شهدت العاصمة طهران وعدد من المدن الإيرانية مسيرات واحتفالات بمناسبة الذكرى الـثامنة والثلاثين لانتصار الثورة الإيرانية بقيادة الخميني، التي أطاحت بحكم الشاه محمد رضا بهلوي في 1979.
واكتسبت احتفالات هذا العام أهمّية خاصَّة بعد تأكيد المرشد الأعلى للنظام علي خامنئي أن الشعب سيردّ على ترامب الذي صعّد خطابه ضدّ إيران وحذّرها من مواصلة اختبارات الصواريخ الباليستية وهدّدها بفرض مزيد من العقوبات.
تصعيد ترامب ضدّ إيران خرج من دائرة التراشق الدبلوماسي والشعارات الانتخابية إلى عقوبات جديدة وواسعة على إيران، شملت 24 شخصًا ومؤسسة يُشتبه في صلتهم بدعم برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وبلغ التصعيد الأمريكي قمته خلال الأيام الأخيرة عندما أعلنت إدارة ترامب نيّتها تصنيف الحرس الثوري، الذراع اليمني للنظام الإيراني، منظَّمة إرهابية.
وعلى الرغم من أن المشروع لا يزال قيد الدراسة، فإنه في حال تصنيف الحرس الثوري منظَّمة إرهابية، ستظهر آثار شديدة على هذه المؤسَّسة التي تسيطر على جزء كبير من الاقتصاد الإيراني وعلى المعاملات النِّفْطية والاتصالات ومقاولات بناء الطرق والجسور داخل إيران خارجها، فضلًا عن انسحاب هذا التصنيف على طبيعة الأدوار الميدانية الإيرانية في سوريا والعراق.
خامنئي الذي بدا مراهنًا على مشاركة شعبية واسعة في مسيرات ذكرى انتصار الثورة للرد على إجراءات وتهديدات ترامب ضدّ طهران، قال إن تهديدات ترامب أثبتت ما تقوله طهران منذ 38 عامًا حول الفساد السياسي والأخلاقي والاقتصادي والاجتماعي في نظام الحكم بالولايات المتحدة، وإن هذه التصريحات أظهرت الوجه الحقيقي للولايات المتحدة.
هذه العقوبات والتصريحات أعقبها تصعيد متبادَل بين البلدين، فقد وصف وزير الدفاع الأمريكي النظام الإيراني بأنه الراعي الأول للإرهاب في العالَم، أما وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف فقد أعلن أن بلاده لن توافق على إعادة التفاوض على الاتفاق النووي الذي دأب ترامب على انتقاده بدعوى أنه كان هدية من أوباما لإيران، وقال في هذا الصدد إن ترامب سيدفع باتجاه إعادة التفاوض حول الاتفاق، لكن إيران والدول الأوروبية لن تقبل بذلك، مؤكِّدًا أن أياما صعبة تلوح في الأُفُق.
تصريحات ظريف، جاءت غداة ردّ فعل موسكو التي تقف موقف الوسيط بين طهران وواشنطن، إذ أعربت عن قلقها من تصعيد اللهجة بين أمريكا وإيران، مؤكّدة أن محاولة ترامب إعادة فتح الملف النووي الإيراني مخاطرة كبيرة.
وردًّا على تحذير ترامب الذي أكّد فيه أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة في ما يتعلق بالتعاطي مع إيران، قال وزير الخارجية الأسبق ومستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي: “إذا قرّر ترامب تنفيذ تهديداته فإن ذلك لا يشكِّل مصدر قلق لإيران، فالولايات المتحدة لن تتجرأ على شنّ أي هجوم ضدّها، كما أن واشنطن تدرك جيدًا أن إيران وحلفاءها سيردُّون عليها ردًّا قاسيًا”.
وعلى وقع هتافات “الموت لأميركا” التي اعتاد الإيرانيون ترديدها خلال مسيراتهم، نزل آلاف المواطنين في عدد من المدن إلى الشوارع للاحتفال بهذه المناسبة، وللتنديد بالمواقف الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب المناهضة للسياسات الإيرانية.
الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي ألقى خطبة في الاحتفال المقام بهذه المناسبة في ساحة الحرية “آزادي” بالعاصمة طهران، وجّه رسالة إلى دونالد ترامب وفريقه، جاء فيها: “تَسلّم السُّلْطة في الولايات المتحدة بعض المبتدئين، وعلى جميعهم التحدث مع الشعب الإيراني باحترام”، مؤكِّدًا أن “الشعب الإيراني سيردّ ردًّا حاسمًا على هذه التهديدات”، حسب تعبيره، وتابع بأن إيران تمكنت من استعادة حقوقها المشروعة في التقنية النووية وأنها تمكنت من الحصول على تصميم جديد لمفاعل أراك ولديها أجهزة طرد مركزي أكثر تطوُّرًا.
البيان الختامي لمسيرات ذكرى انتصار الثورة الإيرانية، أكّد أن الولايات المتحدة لا تزال العدو الأول للشعب الإيراني، وأيّد الجهود والإجراءات التي تتخذها القوي الأمنية للحيلولة دون إضعاف الوحدة الوطنية ومنع مَن أسماهم أعداء إيران من التغلغل في مفاصل النِّظام.
وأكّد البيان أن الشعب الإيراني الذي لا يثق بالولايات المتحدة، يُعرِب عن سخطه واستنكاره لعدم وفائها بوعودها وانتهاكها للاتفاق النووي، ودعا قادة البلاد ونواب البرلمان إلى اتخاذ مواقف حازمة وسبل وقائية مؤثّرة للردّ بالمثل على الإجراءات الأمريكية ضدّ إيران، كما شدّد البيان على ضرورة المحافظة على سلامة الأراضي السورية واليمنية والعراقية وسائر بلدان المنطقة، معتبرًا إن هذا الأمر سيعزِّز الأمن والسلام في المنطقة.
تهديدات ترامب ووعود خامنئي وتصريحات روحاني، جاءت لتؤكِّد أن البلدين قد دخلا فعلًا في مرحلة جديدة من الصدام والعداء بعد تهدئة لم تدُم طويلًا.
ورغم عدم وجود رؤية أمريكية متبلورة حتى الآن تجاه إيران، كما أن تصريحات ترامب ضدّ هذا البلد لا تزال في إطار الحملة الإعلامية، فإن مواقفه الأخيرة قد تترجم رغبته في تنفيذ شعارات حملته الانتخابية التي وعد خلالها بكبح طموحات إيران التوسُّعية وإعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي.