مع وصول إنتاجها النفطي بالفعل إلى مستوياتِ ما قبل عهد دونالد ترامب ما زالت طهران تشترط الامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة بشطب الإدارة الأمريكية الحرس الثوري الإيراني من قائمة «المنظمات الإرهابية الأجنبية». وكانت وزارة الخارجية الأمريكية، في عهد إدارة ترامب، قد صنّفت ولأوّل مرة، كيانًا عسكريًا لدولة أخرى؛ ألا وهو الحرس الثوري الإيراني في خانة المجموعات الإرهابية في 8 أبريل 2019م كجزء من سياسة «الضغوط القصوى» التي انتهجتها الولايات المتحدة آنذاك ضد إيران. وكان رد إيران بلا أهمية حقيقة؛ إذ صنّفت جميع القوات العسكرية الأمريكية على أنها «منظمة إرهابية».
ولأنّ كلًا من الولايات المتحدة وإيران يتجهون للعودة نحو فترة ما قبل ترامب، يبدو أنّ على واشنطن أن تتراجع عن قرار تصنيفها الحرس الثوري الإيراني على أنه منظمة إرهابية، إلّا أنّ الأمر أكثر تعقيدًا مِمّا يبدو. يُعرف عن الحرس الثوري الإيراني، الذي لا يتْبَع الرئيس الإيراني بل يتْبَع مباشرةً للمرشد الأعلى فقط، أنه لاعبٌ مرواغ. إنّ رفع تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية على أساس الوصول إلى «ضمان علني من إيران للتخفيف من حدة التصعيد» لن يُرضيَ الإدارة الأمريكية أو الكونجرس أو جيران إيران العرب ولاسيّما أنّ حالة عدم الثقة بشأن تصرفات الحرس الثوري الإيراني تمتد أيضًا للقوى الأوروبية الكبرى.
ويعني إلغاء التصنيف كمنظمة إرهابية أجنبية، رفعَ قيود الهجرة عن أعضاء الحرس الثوري الإيراني الحاليّين والسابقين وأيّ شخص ينتسبُ إليه بأيّ طريقة أخرى من دخول الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ أيّ شخص يُكتشف أنه يقدم دعمًا ماديًا أو موارد عن قصدٍ للحرس الثوري الإيراني لن يكون عرضةً لمواجهة الإجراءات الجنائية ما لم يكُن خاضعًا للسلطات القضائية لمجموعة من العقوبات الأخرى التي تخضع لها إيران وفرعها العسكري من النخبة. وتهدفُ خطوة تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية لردع الدول والشركات عن الانخراط في أعمال تجارية مع الحرس المتغلغل بعُمق في الاقتصاد الإيراني. وصنّفت وزارة الخزانة الأمريكية «الحرس الثوري الإيراني» لأوّل مرة في أكتوبر 2007م بموجب «الأمر التنفيذي رقم 13382» الصادر من سلطات مكافحة انتشار الأسلحة النووية. وقد صُنّف هذا الإجراءُ أيضًا بموجب «الأمر التنفيذي رقم 13224» «فيلقَ القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني، إلّا أنه لم يشمل تصنيف الحرس الثوري الإيراني برُمّته كمنظمة إرهابية.
وفي ضوء ما سبق، في حال لم يتحرّر الحرس الثوري تمامًا من العقوبات، فما الذي ستحقّقهُ إيران من إلغاء تصنيفه كمنظمة إرهابية أجنبية؟
لطالما كان الحرس الثوري الإيراني خطًا أحمرَ للحكومة الإيرانية بسبب قربه من المرشد الأعلى، فالمضي قدمًا في إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة دون إلغاء تصنيف الحرس الثوري الإيراني على أنه منظمة إرهابية أجنبية، سيُعدُه «المتشددون» في إيران خيانةً كبرى، وقد تواجه الحكومة الإيرانية حينها تحديًا ومعارضةً شديدة.
وتعاني إدارةُ بايدن من مأزقٍ مُماثل إلى حدّ ما؛ إذ يجب على الرئيس الأمريكي وحزبه الديمقراطي أن يستعدوا لدفع بعض التكاليف السياسية؛ لأنّ وسائل الإعلام والحزب الجمهوري سيصورون شطب الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية على أنه تنازل هائل لإيران، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى وصولها المجاني إلى السوق العالمية والنظام المصرفي. وكتبت مجموعةٌ من 80 من أعضاء الكونجرس بالفعل إلى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لإبلاغه بأنهم «متحدون في معارضةٍ قوية لأيّ تحركٍ لإضفاء الشرعية على أفعال الحرس الثوري الإيراني المتهورة والمزعزعة للاستقرار والمعادية للسامية في الشرق الأوسط». وفي حال توصلت إدارة بايدن لاتفاقٍ نووي جديد مع إيران ينبغي عليها عرضه أوّلًا على مجلس الشيوخ، حيث تتساوى كفة الديمقراطيين والجمهوريين من حيث العدد. ولن يكون من السهل على البيت الأبيض الترويج لأيّ اتفاق نووي جديد مع إيران داخل الحزب الديمقراطي، ناهيك عن موافقة الجمهوريين.
وترغب إيران في الإضرار بمصداقية استعراض واشنطن لقوتها من خلال العقوبات وذلك بإلغاء تصنيف الحرس الثوري الإيراني على أنه منظمة إرهابية أجنبية، وإذا نجحت في ذلك، فسوف يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها تخفّف من موقفها تجاه كيان إرهابي. وكان موقف إيران «المتشدد» في المحادثات النووية يتمحور حول استبعاد جميع القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، والتشدد، والإرهاب، أو برنامجها الصاروخي عن المحادثات. وأما معضلة طهران الكامنة في عجزها عن المضي قُدمًا في المحادثات دون موافقة المرشد الأعلى وموافقة الحرس الثوري الإيراني ستُعيق إحياء الاتفاق النووي في المستقبل المنظور. وفي هذه الأثناء ستستمر إيران في تخصيب اليورانيوم بمستوياتٍ أكبر، قد تتجاوز 60%، وبالتالي تقليص وقت «الاختراق النووي» أي الوقت الذي تحتاجه إيران لتصنيع قنبلة نووية واحدة.
إذا وجدت إدارة بايدن طريقةً لكسب دعم المشرّعين لإحياء الاتفاق النووي بما في ذلك شطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، فهل توافق إيران على آليةٍ لمنع انخراط حرسها الثوري في حروبٍ بالوكالة في الشرق الأوسط وأماكن أخرى؟ سد فجوة الثقة مع إيران ليست بالمهمة السهلة، ولاسيّما عندما يعتمد وجود أمثال: حزب الله والحشد الشعبي اعتمادًا كُليًا على تمويل الحرس الثوري والمساعدات العسكرية الإيرانية. ومع وجود العقوبات تمكّنت إيران من زيادة إنتاجها النفطي إلى مستويات ما قبل ترامب؛ إذ تُشيُر التقاريرُ المتعلقة بأنشطة إيران لانتهاك العقوبات، إلى تنامي الشكوك حول أنشطة إيران في المستقبل عندما تُرفع بعض القيود الرئيسة عنها.