طائرات «إف-16» وأكثر.. أوروبا تكثف دعمها العسكري لأوكرانيا بعد مشروع قانون المساعدات الأمريكية

https://rasanah-iiis.org/?p=35225

قُوبِل إقرار مشروع قانون المساعدات الأمريكية بارتياح ملموس في أوروبا، لا سيّما أنَّه تمَّ بموافقة كلا الحزبين (الجمهوري والديمقراطي)، الذي ترى فيه أوروبا عودة جيوساسية للغرب؛ فقد تقرَّر هذا الدعم العسكري لأوكرانيا بالفعل، على الرغم من احتمالية انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

في سياق انتخابات البرلمان الأوروبي المقرَّر إجراؤها في يونيو 2024م، تُعَدُّ مسألة الدعم العسكري الأوروبي لأوكرانيا قضية حسّاسة. وفي الواقع، تحاول بعض الأحزاب السياسية استخدام مسألة الدعم العسكري الأوروبي لأوكرانيا، لتحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأجل. وينطبق هذا بشكل خاص، على المجر، وسلوفاكيا، وهولندا، وبولندا، وفرنسا. ونتيجة للانتخابات البرلمانية الأوروبية، فإنَّه من المتوقَّع تواجُد نسبة أكبر من الأعضاء المُوالين لروسيا في الهيئات التشريعية. ومن المرجَّح أن يعارض هؤلاء النوّاب الأوروبيين، في المستقبل، الدعم الأوروبي المفتوح لأوكرانيا. ولن يكون لهذا الأمر تأثير كبير على قرارات التمويل؛ بسبب محدودية الدور الذي يلعبه البرلمان الأوروبي. وبشكل عام، فإنَّ دعْم أوكرانيا يُعَدُّ قضيةً سياسية داخلية تخُصّ الدول الأوروبية؛ بسبب مسألة تكلِفة الحرب واحتمالية حدوث أزمة اقتصادية جديدة للمواطنين الأوروبيين، على افتراض أنَّ المواجهة العسكرية ستكون طويلة الأمد.

وفي سياق الجدل العسكري الدائر، فإنَّ الدول الأوروبية أمام خيار تزويد أوكرانيا بدعمٍ عسكري شامل في قطاع الدفاع الجوِّي. وبحسب الآراء الموالية لأوكرانيا، في الجدل الدائر داخل الاتحاد الأوروبي، تستطيع الدول الأوروبية التنسيق فيما بينها وجمْع مواردها؛ من أجل تزويد أوكرانيا بأسلحة دفاعية لتحسين قدرات الدفاع الجوِّي لديها. وفيما يتعلَّق ببطاريات الصواريخ أرض-جو بعيدة المدى (80 إلى 160 كيلومترًا)، فيمكن للولايات المتحدة والدول الأوروبية العمل معًا؛ لتوفير «باتريوت» الأمريكية أو «سامب-تي (مامبا)» من صُنع فرنسي إيطالي. ويمكن لكلا النظامين اعتراض وتدمير الصواريخ البالستية الروسية، التي لا يستطيع الجيش الأوكراني إيقافها في الوقت الحاضر. وفي حال زُوِّدت أوكرانيا بهذه الحزمة، فلن تكون السماء الأوكرانية مفتوحةً بعد الآن للصواريخ الروسية. وسوف تكون فرنسا قادرةً بصفةٍ خاصَّة على المساهمة في هذه العملية، أي أنَّ باريس يمكنها توفير بطارية واحدة على الأقلّ من «سامب-تي (مامبا)» وصواريخ «أستر 30»، التي تستخدمها، بالإضافة إلى رادارين من طراز «تاليس جراوند ماستر 200 | Thales Ground Master». وعلاوةً على إمكانية زيادة الدعم العسكري، الذي سوف تقدِّمه لأوكرانيا، فمن الواضح أنَّ دول البلطيق تأخُذ بعين الاعتبار، أنَّ أوكرانيا تدافع أيضًا عن أمن دول البلطيق.

