عُقِدت محادثات مبدئية في فيينا بمشاركة واشنطن؛ بهدف محاولة استئناف المحادثات النووية مع إيران، بيْد أنَّ المشرِّعين الإيرانيين لم يتوصَّلوا إلى قرار نهائي بشأن الامتثال للوائح مجموعة العمل المالي؛ وهي منظَّمة غير حكومية أنشأتها مجموعة الدول الصناعية السبع عام 1989م؛ تُعنَى بوضع معايير دولية ووضع سياسات لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وتعزيزها. ودار جدل في إيران حول ما إذا كانت ستنضمّ طهران إلى مجموعة العمل المالي منذ 2015م، بعد توقيعها الاتفاق النووي مع القُوى العالمية. وتُعَدّ الموافقة على مجموعة العمل المالي مهمَّةً جدًّا، إذا ما أرادت إيران عقد تعامُلات تجارية مع دول العالم، إذ رفضت بنوك دولية كُبرى -حتّى اليوم- التعامُل المالي مع إيران، بل عزف حُلفاؤها -منهم الصين وروسيا- عن التعامُل التجاري معها، في حال رفضها الالتزام بلوائح مجموعة العمل المالي، وتريد أوروبا والولايات المتّحدة -التي فرضت عقوبات على إيران خلال السنوات الأخيرة-من طهران أن تمتثل للوائح مجموعة العمل المالي امتثالًا كاملًا.
ووعدت إيران –تحت وطأة الضغوط الاقتصادية- أن تخلُص إلى قرارٍ بشأن لوائح مجموعة العمل المالي قريبًا، غير أنَّها لم تنجح في خلق إجماعٍ داخلي بشأن هذه المسألة، فتيّاريْها السياسييْن وصُنّاع قرارها -المؤيِّدين والمعارضين للوائح مجموعة العمل المالي على حدٍّ سواء- يتّفقون على أنَّ إيران قد واجهت صعوبةً في الامتثال للمعايير المالية الدولية لمكافحة الفساد.
وتُصنَّف مجموعة العمل المالي إيران ضمن قائمتها للدول عالية المخاطر؛ بسبب افتقار القيادة الإيرانية إلى الإرادة لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وبناءً على هذا التصنيف، دعت مجموعة العمل المالي إلى اتّخاذ تدابير مضادَّة تهدُف لحماية النظام المالي الدولي من عدم امتثال إيران للوائحها المتعلِّقة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وعلى الرغم من أنَّ مجموعة العمل المالي علَّقت إجراءاتها المضادَّة المفروضة على إيران لفترة وجيزة في 2016م، بعد توقيع إيران الاتفاق النووي، وأمهلتها أربع سنوات لتحسين «تدابير العناية الواجبة»، إلّا أنَّ متشدِّدون إيرانيون أضرموا النار في لافتة كُتِب عليها عبارة «مجموعة العمل المالي» العام الماضي احتجاجًا على لوائح المنظمة، ثمّ أدرجت مجموعة العمل المالي إيران على قائمتها السوداء بتُهمة تمويل الإرهاب، متذرِّعةً بتقاعُسها عن التصديق على اتفاقيتي «باليرمو» و«تمويل الإرهاب» تماشيًا مع لوائح مجموعة العمل المالي.
ويرجع السبب في تردُّد طهران في الامتثال بلوائح مجموعة العمل المالي، إلى خوفها من إمكانية تدقيق نظامها المالي، وبالتالي إعاقة قُدرتها على تمويل شبكة ميليشياتها ووكلائها في المنطقة. وعلى الرغم من موافقة البرلمان الإيراني على مشاريع قوانين للامتثال بلوائح مجموعة العمل المالي، إلّا أنَّها رُفِضت من مجلس صيانة الدستور وأعضاء في مجمع تشخيص مصلحة النظام.
لكن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أبدى شيئًا من المرونة ردًّا على استعداد الرئيس الأمريكي جو بايدن في ديسمبر الماضي لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، إذ وافق على إعادة النظر في مشاريع القوانين المتعلِّقة بلوائح مجموعة العمل المالي.
وتنتهي ولاية الرئيس حسن روحاني في يونيو، ومن المرجَّح أن يخلفه رئيس متشدِّد يتّفق مع وجهات نظر المرشد، ويشار هُنا إلى أنَّ مدى امتثال إيران بلوائح مجموعة العمل المالي سيتوقَّف في نهاية المطاف على التقدُّم المحرز في حال بدء المحادثات النووية. ويصرّ المتشدِّدون في إيران على أنَّه إذا امتثلت إيران للوائح مجموعة العمل المالي؛ فيجب أن تُوضِّح أنَّها لن تكشِف عن أيّ معلومات مالية حول كيفية التفافها على العقوبات الأمريكية.
وحاليًا يدافع روحاني عن مجموعة العمل المالي بكُلّ ما أوتي من قوَّة، في أيّامه الأخيرة بالسُلطة، إذ صرَّح مؤخَّرًا لمجلس الوزراء أنَّ إيران ستواجه صعوبات كبيرة في حال عدم امتثالها للوائح مجموعة العمل المالي، وأكّد أنَّ الامتثال لا علاقة له بالاتفاق النووي أو العقوبات، وأن اللوائح تتعلَّق فقط بالمعايير المالية التي على إيران التقيُّد بها.
أما منتقدو الرئيس الإيراني فيعارضون تصريحاته، إذ تساءلت صحيفة «كيهان» عن السبب وراء عدم اشتراط مجموعة العمل المالي امتثال إيران بلوائحها برفع العقوبات عنها، وقالت: في حال كانت لوائح مجموعة العمل المالي والعقوبات أمرين منفصلين -كما يقول الرئيس- فلماذا تهتمّ إيران بالامتثال بها؟
كما يُعارِض البرلمان الإيراني فكرة الامتثال بلوائح مجموعة العمل المالي، ويرى بعض أعضائه أنَّها خطوة تآمُرية، وأنَّ مجموعة العمل المالي ذريعة لإرغام إيران على الامتثال باللوائح المالية؛ ما يؤدِي في نهاية المطاف إلى تغيير النظام في طهران بالقوَّة الناعمة.
ولا يمكن إنكار حقيقة أنَّ إيران قلِقة إزاء إدراجها في قائمة مجموعة العمل المالي السوداء؛ لأنَّ ذلك يمنعها من عقد الاستثمارات حتّى في حال بدء المحادثات النووية ورفع بعض العقوبات عنها، بيْد أنَّ الغالبية العُظمى من السياسيين الإيرانيين يروْن أنَّ الامتثال بلوائح مجموعة العمل المالي مُجدٍ فقط في حال الرفع الكامل للعقوبات عن إيران؛ ما يمكِّنها من جذب الاستثمارات الأجنبية، وفيما عدا ذلك سيشكِّل امتثال إيران بلوائح مجموعة العمل المالي خطرًا أكبر، وسيرفع ستار السرِّية عن دعمها للميليشيات والجماعات الوكيلة في المنطقة وخارجها.