يواجه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ضرباتٍ من منافسه، رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، وعلى وقْع الخلافات حول سوء إدارة الاقتصاد الإيراني، يُخطِّط «المتشدِّدان» لخوض السباق الرئاسي الإيراني المقبل، المقرَّر عقده في عام 2025م.
في ظل اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، تزداد حدَّة المنافسة بين الخصمين السياسيين، إذ يتصرَّف رئيسي وقاليباف مثل العمالقة، على الرغم من افتقارهما إلى السُّلطة السياسية الحاسمة. ويراقب المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، تحرُّكات المرشَّحَيْن، إذ يرغب في زيادة إقبال الناخبين على الانتخابات المقبلة، في ضوء تراجُع المشاركة الشعبية. ونتيجة ذلك، سيلجأ خامنئي ومجلس صيانة الدستور المؤلَّف من 12 عضوًا إلى فحص المرشَّحين للانتخابات بعناية، مع تصاعُد المخاوف إزاء انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات، في أعقاب الاحتجاجات المناهضة للحكومة العام الماضي في إيران.
باب التسجيل مفتوح للمرشَّحين لخوض سباق انتخابات 2024م، لكن تفتقر الهيئة التشريعية إلى سُلطة حقيقية، على الرغم من أنَّها تعمل على نحوٍ وثيق مع السُّلطة التنفيذية بقيادة رئيسي. في نفس الوقت، سيُجري مجلس الخبراء انتخاباته الخاصَّة في مارس 2024م، وسيشغل 88 من رجال الدين المسؤولين عن اختيار المرشد الأعلى القادم، المقاعد في المنتدى الرمزي والهامشي.
في غضون ذلك، قد يتنافس رئيسي وقاليباف في السباق الرئاسي القادم، أمَّا في السباق الرئاسي الأخير لعام 2021م، فقد تنحَّى الأخير، بسبب اتّهامات بالفساد. ووعد رئيسي بمحاربة الفساد، وحشَدَ غالبية «المتشدِّدين» خلفه.
عُيِّن قاليباف رئيسًا للبرلمان في عام 2020م، وترأّس منذ ذلك الحين، بجانب رئاسة البرلمان، عددًا من المجالس الاقتصادية والمجالس التي تديرها الدولة. وتمنح هذه المجالس رئيسي سُلطة اتّخاذ القرار في القضايا الاقتصادية والثقافية الرئيسية والدور الرقابي لقاليباف، التي يحتاج إليها لمراقبة الرئيس في أثناء تولِّيه منصبه، وهو ما يستخدمه لتحدِّي خصمه اللدود.
وبسبب انهيار العملة العام الماضي، وعلى الرغم من إشادته بالرئيس رئيسي لفترة وجيزة ليحِلّ محل علي صالح آبادي، سرعان ما انقلب قاليباف على رئيسي، بهدف تخفيض الدعم البرلماني له. وقد هاجم رئيس مجلس النوّاب قاليباف، الرئيس رئيسي، لكونه غير حاسم وغير منظَّم، ولتعيينه مساعدين غير مؤهَّلين في وظائف حكومية رئيسية. وقال مساعدو قاليباف إنَّ رئيسي يحاول خفْض الدعم المقدَّم إلى الفقراء، من أجل دعْم حكومته.
وفي ما يخُصّ ترشُّحه لانتخابات عام 2025م، فقد يفقد قاليباف دعْم قاعدة مؤيِّديه في «جبهة ثبات الثورة الإسلامية»، بسبب تحرُّكاته الخفية. ويتّهِم أعضاء الجبهة رئيس مجلس النوَّاب بإعطاء أرقام غير صحيحة، فقط للتشكيك في خطَّة الميزانية، التي اقترحها الرئيس، التي وافق عليها البرلمان الإيراني موافقةً عرضية.