علاوةً على المسائل السياسية والعسكرية، ثمَّة أيضًا مسألة القُدرة الاقتصادية الأوروبية؛ إذ لا تُعَدُّ قاعدة الصناعات الدفاعية الأوروبية كافيةً لمضاهاة قطاع الدفاع الروسي. فقد تمكَّنت روسيا من الانتقال إلى سريعًا إلى اقتصاد الحرب، بإرادتها السياسية القوية، ووحدة الخطاب السياسي. ومن المُحتمَل أن يزداد الدعم العسكري الأوروبي والأمريكي لأوكرانيا في عام 2025م، إلّا أنَّ هذا الجهد لن يكون كافيًا على الأرجح لتغيير الوضع العسكري في الخطوط الأمامية على المدى القصير. وقد جمَعَ الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء 32 مليار يورو مخصَّصة للدعم العسكري لأوكرانيا، منها 6.1 مليار يورو، مقدَّمة من صندوق «مرفق السلام الأوروبي» لدعم تقديم المعدّات العسكرية. وفي مارس 2024م، أنشأ المجلس الأوروبي صندوقًا مخصَّصًا لمساعدة أوكرانيا بقيمة 5 مليارات يورو. وبذلك، يصِل إجمالي الدعم المالي المخصَّص عبر «مرفق السلام الأوروبي» إلى 11.1 مليار يورو. ويبذل جهد أوروبي أيضًا لزيادة القُدرة الإنتاجية للذخائر والقذائف، وذلك عقِبَ اعتماد «قانون دعم إنتاج الذخيرة، أساب | ASAP».

وحسبما أفادت به المصادر الأوكرانية، لم تُظهِر المساعدات الأوروبية الجديدة لأوكرانيا ارتفاعًا في الأشهر الأخيرة، ويعود ذلك إلى توقُّف المساعدات الأمريكية بشكلٍ كامل. وفي يناير وفبراير 2024م، خصَّصت الدول الأوروبية ما مجموعه حوالي 6 مليارات يورو من المساعدات لأوكرانيا، حيث خصَّصت كلَّها للدعم العسكري. ويُعَدُّ قرار الولايات المتحدة بتزويد أوكرانيا بالدعم العسكري أمرًا أساسيًا للقادة الأوروبيين؛ لأنَّهم غير قادرين على تعويض فُقدان الدعم العسكري الأمريكي.

تُعَدُّ هذه المساعدات العسكرية الأمريكية المتجدِّدة، إشارة قوية للجنود الأوكرانيين والمجتمع الأوكراني ككُلّ. ومع ذلك، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نهاية عام 2024م، لا يزال الغموض يخيِّم مستقبل السياسة الخارجية عامَّةً، لا سيّما تجاه أوكرانيا في حال فوز ترامب بالانتخابات. وستحصل أوكرانيا على أول طائرات «F-16» في يونيو ويوليو 2024م. ويُعَدُّ هذا الأمر خطوةً مهمَّةً للغاية بالنسبة لأوكرانيا، حيث تأمل في أن تكون قادرةً على مواجهة التفوُّق الجوِّي الروسي لأول مرَّة، منذ بداية الحرب في فبراير 2022م. وحسب ما أفادت به وكالة «رويترز»، التزمت دولٌ أوروبية مثل الدنمارك وهولندا والنرويج وبلجيكا بإرسال طائرات «F-16» إلى أوكرانيا. وتعهَّدت هولندا بتوفير 24 طائرة، والنرويج 22، والدنمارك 19، وبلجيكا عددًا غير محدَّد. قال رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو على هامش اجتماع المجلس الأوروبي يوم الخميس 18 أبريل 2024م، إنَّه من المتوقَّع أن تصِل الشحنات الأولى في منتصف عام 2024م، لكن طائرات «F-16» قد تصِل حتى قبل بداية الصيف. بالإضافة إلى المعدَّات، التي سُلِّمت كجزءٍ من حزمة المساعدات الأمريكية الجديدة، يعتمد الأوكرانيون على وصول «F-16»؛ لاستعادة المبادرة على الأرض ضدّ الجيش الروسي. ومع ذلك، لن يكون طيّارو «F-16» الأوكرانيون المدرِّبون في أوروبا جاهزين حتى أواخر عام 2024م.

لم يصِل تدريب الطيارين في أوروبا إلى هذه المرحلة المتقدِّمة، حيث يخضع 10 أوكرانيين فقط للتدريب على الأراضي الأوروبية. وحسبما أفاد به مصدر عسكري، فإنَّ تدريب الطيارين الأوكرانيين العشرة في أوروبا يعود إلى قلَّة الخبرة نسبيًا، وهو ما يفسِّر طول رحلتهم التدريبية. ولكي يكون الدعم العسكري الأمريكي ناجحًا لأوكرانيا، لا بُدّ أن يقترن بزيادة الدعم العسكري الأوروبي. ويبقى أن نرى ما إذا كانت الدول الأوروبية، على استعدادٍ لمواصلة دعمها العسكري لأوكرانيا بناءً على الفرضية المتعلِّقة، ليس فقط بصعود الأحزاب اليمينية المتطرِّفة في البرلمان الأوروبي، لكن أيضًا بالنظر إلى احتمالية عودة ترامب إلى الرئاسة الأمريكية؛ وبالتالي، قد يكون عام 2025م عامًا حاسمًا لمستقبل الدعم العسكري الأمريكي والأوروبي للجيش الأوكراني، في سياق حرب كييف ضدّ روسيا.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير