الرئيس بزشكيان العراق محطة خارجية أولى عددًا من الدلالات والرسائل الهامة من حيث التوقيت والحدث والأهمية، على النحو التالي:

1- تنفيذ توجيهات المرشد بأولوية الدائرة الإقليمية:

ررضا المرشد الإيراني علي خامنئي عن البرنامج الرئاسي والحكومي يُشكِّل العامل الأول والأخير لنجاح بزشكيان في تمرير سياساته وتوجهاته على الصعيدين الداخلي والخارجي، ويزداد الأمر صعوبة على الرئيس «الإصلاحي» في ظل هيمنة «المتشددين» على مفاصل الدولة في فترة رئاسته للسلطة التنفيذية، وبالتالي فاتجاه بوصلة الرئيس بزشكيان نحو العراق ليكون محطته الخارجية الأولى تعكس ذكاءً سياسيًّا شديدًا منه في تحديد من أين يبدأ اللعبة والمناورة السياسية في مسيرة جلب رضا وتأييد المرشد، بل والحرس الثوري وعموم «المتشددين» المهيمنين على مؤسسات الدولة على نحو يخدم تنفيذ برنامجه في الداخل وتوجهاته نحو الخارج.

مقارباته الفكرية التي عبر عنها في تصريحاته ومقالاته وبرامجه السياسية قبل وبعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، تعكس مدى إدراك بزشكيان ثِقَل ومكانة المشروع الإيراني التوسعي في مصفوفة المصالح والأهداف العليا للاستراتيجية الإيرانية، لذلك يدرك بزشكيان وفريقه الحكومي المعاون أن منح الدائرة الإقليمية الأولوية في السياسة الخارجيةالإيرانية يُسهِم في توفير بوابة رئيسية لتنفيذ البرامج المطروحة للانفتاح المحتمل على العالم الخارجي.

وتُشكِّل زيارة بزشكيان إحدى دول الجوار الإقليمي الخطوة الأولى في تنفيذ برنامجه السياسي القائم على تَبنِّى مسار براغماتي جديد يرمي إلى الموازنة والمزج ما بين النمطين «المحافظ» و«الإصلاحي» في إدارة العلاقات الخارجية؛ «المحافظ» تجاه الدائرة الإقليمية بالسير على خطى الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، استجابةً لأوامر المرشد ليمضي أيضًا في طريق تحسين العلاقات بدول الجوار ومبدأ الدبلوماسية الاقتصادية، و«البراغماتي» تجاه الدائرة الدولية بالسير على خطى كل من حسن روحاني ومحمد خاتمي. وبالتالي يتوقع أن يمثِّل بزشكيان موقفًا أقلّ صدامًا وأكثر واقعيةً مع الداخل والخارج.

2- العراق بوابة تأييد المرشد للسياسة الخارجية:

ربما حدد الرئيس الإيراني، العراق -من بين ساحات المشروع التوسعي- كقبلة لزيارته الخارجية الأولى بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية على أنه العصا السحرية في إقناع المرشد بمُضِيِّه على خطى الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي في ما يخصّ تحسين العلاقات مع دول الجوار والدبلوماسية الاقتصادية، وتتطابق تصوراته مع تصورات النظام تجاه مركزية العراق في الاستراتيجية الإيرانية، بدايةً من موقعه الجيوسياسي ضمن المجال الحيوي الأول للمشروع الإيراني، والحلقة الأبرز في حلقات الممر الإيراني المنشود لربط طهران بالمتوسط، وأنه ينظر ذات النظرة إلى العراق على أنه المصدة المذهبية القوية في الفضاء الغربي لإيران، ولا يستبعد حتى في ظل رغبته في إظهار الولاء للمرشد، أن يذهب أبعد من ذلك بتأييد مساعي إيران على سبيل المثال، المستمرة لتقليص دور مرجعية النجف باعتبارها أكبر المرجعيات الشيعية في العالم، لصالح قُم، وربما مباركة مساعي إيران في هندسة مرحلة ما بعد السيستاني بتنصيب مرجعٍ موالٍ لإيران وخط ولاية الفقيه تمهيدًا لإضعاف النجف بالكلية وتحويل جماهير الشيعة إلى تقليد الولي الفقيه في طهران، إذا كان ذلك يخدمه في تنفيذ برنامجه على الصعيد الخارجي.

