يكتسب التعاون العسكري مع روسيا أهمية خاصة بالنسبة لإيران، وذلك لما تملكه روسيا من ترسانة عسكرية ضخمة من الأسلحة وأسلحة الدمار الشامل. وبسبب العزلة والحظر المفروضين عليها “قبل وبعد التوقيع على الاتفاق النووي” وامتناع عدد من الدول الغربية عن التعاون معها في المجال العسكري، تعتبر روسيا خياراً مناسباً لإيران على الأقل في الوقت الراهن لتطوير قدراتها العسكرية من خلال استيراد الأسلحة الروسية والاستعانة بتكنولوجيا التصنيع العسكري لإنتاج الأسلحة داخل البلاد.
وتعتبر عملية عقد صفقات لبيع الأسلحة العنصر الأكثر أهمية في الاستراتيجية الروسية تجاه إيران التي تعد سوقاً مربحة لها، حيث توفر عملية بيع الأسلحة قدراً معقولاً من السيولة لمواجهة احتياجاتها الاقتصادية، وبالتالي لجأت روسيا لإبرام اتفاقيات مع إيران للمساهمة في تنشيط صناعة وتجارة السلاح الذي يعد أحد المصادر الرئيسية بالنسبة للاقتصاد الروسي.
آخر هذه الصفقات التي تمت بين البلدين، صفقة الكلاشنكوفAK-103 والتي تسلمت وزارة الدفاع الإيرانية الدفعة الأولى منها مطلع شهر أغسطس الجاري، وتم تسليمها الى بعض الوحدات الخاصة بالقوات المسلحة الإيرانية.
هذا النوع من السلاح الذي تستخدمه وحدات خاصة من الجيش الروسي في قتال الحركات الانفصالية وإدارة حرب العصابات وحماية الحدود، تمتلكه جيوش محدودة في العالم كالجيش الهندي، الفنزويلي، الليبي، والناميبي.
وتعد هذه البندقية ” “AK-103والتي تتميز بسهولة استخدامها وفعاليتها الهجومية من أكثر النماذج الروسية الناجحة وأشهر أنواع الأسلحة التي تنتمي إلى أسرة الكلاشنكوف والأكثر تصديراً خلال السنوات الأخيرة.
وساعدت قوة الردع والاطمئنان الكبيرة لبندقية الكلاشنكوف على تحولها بسرعة الى سلاح موثوق به في القوات المسلحة الايرانية.
ومن الأسباب المهمة الأخرى التي أدت بإيران لطلب شراء هذا السلاح من روسيا هو سهولة صيانة هذا النوع من الأسلحة، إضافة لرغبتها في تقليل التكاليف والنفقات وفترة التدريب.
هناك من ربط بين صفقة الكلاشنكوف AK-103 هذه والتقلبات السياسية والتحديات الأمنية الكبيرة التي تواجه النظام الإيراني في أقاليم كردستان وبلوتشستان والأحواز.
فنتيجة للصراع المشتعل على السلطة بين التيارات السياسية، والذي بدأ يلوح في الأفق مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، يستعد النظام للحيلولة دون تكرار تجربة الاحتجاجات التي أعقبت انتخابات رئاسة الجمهورية المثيرة للجدل في 2009 والتي كادت تزلزل أركان النظام لولا الآلة العسكرية والأمنية الضخمة التي استخدمت لوأدها، ما أدى لسقوط العشرات من القتلى والجرحى واعتقال قادة ما يعرف بالثورة الخضراء “مير حسين موسوي ومهدي كروبي”. كما يستعد النظام لمواجهة أي حراك شعبي قد تشهده البلاد جراء الضغوط الاقتصادية الطاحنة التي يتعرض لها الشعب الإيراني مثل الفقر وتفشي البطالة.
ورغم مساعي النظام الرامية لمنع أي ثورة ضده، وخطورة الحراك الشعبي عليه، إلا أنه لا يمكننا تجاهل الصراعات والفوارق الطبقية داخل المجتمع الإيراني الذي ينقسم إلى ست مجموعات رئيسية “الفرس، الأتراك الآذريون، الأكراد، العرب، البلوش، التركمان”. هذه الفوارق خلقت حالة من عدم التجانس العرقي والاجتماعي والثقافي، وتسببت في خلافات عميقة وكبيرة وصلت إلى حد المطالبة بالانفصال بسبب سياسة التهميش والإهمال والإقصاء والعنصرية والطائفية التي يمارسها النظام بحق عدد من هذه المجموعات كالعرب والأكراد والبلوش.
كما أن النظام لا يعترف بمطالب هذه المجموعات العرقية ولا يسعى لحلها، ويتهم الحركات المسلحة والأحزاب التي تمثلها بتنفيذ أجندة خارجية.
ففي جنوب شرق إيران، حيث إقليم بلوتشستان ذو الأغلبية السنية، تتصاعد وتيرة المواجهات بين المجموعات البلوشية المسلحة من جهة وقوات الحرس الثوري وقوات الأمن من جهة أخرى، مما أدى إلى مقتل المئات من الطرفين خلال السنوات والأشهر الماضية.
