زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بغداد مؤخرًا، التي كانت المحطة الثانية خلال جولته الإقليمية، والتقى برئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، والرئيس برهم صالح، ووزير الخارجية فؤاد حسين والعديد من القادة السياسيين العراقيين الآخرين لمناقشة القضايا الثنائية. وتأتي زيارة ظريف الأخيرة وسط تطورات إقليمية وداخلية مهمة، وجهود إيران المستمرة للتأثير على الأوضاع السياسية والأمنية في العراق من خلال ميليشياتها ووكلائها السياسيين.
وتشير الإجراءات الأخيرة إلى رغبة إيران في دعم نفوذها في العراق خصوصًا أن بغداد تسعى إلى تنويع علاقاتها الاقتصادية وفرصها الاستثمارية مع دول المنطقة الأخرى مثل المملكة العربية السعودية والإمارات. وكان العراق يعتمد على إيران في العديد من العناصر التي تُعدُّ بالغة الأهمية لتطوير صناعته وبنيته التحتية، وقد حدّ هذا من آفاقه الاقتصادية بسبب العقوبات الأمريكية المشدّدة على طهران. وخفضت إيران صادرات الغاز إلى العراق في العام الماضي، متعللةً بفواتير غير مدفوعة أدَّت إلى تعرّض مدن كبرى مثل بغداد لنقص الكهرباء، كما اتخذت حكومة الكاظمي إجراءات معينة للحد من نفوذ إيران وتدخلها في البلاد. وكان الكاظمي حريصًا على فرض سلطة الدولة من أجل السيطرة على الميليشيات المدعومة من إيران وتضييق الخناق على عدوانها المتفشّي. وبناءً على أوامر صارمة من الكاظمي في العام الماضي، كان على قائد «فيلق القدس» إسماعيل قاآني الحصول على تأشيرة رسمية من وزارة الخارجية العراقية قبل زيارة بغداد. وقد كان هذا الأمر غير مسبوق، فلطالما زار القادة الإيرانيون العراق بشكلٍ متكرر دون الحصول على تأشيرة رسمية، ولأن العديد من السياسيين العراقيين يستاؤون من التدخل الإيراني، فإنَّه يُنظر إلى التحركات العراقية الجديدة على أنها تبدو -إلى حدٍ كبير- محاولةً عراقية للرد على التدخل الإيراني المؤذي في الشؤون الداخلية للعراق.
إلى ذلك، يعكس نهج إيران المتواصل تجاه التطورات داخل العراق كيف تنوي طهران مواجهة النفوذ الأمريكي واستغلال عدم الاستقرار في البلاد. من الواضح أن تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران بعد مقتل قاسم سليماني العام الماضي، قد فرض متغيرات جديدة وذلك بأن دعت الميليشيات المدعومة من إيران الولايات المتحدة مرارًا إلى سحب قواتها المتبقية البالغ عددها 2500 جندي في العراق لوقف الهجمات الصاروخية. ومع ذلك، فقد صوّت البرلمان العراقي بـ 170 مقابل 0 صوتًا، لقرار طرد القوات الأمريكية من العراق الذي رعته الكُتل السياسية ذات الأغلبية الشيعية مثل «تحالف فتح» و«ائتلاف دولة القانون». يُذكرُ أنَّ «فيلق القدس» و«الحرس الثوري» قد لعبا دورًا نشطًا في دعم الميليشيات العراقية التي أعاقت عملية استعادة الأمن في العراق. كما تواصل إيران دعم وكلائها في العراق، إذ تشير تقارير عدة إلى أن إيران زوَّدت مجموعات مثل «قوات الحشد الشعبي» وكتائب «حزب الله» و«سرايا الجهاد» بالصواريخ البالستية والأسلحة. وتحركت أيضًا في وقتٍ سابق من هذا العام، الميليشياتُ الموالية لإيران علانيةً في وسط بغداد واستنكرت الوجود الأمريكي في العراق وهدَّدت بجدع أُذن رئيس الوزراء العراقي. طلب الكاظمي ردًا، على هذا التهديد المفتوح، من إيران بضرورة كبح جماح ميليشياتها في البلاد وحذّر من أنه «سيعلن بوضوح من يدعم هذه الجماعات». فمن ناحية، تحاول إيران تقديم نهجٍ إقليميٍ مسؤول من خلال المشاركة في محادثات فيينا، بينما تواصل من ناحيةٍ أخرى دعم وكلائها في العراق لمهاجمة القوات الأمريكية. وقد كانت زيارة ظريف تهدف إلى تأمين مصالح إيران بدلًا من تمهيد الطريق لإصلاحٍ سياسيٍ جاد، ووضع حدٍ لعدم الاستقرار الداخلي في العراق.
وعارضت الكُتل السياسية الموالية لإيران، مثل «ائتلاف دولة القانون» و«تحالف فتح»، الحوارَ الوطني الذي بدأه الكاظمي بهدف توحيد الفصائل المتنافسة في البرلمان العراقي من أجل تحقيق تفاهمات مشتركة حول كيفية استقرار الحكومة والمؤسسات الوطنية والدولة. وقال تحالف فتح: «لا جدوى من إجراء حوار وطني قبل تحقيق السيادة الكاملة وخروج القوات الأجنبية». وعليه، تواجه إيران الآن تحديًا خطيرًا من حكومة الكاظمي التي تتطلع إلى تطوير علاقاتٍ أكثر توازنًا مع جميع القوى الإقليمية والغربية، على عكس الحكومات العراقية السابقة. ولقد هزّت ثورة أكتوبر النفوذَ الإيراني في العراق، وتواجه الكتل السياسية الموالية لإيران الآن عدَّة تحديات وسط مشاعر قوية معادية لإيران كانت واضحة طوال فترة الاحتجاجات الطويلة في العراق.
بحلول هذه المرحلة، يمكن استنتاج أنَّه بما أنَّ إيران تُدرك صعوبةَ تحقيق نتيجةٍ سياسية مواتية في العراق، بالنظر إلى الظروف الحالية؛ فمن المرجح أن تستمر في دفع وكلائها هناك لتهديد الأمن الداخلي واستخدام نفوذها السياسي لضمان استمرار الأزمات والمآزق السياسية في تعكير صفو المشهد السياسي في البلاد.