كذلك بثّ رسالة للنظام بتطابق التصورات في النظر للعراق على أنه رئة اقتصادية هامة في جلب العوائد المالية من العملة الصعبة لتخفيف وطأة العقوبات، وفي تنامي أهمية العراق في ظل التطورات الإقليمية ممرًّا رئيسيًّا لتهريب السلاح للميليشيات المنخرطة في التصعيد الدائر ضد إسرائيل، وتأكيد التطابق مع رؤية النظام بتعزيز العلاقات مع العراق في ظل الحكومة التي لعب الإطار التنسيقي المدعوم من إيران الدور الأكبر في تشكيلها، إذ إن وجود حكومة عراقية موالية لطهران يمنح إيران حدودًا آمنة في الجهة الغربية من الغرب ويساعدها على مد نطاق نفوذها.

لذلك، بتحديده العراق المحطة الأولى في الانطلاق نحو العالم الخارجي، يسطّر بزشكيان صفحةً جديدةً من صفحات الولاء والطاعة للمرشد، بعد حديثه السابق عن مضي إيران في عهده في تقديم الدعم لما سمَّته إيران «محور المقاومة» في أثناء حديثه مع الأمين العامّ لحزب الله اللبناني حسن نصرالله، وحديثة مع الرئيس السوري بشار الأسد، ويثبت للوليّ الفقيه فعليًّا مدى الولاء والطاعة في تنفيذ أوامر خامنئي وتوجيهاته بالمضي على خطى إبراهيم رئيسي في رسالته الموجهة للشعب يوم 06 يوليو 2024م، بمناسبة فوز بزشكيان: «أوصي السيد الدكتور بزشكيان الرئيس المنتخب بالنظر إلى آفاق بعيدة ومشرقة بالتوكل على الله ومواصلة مسيرة الراحل رئيسي»، وبالتالي يهدف بزشكيان عبر العراق إلى بثّ الرسائل إلى ما سمَّته إيران «محور المقاومة»، ومركزيته لدى حكومته، وعبّر عن ذلك باتباعه تقليد زيارة النصب التذكاري لقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، إذ يُعتبر سليماني في العقل الاستراتيجي الإيراني، هو مهندس المشروع الإيراني التوسعي في الشرق الأوسط.

3- أول رئيس إيراني يخصص رحلته الخارجية الأولى للعراق:

الأمر المثير للاهتمام هو أن بزشكيان، هو أول رئيس في تاريخ النظام الإيراني يخصّص رحلته الخارجية الأولى للعراق، فبعض الرؤساء الإيرانيين لم يزُرها مطلقًا بسبب حرب السنوات الثماني والتوترات بين البلدين، وحتى بعد سقوط نظام صدام في 2003م، أي منذ عهد محمود أحمدي نجاد الذي بدأ في 2005م، حتى حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي التي استمرت لنحو 3 سنوات، لم يختَر أي منهم العراق وجهة خارجية أولى، فنيويورك شَكّلَت الزيارة الخارجية الأولى لأحمدي نجاد، أما حسن روحاني فكانت وجهته الخارجية الأولى قيرغيزستان، فيما بدأ الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي جولاته الخارجية بإحدى جمهوريات آسيا الوسطى وهي طاجيكستان، بل لم يزُر العراق مطلقًا حتى تاريخ وفاته في مايو 2024م.

قُبيل مغادرته إيران متجهًا إلى العراق، قال بزشكيان إن زيارته للعراق تهدف إلى «تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية، كما تأتي انطلاقًا من السياسات التي أُعلنَ عنها من قبل، وكذلك السياسة المعلنة للمرشد الأعلى في ما يتعلق بالعلاقات الوثيقة مع جيراننا، بخاصة العراق، وهو الدولة التي كانت لنا علاقات معها في عدد من المجالات، كما أن العراق بلد مسلم وصديق لإيران وشريكها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، كما أنه يشكِّل مركز العلوم والثقافة الإسلامية، ومنه نشأ رجال الدين». ويحمل تصريحه رسالة مفادها أن «سياستنا الخارجية، التي أرستها حكومة رئيسي في ما يتعلق بتوسيع العلاقات مع الجيران في المنطقة وتعزيز جبهة المقاومة، سوف تستمر خلال الحكومة الحالية». كما تحمل هذه الزيارة رسالة أخرى مفادها أن سياسة إيران الخارجية في ما يتعلق بالمقاومة لن تتغير بعد تولي الحكومة الرابعة عشرة مهامَّها.

ثانيًا: العراق.. الخيار الأسرع لجَنْي مكاسب تهمّ النظام

يُضاف إلى الدلائل السابقة أن بزشكيان يقدّر أن العراق يشكّل أسهل وأسرع طريق يمكّنه من جَنْي مكاسب تهمّ النظام السياسي في الحاجة الإيرانية إلى عوائد مالية تُسهِم في معالجة الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية في الداخل مع إدراكه صعوبة تحقيق أيّ اختراقات في المفاوضات النووية تسفر بالأخير عن رفع العقوبات على إيران في ظل الانشغال الأمريكي بترتيبات الانتخابات الرئاسية على مدى الشهور الأربعة التالية، وبالتالي يمكن أن يحقق بزشكيان عدة مكاسب إضافية للنظام:

1- على الصعيد الاقتصادي:

تمتلك إيران نحو 11 مليار دولار مستحَقَّة لدى العراق نظير صادرات الغاز والكهرباء الإيرانيَّين إلى العراق لإنتاج الكهرباء، لم تُسدَّد بسبب العقوبات المفروضة على إيران، ويسعى بزشكيان لوضع الحلول لتحويلها إلى البنوك الإيرانية في ظل حاجة إيران الملحة. وفي إطار زيارته للعراق اجتمع بزشكيان مع التجار الإيرانيين المقيمين في العراق لمناقشة التحديات التجارية التي تواجههم لمحاولة إيجاد حلول لها. ومن المنتظر خلال هذه الزيارة توقيع مذكرات تفاهم بين مسؤولي البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والأمنية والبريدية والزراعية والفنية والرياضية، وكذلك توقيع اتفاقية جمركية شاملة لتسهيل العمليات الجمركية بين البلدين وفق رئيس الجمارك الإيرانية، بجانب إجراء محادثات والمفاوضات مع السلطات العراقية لاستكمال مشروع سكة ​​حديد الشلامجة-البصرة غير المكتمل منذ سنوات وفق وزيرة الطرق الإيرانية المرافقة للرئيس الايراني.

ولا شك في مركزية العراق الاقتصادية لصناع القرار في إيران وكذلك الاقتصاد الإيراني، فهي ليست شريكًا تجاريًّا مهمًّا لإيران وحسب، بل قِبلة سياحية ودينية مقدَّسة للشيعة الايرانيين بما تضمُّه أرض العراق من مراقد شيعية، كما يُعَدّ العراقيون رافدًا مهمًّا من روافد إنعاش السياحة في الداخل الإيراني كأهمّ وأكبر جنسية تدخل إيران سنويًّا من أجل السياحة الدينية والترفيهية والعلاجية، ويترتب على هذا إنعاش قطاع عريض في إيران كقطاع الخدمات الذي يشغل الجانب الأكبر من العمالة الإيرانية، بمعنى آخر يُساهم السياح العراقيين في إنعاش مباشر للتجارة الداخلية وقطاعات المطاعم والفنادق والنقل والصرافة في إيران.

ومع هذا تواجه العلاقات الاقتصادية الإيرانية-العراقية تحديات مهمة، أثّرت تحديدًا في الشراكة التجارية بينهما، على رأسها العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران والقيود الموضوعة على التحويلات المصرفية بين إيران والعراق، وأدّت إلى تراجع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى قرابة 9 مليارات دولار حاليًّا بعدما سجلت 15 مليار دولار في بعض السنوات عقب توقيع الاتفاق النووي، كما كان العراق أول وجهة لاستقبال الصادرات الإيرانية في السنوات الأولى لتولِّي إبراهيم رئيسي ضمن سياسة الدبلوماسية الاقتصادية التي فعّلها رئيسي لتنشيط التجارة مع دول الجوار وعلى رأسها العراق. كما استهدف البلدان رفع حجم التجارة بينهما إلى أكثر من 20 مليار دولار سنويًّا، لكن الواقع لا يسير في هذا الاتجاه حاليًّا.

جدير بالذكر أن ميزان التجارة بين البلدين في صالح إيران بالكلية، إذ إن أغلب حجم التجارة بين البلدين صادرات إيرانية موجهة إلى العراق، أهمها قطع الغيار الهندسية والبتروكيماويات والصلب والمعادن، علاوة على صادرات الغاز والكهرباء. ويواجه العراق صعوبة في دفع وتحويل مستحقاته لطهران بسبب العقوبات المصرفية، ما تَسبَّب في قطع إمدادات الكهرباء الإيرانية عن العراق أكثر من مرة، لذا سيظَلّ تَحدِّي العقوبات المصرفية أهمّ عائق في تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

2- على الصعيد الأمني:

 من ناحية أخرى يسعى بزشكيان إلى مزيد من التنسيق الأمني على الحدود بتفعيل الاتفاق الأمني المشترك لعام 2023م، بخصوص ضبط الحدود ونزع سلاح الجماعات المعارضة الكردية وإبعادها عن الحدود المشتركة الإيرانية مع إقليم كردستان العراق: حدكا، كوملة، بيجاك، لا سيما في ظل التقارير التي تتحدث عن تنامي أنشطة الموساد الإسرائيلي مع تلك الجماعات لاستخدام مناطق تمركزها ضد إيران في ظل التصعيدات الجارية في الشرق الأوسط بسبب الحرب في غزة. وتجدر الإشارة إلى أن بزشكيان يُعد أول رئيس إيراني يزور إقليم كردستان العراق، ما يشير إلى تحسن العلاقات مع الإقليم على خلفية ما تداولته تقارير إعلامية مطلع سبتمبر 2024م، من تدابير كردستانية أسفرت عن إجلاء عدد من قوات حزب كوملة من معسكراته في المناطق الحدودية المشتركة بين إقليم كردستان وكردستان إيران إلى معسكر سورداش بعد 40 كيلومترًا من الحدود الإيرانية، ومنح مهلة للقوات المتبقية من كوملة بنهاية العام الجاري لاستكمال عملية الانتقال، وتسليم  جهاز الأمن الكردي في السليمانية أحد أعضاء المعارضة الكردية لإيران في الإقليم ويدعى بهزاد خسروي إلى السلطات الإيرانية استجابة للمطلب الإيراني بتسليم قائمة مطلوبين، وينسجم ذلك مع إبداء وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي سعادته بالإجراءات التي اتخذها العراق ضد الجماعات التي تستهدف إيران من أراضيه في مقابلة مع قناة «الفرات».

من ناحية ثانية، لربما يلبِّي التباحث حول مستقبل قضية إخراج القوات الأمريكية من العراق في ظل قدرة التحالفات الشيعية المسيطرة على البرلمان العراقي لتمرير قانون من شأنه إخراج القوات الأمريكية من العراق في توقيت يُجري فيه العراق مفاوضات مع الولايات المتحدة لإخراج القوات الأمريكية من العراق، طموحات النظام الإيراني في إخراجها، ليس فقط من العراق بل من المنطقة برمتها.

