https://www.youtube.com/watch?v=t-2rguW9LiE&has_verified=1
فوجئ الإيرانيون يوم 18 أبريل الماضي بانتشار مقطع مصور تظهر فيه شرطية من دوريات «الإرشاد والأخلاق» وهي تقوم بضرب وسحل فتاة لا يتعدى عمرها 20 عامًا، بدعوى أن حجابها لا يُغطي شعرها بالكامل، إذ يَظهر في الفيديو فتاتان بإحدى الحدائق العامّة، وتَظهر شُرطية وبعض من رجال شرطة الإرشاد، وتحاول تلك الشرطية أخذ واحدة من الفتاتين عُنوة إلى السيارة، ومن ثم تبدأ بضربها بقوة.
♦ الحادثة مدبرة:
بعد انتشار المقطع المصور صرّح صادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية الإيرانية بأن الشرطة يجب أن لا تتراجع عن موقفها أو حتى تعتذر. وأضاف: «إنّ الفتاة هي السبب، وهي من بدأت بضرب الشرطية لا العكس». هذا وأكدت وسائل الإعلام المحسوبة على التيار المحافظ تصريح صادق لاريجاني، مشيرين أيضًا إلى أن المقطع المصور مدبر ومخطط والهدف منه هو «إثارة الفتن». لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط بالنسبة إلى صادق لاريجاني، بل هاجم وبحدّة الفتاة التي ظهرت في الفيديو بقوله: «إنّ كل من ينتهك القانون يجب أن يحاسب، ولا بد أن تتمسك الشرطة بموقفها وإلا سينتشر أمر اختراق القانون بين الناس ويعرّض أمن وأمان البلاد للخطر».
♦ انتقادات واسعة:
في الجهة المقابلة اعترض بعض المسؤولين الحكوميين ونواب البرلمان على استخدام شُرطة الإرشاد للعنف تجاه النساء، ففي تغريدة لها على موقع «تويتر» وصفت معصومة ابتكار نائبة الرئيس روحاني لشؤون المرأة والأسرة الشرطة بأنها «تعاملت بعنف ووحشية غير مقبولة»، بينما قالت نائبة الرئيس الإيراني للشؤون القانونية لعيا جنيدي إن ما فعلته الشرطة «انتهاك واضح وصريح لمواد الدستور الإيراني التي تنص على حفظ كرامة المواطنين مهما كانت جريمتهم»، وتابعت: « ليس من حق أي شخص مهما كان أن ينتهك حقوق وكرامة الآخر». لعيا أكدت أيضًا «ضرورة أن تخضع تلك الشرطية للتحقيق»، وكان وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي قد صرح بأن «الوزارة ستحقق في تلك الحادثة، لكنه في الوقت نفسه دعا النساء إلى الامتثال للأعراف الاجتماعية».
وعبّر الإيرانيون عن غضبهم من عنف الشرطة على مواقع التواصل الاجتماعي، واصفينها بتبني العنف، تمامًا مثلما تفعل داعش. تقول مريم اسفنديار التي تعمل في مجال حقوق الإنسان: «إن هذه الواقعة استطعنا معرفتها والوصول إليها لأنها مصورة، لكن هناك مئات النساء اللاتي يتعرضن للعنف يوميًّا على يد شرطة الإرشاد ولا أحد يعلم عنهن شيئًّا»، مؤكدةً أيضًا أن شرطة الإرشاد لا تخضع للقانون، ولا يمكن لأحد محاسبتهم لأن «النظام يتستر على جرائمهم».
♦ أهانوني وأهانوا والدي:
تذكر فرح البالغة من العمر 26 عامًا والعاملة بأحد البنوك أنها تعرضت للاعتقال والضرب على أيدي شرطيات الإرشاد، إذ تقول: «وأنا ذاهبة إلى عملي أوقفتني دورية الإرشاد بحجة أنني أرتدي بلوزة بأكمام قصيرة، وبعد مشادة كلامية حاولت إحدى الشرطيات الزج بي عنوة إلى داخل السيارة ولكني قاومتها». لم تفلح فرح في المقاومة كثيرًا وتم اعتقالها، وفي مركز الشرطة تم استدعاء والدها، وفي قسم البوليس تعرض والدها لإهانات كبيرة من أحد الضباط لكنه «ظل صامتًا لكي لا يتعرض للسجن» حسب تعبيرها.
