عندما أدَّى انقطاع التيار الكهربائي بسبب عملية تخريبية إلى إغلاق موقع «نطنز» النووي الإيراني في الــ 11 أبريل، سارعت إيران إلى وصفه بأنه «إرهاب نووي» ووجهت أصابع الاتهام إلى إسرائيل. ومع ذلك، فإن شاغِلُ إيران الرئيسي هو حول معرفة كيفية حدوث تلك العملية التخريبية إذ أشارت تقارير مختلفة إلى «ثغرات استخباراتية» كبيرة في المواقع النووية الإيرانية.
وأكَّد الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية فريدون عباسي دوائي أن الهجوم كان معقدًا من الناحية الفنية، ومخططًا بشكلٍ محكم، ونجحَ لأن منشأة «نطنز» كانت تفتقرُ إلى خطة طوارئ مناسبة لتزويد الطاقة في حالة انقطاع التيار الكهربائي؛ وتساءل عن كيفية استهداف مصدر الطاقة الرئيسي في «نطنز» الذي أُنشئ تحت الأرض لضمان استمرار تشغيل الموقع حتى في حالة حدوث اضطرابات تستهدف المنشأة، وأسفر الهجوم عن تعطيل عمل آلافٍ من أجهزة الطرد المركزي التي تخصِّب اليورانيوم، مما أخَّر البرنامج النووي الإيراني لشهور. وحاولت طهران إخفاء حجم الأضرار الناجمة عن هذه العملية بادعائها أنَّ طاقة الطوارئ أُعيدت إلى «نطنز» في اليوم التالي، ووقعت العملية بعد يومٍ واحدٍ بالضبط من تفاخر طهران بأنها أعادت تنشيط أجهزة الطرد المركزي التي تعرَّضت لأعطال جرَّاء عملية مماثلة استهدفت نطنز قبل عام.
ولا يزال من غير الواضح كيف قُطعت إمدادات الطاقة الرئيسية في «نطنز» والطاقة الاحتياطية لها. إلا أن إيران اتهمت إسرائيل بشنِّ هذا الهجوم السيبراني أو ربما بتفجير قنبلة لاصقة عن بعد، ولكن في 17 أبريل، حدَّدت وزارة الاستخبارات الإيرانية بسرعة منفذ الهجوم وهو رضا كريمي البالغ من العمر 43 عامًا وقالت إنه فرَّ من البلاد جوًا.
أثارت الخروقات الأمنية في المواقع النووية الإيرانية جدلاً ساخنًا داخل البلاد؛ إذ أقرَّ أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني محسن رضائي بأن الهجوم الذي استهدف منشأة «نطنز» كان سببه «ثغرة أمنية» ناتجة عمَّا وصفه بــ «التلوث الأمني».
وربما لا يتضح لنا ما تعنيه هذه العبارات بالضبط، إلا أنها تُشير بوضوح إلى أن إيران لا تملك القدرة على حماية مواقعها النووية. لقد ادَّعى عضو البرلمان الإيراني علي رضا زكاني أن طهران لا تنظر بجدية في الأبعاد الكاملة للعملية التخريبية. علاوةً على ذلك، يُصرُّ الخبراء النوويون في إيران على أن سجل الحكومة الإيرانية في الحفاظ على الأمن بمواقعها النووية ضعيف، وأن عمليات التخريب التي تستهدف المواقع النووية من المرجح أن تحدث مرةً أخرى.
وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن العملية التخريبية هي علامة على ضعف أعداء إيران الذين يحاولون وقف التقدم الذي تم في المحادثات النووية الجارية مع القوى العالمية. سيتعين على إيران استخدام أحدث التقنيات لتجنُّب عمليات تخريبية أخرى في المستقبل. ويقول الخبراء النوويون الإيرانيون أيضًا إنه يجب على إيران تعزيز آليات الأمن النووي الخاصة بها، وعليها أن تستبق أي هجومٍ للعدو ولو بخطواتٍ قليلة، وتحديد الثغرات الأمنية والاستخباراتية الداخلية والخارجية، والتنبؤ بعمليات التخريب المحتملة، وتحسين الوسائل الأمنية لـ «نطنز».
وبشكلٍ عام، على إيران أن تنظر إلى هذه العملية على أنها علامة تحذير «حمراء»، فقد تعرَّضت الحكومة الإيرانية لانتقاداتٍ لاذعة من «المتشدِّدين» لمشاركتها في المحادثات النووية، بينما تواجه المواقع النووية الإيرانية عملياتٍ تخريبية. ويقول منتقدو النظام السياسي الإيراني إن العملية التخريبية الأخيرة تُشير إلى أن العدو قد اخترق بالفعل منشآت إيران النووية تحت الأرض، بينما البلاد منقسمةٌ داخليًا للغاية إلى حدٍ لا يمكن معه إصلاح مشاكلها الأمنية؛ وبالإضافة إلى ذلك، يجادلون بأنه حتى النجاح المتواضع في المحادثات النووية لن يجعل الأمور أسهل بالنسبة لإيران طالما أنَّ المصالح الأمنية لإسرائيل أهم بكثير من مصالح طهران.