ويُقال أيضًا إنَّ قاليباف غير مقتنع بإنجازات رئيسي، على الرغم من تطبيعه العلاقات مع المملكة العربية السعودية. ويطلق رئيس البرلمان تصريحات للضغط بتسريع بدء اتفاقية تعاون إستراتيجي مدَّتها 25 عامًا مع روسيا، بينما ينتقد الرئيس لفشله في تحقيق إيراداتٍ من الصفقات الاقتصادية مع الصين.
يرى فريق رئيسي أنَّ قاليباف يمثِّل عقبة بسبب محاولته تشويه صورة الرئيس، ومن أجل تنحية رئيس البرلمان، أجرى الرئيس تعييناتٍ في مناصب إدارية عُليا على مستوى المقاطعات والمحافظات. وسيترتَّب على عديد من هذه التعيينات الإشراف على الانتخابات المقبلة، التي يمكن أن تؤدِّي في النهاية إلى تقويض قاعدة الدعم المحلِّية لقاليباف.
ويستمِرّ قالبياف في محاربة خصمه رئيسي، ففي أبريل صوَّت لصالح إقالة رضا فاطمي أمين، وهو أول عضو في حكومة رئيسي يعزله البرلمان منذ انتخاب رئيسي في عام 2020م، أُقيل الوزير من حكومة رئيسي في أقلّ من عامين من تولِّي منصبه. وفي مايو الماضي، كتَبَ قاليباف رسالة إلى الرئيس يطلب فيها توضيحات بشأن مشروع قانون مُقترَح لوضع لوائح تنظيمية لموظَّفي الحكومة والمتقاعدين. وفي يوليو الماضي احتدم التنافس بين قاليباف ورئيسي في شبكات التواصل الاجتماعي، لا سيّما مع إنشائهما حسابات جديدة على وسائل التواصل الاجتماعي لحشد مزيد من المتابعين. وبحلول أغسطس الماضي تصاعدت الخلافات بينهما عندما أظهر كل مناصريهم على العلن ما يحملون من ضغائن ضد بعضهم.
في أكتوبر الماضي، التقى الخصمان اللدودان لإصلاح الانهيار الذي تعاني منه إيران، من خلال مجلس التنسيق الاقتصادي، لكن في محادثات لاحقة حول «مشروع قانون خطَّة التنمية السابعة»، وضع قاليباف شروطًا برلمانية لإنشاء مجلس الوزراء هيئاتٍ تنفيذيةً جديدةً، واستحداث تدابير من أجل تطبيق اللا مركزية في السلطة الانتخابية عبر الدوائر والمحافظات من أجل كسب المديرين المحلِّيين المعيَّنين من رئيسي في السُّلطات الرقابية في الدورة الانتخابية المقبلة. وعندما ضغطت الحكومة الإيرانية من أجل حصول الموافقة البرلمانية على مشروع القانون جنبًا إلى جنب خطَّة التنمية، ذكَّر قاليباف الرئيس بأنَّ خطواته السابقة لرفع سقف الميزانية فشلت، عندما تعثَّرت فكرته غير الموفَّقة لبيع الممتلكات العامَّة من أجل تحقيق إيرادات للدولة المتدهورة.
في الوقت نفسه، ينقسم أعضاء البرلمان حول أيٍّ من الرجلين يجب أن يُمثِّلهم في الانتخابات المستقبلية. من جهة يضعُف تحالُف قاليباف يومًا بعد يوم بسبب فضائح الفساد التي لا نهاية لها. وفي الجهة المقابلة، يفتقر رئيسي إلى قاعدة ناخبين قوية، خصوصًا بعد شنِّه حملة قمع ضدّ المتظاهرين الإيرانيين العام الماضي، وكفاحه للحصول على مزيدٍ من الأموال لحكومته. وهذا الأمر أثار الشكوك حول مشكلة رئيسية تتمثَّل في ما إذا كان الرجلان مؤهَّلين للترشُّح لمنصب أم لا. وهذا بدوره يلقي بظلالٍ من الشك على مصير السلطة التنفيذية في إيران، ويشكِّك في كفاءتها حال بقِيَ هذان الرجلان اللذان بالكاد يوصفان بأنَّهما أبرز المتنافسين المرشَّحين لسباق الانتخابات المستقبلي.