سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الصراع بين إسرائيل و«حزب الله».. ومحادثات وقف إطلاق النار في الدوحة والقاهرة

https://rasanah-iiis.org/?p=36317

انخرط الاتحاد الأوروبي بفعالية في جهود دبلوماسية غير مباشرة، بشأن الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» ومحادثات وقْف إطلاق النار في غزة؛ الجارية في الدوحة والقاهرة. وعلى الرغم من الانقسامات الداخلية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي؛ ما بين من يتبنُّون موقفًا مؤيِّدًا لإسرائيل مثل ألمانيا وغيرها من دول أوروبا الشرقية وأولئك ممَّن يتبنُّون موقفًا أكثر توازنًا مثل إسبانيا وأيرلندا، فإنَّ بروكسل تستخدم القنوات الدبلوماسية غير الرسمية والرسمية؛ لتجنُّب التصعيد العسكري الإقليمي. ومع ذلك، فإنَّ هذه الانقسامات الداخلية في الاتحاد الأوروبي ملحوظة أيضًا على المستوى المؤسَّسي. والواقع أنَّ ثمَّة اختلافات في التصريحات السياسية بشأن التصعيد العسكري بين «حزب الله» وإسرائيل وحرب غزة، وذلك وفقًا للقيادات المختلفة في مختلف مؤسَّسات الاتحاد الأوروبي.

أولًا: تعمل رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على تعزيز موقفٍ مؤيِّد لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي. وعلى العكس من ذلك، يتبنَّى رئيس «المجلس الأوروبي» شارل ميشيل والممثِّل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل نهجًا أكثر توازنًا، يأخُذ في الحسبان -في الوقت نفسه- وجهات النظر المتضارِبة حول إسرائيل والدول العربية، فضلًا عن معاناة الفلسطينيين. وفيما يتعلَّق بالصراع بين إسرائيل وحزب الله، أعربَ الاتحاد الأوروبي عن قلقهِ العميق إزاء التصعيد العُنف، مؤكِّدًا على ضرورة خْفض التصعيد من كلا الجانبين، وتجنُّب الإجراءات التي قد تزيد من زعزعة استقرار المنطقة. وكان نهْج الاتحاد الأوروبي متّسِقًا مع سياسته الخارجية العامَّة، التي تركِّز على الحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط، مع الالتزام بالقانون الدولي والمبادئ الإنسانية. ويدعم الاتحاد الأوروبي الإبرام السريع لـ «صفقة وقْف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن والمعتقلين». وتهدُف بروكسل من وراء هذه الصفقة لـ «تمهيد الطريق لخفْض التصعيد الإقليمي».

ومن بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، اتّخذت فرنسا نهجًا دبلوماسيًا حذِرًا تجاه الصراع المتصاعِد بين «حزب الله» وإسرائيل. وحثَّت الحكومة الفرنسية «حزب الله» بقوَّة على الكفِّ عن التدخُّل في الصراع، مؤكِّدةً على مخاطر التصعيد الإقليمي على نطاق أوسع. وكان المسؤولون الفرنسيون على اتّصالٍ وثيق بنظرائهم اللبنانيون والإسرائيليون؛ للضغط من أجل خفْض التصعيد، والدعوة إلى الحوار. وتستند سياسة فرنسا إلى مصلحتها العامَّة في الاستقرار الإقليمي، وعلاقاتها التاريخية مع لبنان. وأدانت فرنسا بشدَّة الهجمات عبر الحدود، بينما دعت إلى ضبْط النفس؛ لتجنُّب نشوب حرب شاملة. وعندما اشتدَّت حدَّة القتال، دعت وزارة الخارجية الفرنسية رعاياها لمغادرة لبنان، نظرًا للوضع الأمني شديد التقلُّب.

وفي الوقت نفسه، تؤكِّد فرنسا، إلى جانب بلدان أخرى في الاتحاد الأوروبي، على أهمِّية تجنُّب امتداد الصراع. وعلى الرغم من أنَّ فرنسا لا تنحاز إلى أيّ طرف في الصراع المباشر بين إسرائيل وحزب الله، فإنَّها تدعم جهود المجتمع الدولي الرامية إلى استقرار الوضع، ومنْع تصعيد امتداد التصعيد لنطاق أوسع، حيث يشمل جهات فاعلة إقليمية أخرى، مثل إيران وسوريا.

وتجري فرنسا مشاورات مع طرفي الصراع؛ لمنع فتْح جبهة جديدة في لبنان، بالتوازي مع الصراع الدائر بين إسرائيل و«حماس» في غزة. ويرافق هذه الجهود تنسيق وثيق مع الولايات المتحدة، لا سيّما لتعزيز تدابير خفْض التصعيد، وتعزيز تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، الذي يدعو إلى انسحاب القوّات المسلَّحة غير اللبنانية من جنوب لبنان، ونشْر الجيش اللبناني وقوات «اليونيفيل» (قوَّة الأُمم المتحدة المؤقَّتة في لبنان).

ومع كل هذا، تواجه الدبلوماسية الفرنسية عقبات، على رأسها: رفْض «حزب الله» الدخول في مفاوضات حتى يتِم التوصُّل إلى وقْف دائم لإطلاق النار في غزة. ومع ذلك، تواصل باريس جهودها لإقناع مختلف الجهات الفاعلة الإقليمية بتجنُّب التصعيد العسكري، الذي قد يخلِّف عواقِب مدمِّرة. وفيما يتّصِل بمحادثات وقْف إطلاق النار في غزة، دعَمَ الاتحاد الأوروبي الجهود بقيادة الولايات المتحدة وقطر ومصر للتفاوض على هدنة بين إسرائيل و«حماس». وشدَّد الاتحاد الأوروبي على أهمِّية وقْف إطلاق النار، حيث لا يُنهي الأعمال العدائية فحسب، بل يسهِّل أيضًا وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، لا سيّما أنَّ الوضع آخِذٌ في التدهور في القطاع. ودعا الاتحاد الأوروبي إلى حلٍّ مُستدام يشمل إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى «حماس»، ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع، بما يتماشى مع جهود المجتمع الدولي الرامية إلى التوصُّل إلى حل الدولتين، باعتباره الحل النهائي للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

وعلى الرغم مّما شهِدَته محادثات وقْف إطلاق النار من جولات مختلفة مع إحراز بعض التقدُّم، إلّا أنَّ التحدِّيات لا تزال ماثِلة، مثل قائمة السُجناء الفلسطينيين، الذين يجب على إسرائيل إطلاق سراحهم. وقد أعربت «حماس» عن استيائها من بعض المقترحات في المفاوضات، في حين أبدت إسرائيل مخاوف بشأن بعض الشروط؛ ما يجعل الوضع محفوفًا بالمخاطر. ويواصل الاتحاد الأوروبي مراقبة هذه التطوُّرات عن كثَب، والدعوة إلى اتفاق سلام شامل ودائم. وتسلِّط مشاركة الاتحاد الأوروبي في هذه الجهود الدبلوماسية الضوء على التزامه باتّخاذ دورٍ بنّاء في الجهود الرامية لتحقيق السلام والاستقرار بالمنطقة، على الرغم ممّا ينطوي تحتها من تعقيدات.

أكَّد التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وحزب الله، فضلًا عن مفاوضات وقْف إطلاق النار الجارية بين «حماس» وإسرائيل في القاهرة والدوحة، تهميشَ الاتحاد الأوروبي كلاعبٍ دبلوماسي مهم في منطقة بلاد الشام. ويتّضِح هذه التهميش جليًا في فترة الاستقطاب الإقليمي التي شهدتها هذه المنطقة. وفي سياق هذه التوتُّرات العسكرية المتصاعِدة، تشكِّل الانقسامات الداخلية في الاتحاد الأوروبي -أكانت على مستوى الدول الأعضاء أو على المستوى المؤسَّسي للاتحاد- عقبات عصية تحُول أمام عودة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي إلى المنطقة. وعلى الرغم من هذا الانحدار الدبلوماسي الأوروبي، تواصل بعض الدول الأعضاء، مثل فرنسا، استباق الأحداث؛ سعيًا منها لتجنُّب التصعيد العسكري، الذي سيكون مدمِّرًا ليس فقط على المستوى الإقليمي، لكن أيضًا بالنسبة للمصالح الأوروبية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير