التقى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان مؤخَّرًا، وزير خارجية فنزويلا فيليكس بلاسينسيا جونزاليس في طهران.
وناقش الوزيران العلاقات الثنائية وسُبُل تعزيز التعاون بين البلدين، إذ أعلن عبد اللهيان، أنَّ البلدين سيعملان خلال الأشهر المقبلة على وضع أُسسٍ لوثيقة تعاونٍ ثنائي لمدَّة 20 عامًا. وتدُلّ زيارة جونزاليس لإيران والتصريحات الصادرة عن الحكومة الإيرانية على توافُق المصالح؛ نظرًا لأنَّ البلديْن يواجهان تهديدات وعقوبات من الولايات المتحدة. وسيُناقش هذا التقرير أهمِّية زيارة وزير الخارجية الفنزويلي لإيران، ويقرأ انعكاساتها على التطوُّرات المستقبلية بين البلدين، ويحدِّد أهداف إيران من العلاقة مع فنزويلا، على الرغم من الأزمات التي تواجهها. تحتاج فنزويلا إلى زيادة صادراتها النفطية، في ظِل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمُرّ بها؛ لذا اتّفقت شركة النفط الوطنية الفنزويلية PDVSA)) والشركة الوطنية الإيرانية للنفط (NIOC) على توسيع التعاون بينهما؛ لمواجهة تأثير العقوبات الأمريكية على تجارتهما النفطية، إذ لم تستطِع شركة النفط الوطنية الفنزويلية PDVSA)) -نظرًا لسوء الإدارة والفساد اللذان امتدّا لسنوات- تكريرَ نفطها الخام الثقيل بمفردها، وطلبت الحكومة الفنزويلية من إيران، العام الماضي، إصلاحَ بعض مصافي النفط في شبه جزيرة باراغوانا.
كما أبرمت فنزويلا اتفاقية مقايضة للذهب بالغاز مع إيران، وبحسب ما أشارت إليه بعض التقارير، فإنَّ فنزويلا دفعت لإيران 9 أطنان من الذهب (أيْ ما يصِل قيمته تقريبًا إلى 500 مليون دولار)، وخلال الشهر الماضي أشارت تقارير عديدة إلى أنَّ إيران وفنزويلا بدأتا بالتجارة القائمة على المقايضة؛ حيث شُحِنت 2.1 مليون برميل من مكثَّفات الغاز الإيراني إلى كاراكاس.
وقد أثارت وثيقة التعاون الثنائي المرتقبة مع فنزويلا تساؤلات الإيرانيين، لا سيّما في ظِل الأزمة السياسية التي تمرُّ بها فنزويلا. وأبدى عبد اللهيان -خلال زيارته الأخيرة إلى روسيا- رغبتهُ في إبرام وثيقة إستراتيجية مماثلة مع موسكو، وترمي إيران -من إبرام هذه الاتفاقيات- إلى استعراض ثقلها الدبلوماسي، وإثبات أنَّ حملة أقصى الضغوط التي انتهجتها إدارة ترامب ضدّها كانت فاشلة.
وقال رئيسي: «بين إيران وفنزويلا مصالح مشتركة وأعداء مشتركين، وقد أثبتنا على الدوام أنَّنا قادرون -بالمقاومة والحِكمة- على إحباط مؤامرات الولايات المتحدة والإمبريالية العالمية». وفعليًا فشُركاء إيران التجاريين قِلَّة، على الصعيديْن الإقليمي والعالمي، وقد توقّف أكبر شركائها -كوريا الجنوبية والهند واليابان- عن شراء النفط الإيراني؛ بسبب العقوبات الأمريكية. أمّا فنزويلا فقد أعربت عن انزعاجها من سعر النفط الإيراني، إذ ذكر عضو في نقابة عُمَّال البترول الفنزويلية، أنَّ إيران تستغِلّ ما تمُرّ به البلاد من أزمة، وتضاعِف سعره إلى 20 ضعفًا. وتستند التعامُلات المستقبلية بين إيران وفنزويلا على ثلاثة أسباب رئيسة: الأوَّل، أنَّ موقع فنزويلا الجغرافي الإستراتيجي يسمح لإيران بالضغط على واشنطن، لا سيما أنَّ العلاقات الثنائية توسَّعت إلى المجالات الأمنية. الثاني، أنَّه على الرغم من ارتفاع الصادرات الإيرانية في العامين الماضيين، إلَّا أنّ جزءًا كبيرًا من أرباحها يذهب إلى الوُسطاء الذين يساعدون طهران في تجارتها غير المشروعة، لا سيّما في بيع النفط إلى دولة مثل فنزويلا؛ وبالتالي فإنَّ إيران مُهتَّمة بالتعامُل المباشر مع فنزويلا، من خلال إبرام وثائق تعاون ثنائي والاستغناء عن الوُسطاء. الثالث، أنَّ الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أعرب عن اهتمامه بشراء صواريخ وأسلحة من إيران، كما أنَّ إيران حريصة على توسيع نطاق صادراتها الدفاعية إلى خارج الشرق الأوسط. ومؤخَّرًا، استطاعت مجموعة من المخترقين الإلكترونيين اختراقَ موقع المديرية العامَّة لمكافحة التجسُّس العسكري في البلاد، وتمكَّنت من التوصُّل إلى معلومات تخُصّ تواجد عناصر تابعة لـ «حزب الله» في فنزويلا، تحت حماية حكومة الرئيس مادورو، كما أشارت تقارير سابقة إلى وجود تعاونٍ قوي بين مسؤولي المخابرات الفنزويليين السابقين وعناصر حزب الله، في مجالات تهريب الأسلحة والمخدَّرات وغسيل الأموال.
وتعكس تصريحات وزير الخارجية الإيراني الأخيرة، ما ستركِّز عليه إيران خلال السنوات المقبلة. وفي ظِل تعثُّر المفاوضات النووية، تواصل إيران اتّخاذ موقفٍ حازم في نهج سياستها الخارجية. وعلى الرغم من أنَّ إدارة جو بايدن لم تتّخِذ خطواتٍ صارمة تجاه شبكات وأنشطة طهران غير المشروعة في أمريكا الجنوبية، إلَّا أنَّها تراقب الوضع عن قُرب في فنزويلا، وتطوُّر العلاقة بين طهران وكاراكاس. وعلى ضوء التطوُّرات الجيوسياسية الحالية، فمن المرجَّح أن تتوثَّق العلاقة بين إيران وفنزويلا، من خلال وثائق التعاون طويل الأمد، وأن تتنامى مشاعر العداء المشترك الذي تُكِنّه البلدان للولايات المتحدة.