وخلال الأيام الأخيرة عبر عدد من المسؤولين العسكريين والأمنيين في إيران عن قلقهم الشديد من تدهور الأوضاع الأمنية في إقليم بلوتشستان، بسبب اتساع دائرة نشاط التنظيمات المسلحة المعارضة للحكومة المركزية كجيش النصر والفرقان وجيش العدل. وتتهم هذه الحركات النظام الإيراني بقيامه بممارسات طائفية وعنصرية ضد السنة والشعب البلوشي الذي يعد الأكثر فقرا بين القوميات الإيرانية.
وما يعزز فرضية قلق النظام من التحديات الأمنية في إقليم بلوتشستان هو تصريحات وزير الداخلية الإيراني التي كشف فيها عن خطة أمنية لاحتواء الاضطرابات الأمنية في بلوتشستان، إضافة لإرسال التعزيزات العسكرية وتكثيف وجود قوات الأمن في هذا الإقليم، فضلاً عن قيام قوات الحرس الثوري بمناورات من حين لآخر بهدف رفع جهوزيتها وقدراتها القتالية لمواجهة أي هجوم قد تشنه الحركات المسلحة على مواقعها، ولمنع توغلها داخل المدن الإيرانية الأخرى.
أما الحدود الغربية لإيران، فتنشط فيها المجموعات الكردية المسلحة كالحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وحزب الحياة الحرة “بيجاك” وبقية الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة التي تنتشر على الجبال داخل الحدود العراقية وتشن هجمات من وقت لآخر على أهداف داخل إيران.
وحول دواعي وأسباب هذه الهجمات والاشتباكات مع عناصر الحرس الثوري، أكدت هذه الجماعات الكردية المسلحة أنها تقاتل النظام الإيراني بسبب الممارسات الطائفية والاضطهاد القومي والديني الذي ظل يمارسه ضدهم لعقود.
التحدي الأمني الثالث يتمثل في الحركات التحررية والمناهضة للنظام في منطقة الأحواز الواقعة جنوب غرب إيران والتي تتميز بغناها بالموارد الطبيعية كالنفط والغاز، إذ تضم حوالي 85% من النفط والغاز الإيراني، وهي كذلك المنتج الرئيسي للمحاصيل الزراعية مثل السكر والذرة، وتساهم موارد هذا الإقليم بحوالي نصف الناتج القومي الصافي لإيران.
ورغم هذه الموارد الضخمة التي يتمتع بها الإقليم، إلا أن سكانه يعيشون ظروفاً اقتصادية صعبة وسط انتشار الفقر وتفشي البطالة وضعف البنى التحتية.
وتتحدث تقارير منظمات دولية، مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي بإسهاب وبصورة متواترة عن التمييز ضد العرب في الأحواز، في الوظائف والتعليم، وفي مختلف مجالات التنمية. ويمثل قمع الهوية القومية للعرب عنواناً لسياسة التمييز التي أرسى قواعدها العهد الشاهنشاهي السابق، وزاد من وتيرتها النظام الحالي.
ولمواجهة سياسات النظام الممنهجة ضدهم، أسس الأحوازيون عدة أحزاب وحركات مسلحة كحزب التضامن الديمقراطي، الجبهة الديمقراطية الشعبية الاحوازية، جبهة تحرير عربستان، المنظمة الإسلامية السنية الأحوازية، حركة النضال العربي لتحرير الأحواز، الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز، وجمعيات أخرى تنشط داخل إيران وخارجها.
في الفترة الأخيرة ازداد نشاط هذه الحركات المسلحة داخل الأحواز جراء استهدافها لبعض المواقع الحيوية ودخولها في اشتباكات مع قوات الحرس الثوري وقوات الأمن راح ضحيتها العشرات، كان آخرها تفجير منشأة “بوعلي سيناء للبتروكيماويات” في ميناء معشور (ماهشهر) المطل على الخليج العربي وتبنت حركة “صقور الأحواز” المعارضة، مسؤوليتها عن الانفجار وهددت بالاستمرار في استهداف الروافد الاقتصادية للنظام الإيراني في الأحواز.
كما تبنت كتيبة الفاروق التابعة للمقاومة الوطنية الأحوازية، عملية تفجير أنبوب نقل الغاز المسال التابع لمنشأة مارون النفطية في منطقة حجر السبع بشمال شرق الأحواز.
واعتبرت المقاومة الوطنية الأحوازية أن جميع مؤسسات ودوائر النظام وعناصره في الأحواز أهدافاً مشروعة، وأنها ستتعرض لهجماتها.
لذلك، ظلت التحديات الأمنية الكبيرة في الأحواز وكردستان وبلوتشستان تشكل هاجساً وقلقاً كبيرين للنظام، وباتت عملية استئصال هذه الثورات والاحتجاجات أولوية قصوى له للحيلولة دون استفحالها والحد من خطورتها، وذلك لن يتم إلا عبر بوابة الحرس الثوري وقوات الأمن التي تتولى مهمة قمع هذه الحركات، الأمر الذي يتطلب مدها بمزيد من الأسلحة والتجهيزات العسكرية وإعدادها بصورة تمكنها من القيام بهذه المهمة.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز