أصدر المعهد الدولي للدراسات الإيرانيَّة (رصانة)، تقريره لشهريْ يناير وفبراير 2020، راصدًا أبرز التطوُّرات على الساحة الإيرانيَّة، مقدِّمًا للقارئ المهتمّ بهذا الشأن رؤيةً شموليةً خلال الفترة محلّ الرصد والتحليل. ويشتمل التقرير على ثلاثة أقسام رئيسة، يهتمّ الأول بالشأن الداخلي الإيراني، في حين يرصد الثاني تفاعلات إيران مع العالم العربي، ويتناول الثالث الحراك الإيراني على الصعيد الدولي.
داخليًّا، خلق تفاعل رجال الدين مع تفشّي فيروس كورونا كثيرًا من الجدل داخل النخبة الدينية والمجتمع الإيراني بشكلٍ عام، فقد بدأ انتشار المرض في إيران من مدينة قُم الدينية مقرّ الحوزة. وكانت إيران خلال السنوات الماضية تحرص على استقبال المسلمين الصينيين بأروقة الحوزة؛ لخلق طائفة شيعية داخل الصين، فانتشرت العدوى. وكان مِن المنطقيّ فرض حظر صحيّ هناك، لكنّ رجال الدين رفضوا بشدّة، مبرِّرين ذلك بأسباب دينية ميتافيزيقية بأنّ مراقد الأئمة تشفي من الأمراض، وأنّ الدعاء أمامها علاجٌ لوباء كورونا. وسياسيًّا، برزت الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس الخبراء، وممارسة السلطات أقصى درجات التدخُّل في مصادرة إرادة الشعب عبر مجلس صيانة الدستور الذي منع تقريبًا أغلب مَن يُصنَّفون بالمعتدلين والإصلاحيين مِن الترشُّح لها.
واقتصاديًّا، تناول التقرير قضيّتيْن مهمّتين، الأولى: تداعيات إدراج مجموعة العمل المالية «FATF» إيرانَ على لائحتها السوداء، والثانية: تداعيات تفشّي فيروس كورونا المحتملة، بعدما خسرت العملة المحلية التومان، قرابة 7% من قيمتها أمام العملات الأجنبية، وتهديد الفيروس لصناعة السياحة التي قوامها 9 ملايين زائر سنويًّا، وتدرّ مليارات الدولارات.
وعسكريًّا، تعرَّضت إيران لضربة كبيرة باستهداف الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس قاسم سليماني، الأمر الذي أوقف تمدُّدَ المخططات الإيرانية في العراق، ووضع حدًّا لأفعال الميليشيات الإيرانية بالمنطقة.
وشهد المحيطُ العربيُّ لإيران حدثَين أثَّرَا على الوجود الإيراني في كلًّ مِن العراق وسوريا، فبعد أن سعت إيران إلى جعل العراق مسرحًا لصراعها مع الولايات المتحدة باستهداف مقرّ سفارتهم وقواعدهم العسكرية، جاء مقتل سليماني حدثًا فاصلًا ما بين التحرُّكات الإيرانية في العراق ما قبل مقتله، وبعده، إذ وضعت أمريكا حدًّا للأفعال الإيرانية الرامية إلى توتير المنطقة. ولم تكُن الساحة السورية بأقلّ احتدامًا من العراقية بالنسبة إلى إيران، فاندلاع المعارك بين فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا وقوّات بشار الأسد، جعل إيران في معادلة توازن صعبة؛ فإيران الداعمة للأسد تحتاج إلى تركيا اقتصاديًّا؛ نظرًا لحجم التبادل التجاري الكبير بينهما، الذي يخفف من وطأة العقوبات الأمريكية؛ ما يجعلها تُحجِم عن التدخُّل بقوّة في المعارك الدائرة.
ودوليًّا، يمكن القول إنّ شهرَي يناير وفبراير حملا كثيرًا من الردع لإيران، فبعد سلسلةٍ من الاعتداءات الإيرانية على ناقلات النفط في الخليج والبحر الأحمر وعلى منشآت النفط السعودية، تغيَّرت إحداثيات العَلاقة بين إيران والولايات المتحدة بعد مقتل سليماني، فلم تعُد إيران قادرةً على الفعل دون مخافة ردود أفعال قوية ضدها، وبالتالي حيَّدَت قوة الميليشيات الموالية لإيران.