♦ نتاج الثورة الإيرانية:
شرطة الإرشاد واحدة من «قوات الباسيج» التي تشكلت مباشرة بعد الثورة الإيرانية، وتمتلك سلطات قانونية، والغرض من تأسيسها كان الحفاظ على الزي الإسلامي للنساء، ومراقبة سلوك الإيرانيين في الشوارع والأماكن العامة، وحتى الرجال ينالون حظهم من مراقبة شرطة الإرشاد إذا كانوا يمتلكون على سبيل المثال قصات شعر على النمط الغربي.
تمتلك شرطة الإرشاد العديد من الدوريات التي تطوف الشوارع في إيران ليلًا ونهارًا، ولها حق فرض الغرامات المالية الفورية على أي سيدة تخالف المعايير التي وضعها النظام الايراني، وأيضًا لها حق اعتقال الأفراد. ويبلغ عدد أفراد شرطة الإرشاد في العاصمة طهران فقط نحو 7 آلاف عنصر بحسب تصريح رئيس الشرطة السابق عام 2016.
♦ تحريض النظام:
يعاني الإيرانيون بصفة عامة من تدخّل شرطة الإرشاد في كل شيء، ويرونها مجرد أداة تتحكم في حياتهم الشخصية من قبل النظام، لكن النساء هم الفئة الأكثر تضررًا، وتستمد شرطة الإرشاد سطوتها وقوّتها من النظام مباشرة ورجال الدين، فقد صرّح أحد أكبر رجال الدين بمدينة قُم، جعفر سبحاني، بضرورة اتخاذ إجراءات أكثر صرامةً تجاه النساء اللاتي لا يرتدين الحجاب الإسلامي بشكل صحيح (تغطية كامل الرأس)، ودعاهم إلى التصرف بحدّة حتى وإن وصلت تلك الحدّة إلى الخروج عن القانون.
♦ تطبيق إلكتروني للهروب:
عام 2016 وفي محاولة من بعض الشباب الإيراني للهرب من قيود شرطة الإرشاد، قام بعض المبرمجين الشباب بتطوير تطبيق باسم «غرشاد»، وطرحه على متجر “غوغل” الإلكتروني.
ويعتمد التطبيق على خدمة GPS لمعرفة أماكن وجود دوريات الإرشاد وتفاديها، فإذا كنت في شارعٍ ما وتريد أن تعرف هل توجد دورية إرشاد بذلك الشارع فالتطبيق يوفر تلك الخدمة، إذ تستطيع أن تتفادى الدورية بفضله، إلا أنه وبعد أسبوع واحد فقط من طرحه استطاعت السلطات الإيرانية حجبه على الفور.
♦ روحاني ينتقد الشرطة:
رجوعًا إلى الواقعة الاخيرة، انتقد روحاني علانية أفعال شرطة الإرشاد، ففي خطاب متلفز بعد الحادثة بأيام قليلة قال: «إنّ تعزيز الفضيلة في البلاد لا يتم من خلال العنف». وأضاف روحاني قائلًا: «اتركوا الناس تعيش حياتها». والجدير بالذكر أن الرئيس روحاني منذ توليه منصب الرئاسة وهو يحاول أن يقلل من تدخّل شرطة الإرشاد وغيرها في حياة الإيرانيين، لكنه في الواقع لا يمتلك سلطة قوية على شرطة الإرشاد، وهو ما جعل إيران في الآونة الأخيرة تشهد حركات عصيان مدني من قِبل النساء على الحجاب الإجباري، وتم اعتقال العديد من النساء اللاتي قررن الخروج علانية دون حجاب، وقد وصف المرشد خامنئي ذلك العصيان النسائي بأنه أمر حقير ومن صنع أعداء إيران.