3- على الصعيد السياسي:

 يسعى بزشكيان إلى التباحث مع أطراف المعادلة العراقية حول الأزمات التي تعصف بالإطار التنسيقي وبمستقبله السياسي الذي تنتمي إليه الحكومة العراقية، لا سيما في ظلّ تنامي المؤشرات على عودة التيار الصدري للمشاركة في الحياة السياسية على مشارف الانتخابات البرلمانية، بل وقد تعصف بالنظام السياسي الشيعي برمته الذي يحكم العراق منذ أكثر من عقدين من الزمان. وتتمثل القضايا الثلاث الكبرى التي تمَسّ السلطتين التنفيذية والقضائية في ما يلي:

  • الأولى: «سرقة القرن»، التي تُعَدّ كبرى فضائح الفساد المالي في العراق التي أُعلن عنها في نهاية فترة حكم رئيس
    الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي، تحديدًا في 2022م، وهي فضائح فساد مليارية بمبالغ 3 تريليونات و750 مليار دينار عراقي (نحو 2.5 مليار دولار) من أموال الأمانات الضريبية، والمتهَم بها الرئيس فيها رجل الأعمال المدير المفوض لشركة «المبدعون للخدمات النفطية المحدودة» نور زهير الذي يعيش الآن في لبنان، وهيثم الجبوري مستشار رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي. وبعد اعتقالهما أطلق القضاء المختصّ سراحهما بكفالة، مقابل تعهُّد بتسليم كامل المبلغ المسروق.
  • الثانية: «شبكة التنصت» التي يقودها محمد جوحي الذي شغل منصب معاون مدير عام الدائرة الإدارية في
    مكتب رئيس الوزراء ومعه عدد من الموظفين والضباط في المكتب، بتهمة التنصت والتجسس على
    كبار الرموز والزعماء والنواب السياسيين وبينهم زعماء في الإطار التنسيقي، ما يضع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني في حرج شديد في الداخل والخارج، وينال من حظوظه السياسية رئيسَ وزراءَ محتمَلًا في الحكومة الجديدة.
  • الثالثة: «تقاعس القضاء»، في محاكمة المتورطين في قضية «سرقة القرن»، حيث وجه رئيس هيئة النزاهة العراقية حيدر حنون اتهامات إلى القضاء العراقي بالتقصير في محاسبة المتورطين في قضية «سرقة القرن» ومتورطين آخرين في ما سمَّاه «جبل جليد الفساد الراسخ في البلاد»، في المقابل تتداول الأوساط الإعلامية تسريبات صوتية منسوبة إلى حيدر حنون يحصل خلالها على رشوة. فهذه القضايا الثلاث من شأنها ضرب النظام الشيعي الحاكم في العراق في مقتل لكونها تنسف الثوابت الثلاثة للنظام: التنفيذي والتشريعي والقضائي.

الخاتمة

على ضوء المعطيات السابقة عطفًا على التطورات الداخلية في إيران منذ فوز بزشكيان في انتخابات الرئاسة، والتطورات الإقليمية والدولية، يمكن القول إن اختيار بزشكيان للعراق محطة أولى لزياراته الخارجية، يُشكِّل حلقة جديدة من حلقات الذكاء السياسي الشديد التي يتمتع بها بزشكيان في مناوراته السياسية مع النظام والدوائر الضيقة المحيطة به من الرموز والمؤسسات النافذة، وقدرته على نسج خيوط التوازن بين منظومتَي الأفكار «الإصلاحية» و«المتشددة» لتمرير سياساته وأطروحاته الخارجية، فبعد فوزه في الانتخابات أعلن بزشكيان ولاءه للمرشد كحلقة أولى في مناوراته السياسية، وعاد ذلك عليه بالمكسب في تمرير حكومته بالكامل في البرلمان، ما يعكس رضا المرشد على حكومته وتوجهاتها، لا سيما مع تولِّي عباس عراقجي منصب وزير الخارجية وظريف منصب نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية عطفًا على حديث المرشد عن عدم وجود موانع لديه من التواصل مع «الأعداء» كضوء أخضر لتوجهات بزشكيان الخارجية في الانفتاح على الغرب، وها هو ذا يسطر فصلًا جديدًا من فصول المناورة لجلب مزيد من الرضا والتأييد لسياسة الانفتاح على الغرب، ويصبّ في صالح رؤيته القائمة على مزج النمطين «الإصلاحي» و«البراغماتي» في سياسته الخارجية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير