أصدر المعهد الدولي للدراسات الإيرانية «رصانة» تقرير الحالة الإيرانية لشهر نوفمبر 2019، مقدِّمًا للقارئ عمومًا، والباحث خصوصًا، وصفًا دقيقًا خلال الفترة الزمنية محلّ الرصد والتحليل، بهدف تشخيص الحالة الإيرانية، وقياس أوضاعها وتفاعلاتها المختلفة.
ويشتمل التقرير على ثلاثة أقسام رئيسية، يهتمّ القسم الأول بالشأن الداخلي الإيراني، فيما يتناول القسم الثاني تفاعلات إيران مع العالم العربي، أمّا القسم الثالث فيرصد الحِراك الإيراني على الصعيد الدولي، في إطار العلاقات الإيرانيَّة مع الدول الكبرى.
احتجاجات نوفمبر
داخليًا، وعلى المستوى الآيديولوجي، باعدت المؤسسة الإيرانية بينها وبين المواطنين الشيعة في كلٍ من العراق ولبنان، إذ تبنَّت خطابًا يعادي الحِراك الشعبي في الدولتين، كما أرجعت أسباب اندلاع هذه المظاهرات لعوامل عدة منها التعتيم على المسيرة الأربعينيَّة، وإخافة الشيعة من الذهاب لهذه المَسيرة، وبث الفُرقة بين الشعبين العراقي والإيراني، والانتقام من بعض المسؤولين العراقيين الذين صمدوا في مواجهة المطالب غير المشروعة لإسرائيل وأمريكا. وعلى المستوى السياسي، عمَّت المظاهرات والاحتجاجات الأراضي الإيرانيَّة على خلفية قرار رفع أسعار الوقود، مما أدى لخروج الشعب في الشارع رافضاً سياسة الحكومة، ومعبراً عن رفضه، فيما بررَّت الحكومة هذا القرار أنه لدعم الطبقات الفقيرة، بينما بررها البعض الآخر أنه للحد من تهريب الوقود خارج البلاد.
وتناول التقرير في الجانب الاقتصادي أزمة الوقود الإيرانيَّة الحاضرة والمحركة لكثير من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى كنتيجة مباشرة لتراجع إيرادات طهران الحكوميَّة بحكم حظر صادراتها النفطيَّة؛ بسبب العقوبات الأمريكية، إذ تراجعت هذه الصادرات من 2.5 مليون برميل يوميًا قبل العقوبات إلى نحو 125 ألف برميل يوميًا، كما تدهورت معدلات النمو الاقتصادي من 12.5% في عام 2016م إلى انكماش قُدِّر بـ -9.5% في العام الحالي، في حين خرجت الاستثمارات الأجنبيَّة من إيران بعد أن نجحت في استقطاب نحو 9 مليارات دولار في عام 2016م، لتصل إلى 4.03 مليارات دولار في عام 2018م، إضافة إلى ارتفاع سعر صرف التومان من 4009 مقابل الدولار الأمريكي عام 2017م إلى أن وصل 11900 تومان في أغسطس الماضي. واستعرض التقرير على الصعيد العسكري، تطبيق إيران برنامجاً لتطوير قدرات قواتها البحريَّة؛ بهدف التحرك المكثَّف في المياه العميقة، وتحقيق التفوق البحري إقليميًا.
العراقيون يرفضون إيران
وفي الشأن العربي، تناول التقرير الاحتجاجات العراقيَّة التي اندلعت منذ مطلع أكتوبر الماضي وكان زخمها الأشد نابعًا من المحافظات الجنوبيَّة ذات الأغلبيَّة الشيعيَّة الرافضين للطائفية والمطالبين بتغيير نظام الحكم للخلاص من المحاصصة وتسمية رئيس حكومة جديد، وتعديل قانون الانتخابات وحل مجلس النوّاب، وقد أكَّدت هذه الاحتجاجات رفض التدخلات الإيرانية من خلال حرق الأعلام الإيرانية، ورفع لافتات مناهضة لبعض الشخصيات المتنفذة من إيران، ليصل نطاق هذه الاحتجاجات إلى إحراق القنصلية الإيرانية في كربلاء، واستهداف مقرات الميليشيات المسلحة المواليَّة لإيران. أما إيران فقد مارست ضغوطاً على رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي -الذي استقال لاحقًا بضغوط المرجعيَّة- للبقاء في منصبه وقمع المتظاهرين بالأساليب الأمنية التي تُعرف بها إيران.
وفي ذات السياق، لفت التقرير إلى اتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي نص في تكوين الحكومة الشرعية لمجلس وزاري مكوَّن من 24 وزيراً من كفاءات يمنية، على أن تُقسَّم المقاعد الوزارية مناصفة بين المحافظات الشمالية والجنوبية في اليمن. وقد أدى عقد هذا الاتفاق إلى حالة سخط في الجانب الإيراني، إذ وصفت الخارجية الإيرانية هذا الاتفاق بالمنقوص.
تأييّد أمريكي للاحتجاجات
دوليًا، تناول التقرير الموقف الأمريكي العلني المؤيد للاحتجاجات الشعبية في إيران، وتحميل إيران مسؤولية أعمال القتل بحق المتظاهرين لتفرض على طهران سلسلة من العقوبات الجديدة على خلفية القمع الذي مارسه النظام الإيراني ضد شعبه، شملت 9 أشخاص وكيانات مقربة من المرشد علي خامنئي، فيما لوحت كلٌ من بريطانيا وفرنسا وألمانيا بإمكانية تفعيل آلية فض المنازعات الخاصة بالاتفاق النووي، والتي يمكن من خلالها تحويل الملف إلى مجلس الأمن، وإعادة فرض عقوبات أممية على إيران.