بشكل متزايد طُرح في مارس من العام الجاري اسم إبراهيم رئيسي بوصفه أحد المرشَّحين لانتخابات رئاسة الجمهورية 2017. متولي سدانة أوقاف القدس الرضوية والقاضي بمحكمة رجال الدين الخاصَّة الذي هو أحد أعضاء مجلس خبراء القيادة النشطين، يبحث عن فائدة من الدعاية المباشرة وغير المباشرة. الدعاية التي تعتمد من جانب على الإذاعة والتليفزيون الحكومي، ومن جانب آخر الاستفادة من الإمكانيات الواسعة والخاصَّة لمحافظة خراسان الرضوية.
الافتراضات والاحتمالية المرتبطة بترشح رئيسي ليست قليلة، وفي ما يلي سنضع أهمَّها للتحليل والتأمل.
1- رئيسي لن يترشح لانتخابات الرئاسة
هذه الاحتمالية موجودة وجدية، أنه على الرغم من الدعاية خلال الأسابيع الماضية فلن يدخل رئيسي في النهاية في منافسة انتخابية، فلماذا هو لن يترشح في انتخابات الرئاسة؟
أ- تكوين ثنائية قطبية محفوفة بالمخاطر
منافسة رئيسي وروحاني ستضرب على وتر انتخابات ثنائية الأقطاب، الانتخابات التي هكذا سيقيمها غالبية المجتمع، بأنها منافسة مرشَّحين مختلفين، أحدهما مرتبط ببيت القائد ومحور السُّلْطة المركزية، والآخَر المرشَّح غير المرغوب فيه من النواة الرئيسية للسُّلْطة.
مثل هذه الانتخابات تستدعي إلى الذاكرة المنافسات بين علي أكبر ناطق نوري ومحمد خاتمي في 1997، الانتخابات التي قال فيها غالبية أفراد المجتمع “لا” للخيار الذي كان مناسبًا لشخص رأس النِّظام ورجال الدين في الحكومة والمحافظين وهو ناطق نوري.
في سبتمبر من العام الماضي، منع خامنئي محمود أحمدي نجاد من الترشُّح في انتخابات رئاسة الجمهورية، وكان أهمّ سبب له أعلنه نجاد شخصيًّا من منبر القائد، أن خامنئي قال له: “إذا دخلت في المنافسات الانتخابية، فستظهر قطبية ثنائية في الدولة، وذلك الأمر ضارّ، وبسبب حال الدولة فأنا اعتبر أن من الصلاح أن لا تدخل الانتخابات”.
ومن هذه الزاوية فمن المستبعد للغاية أن الشخص الأول في النِّظام لا يعرف ولا يقرأ المشهد بأن ترشُّح رئيسي إلى أي مدى سيتسبب في تكوين ثنائية قطبية في الانتخابات. الثنائية القطبية التي لن تكون فقط عواقبها قابلة للتوقع، ولا السيطرة عليها ستكون سهلة.
فشل رئيسي في الانتخابات يتساوى مع “لا” كبيرة جديدة ضدّ الشخص الأول للنظام والتيَّار العسكري والأمني المتجمِّع حول القائد.
انتصار رئيسي عبر السرقة في نتائج الانتخابات سيكون أيضًا بمعنى بداية أعمال شغب مرة أخرى في إيران، وذلك أيضًا في أثناء الأزمة الاقتصادية والتحدِّي مع أمريكا ومرحلة ما بعد الاتِّفاق النوويّ، وفي أوضاع المنطقة الخاصَّة وأيضًا في ظل حالة من عدم الرضاء الموسّع، وأيضًا وجود حركة احتجاجية في المجتمع.
ب- الصبر من أجل القيادة في مشهد
بعد أيام من الدعاية المباشرة وغير المباشرة لرئيسي، فهو يستطيع، ومن مكانة أعلى، أن يُظهِر عدم رغبته في رئاسة الجمهورية، ويفتخر بالاستمرار في الخدمة بمحافظة القدس الرضوية. من هذه الزاوية، ومن ناحية أخرى، يقدّم لنفسه شأنًا وتفخيمًا معنويًّا، ويعبِّر بتواضع من معضلة السُّلْطة. من جانب آخر، ينتظر في مفترق الطرق كي تسنح له الفرصة لخلافة مرشد النِّظام، فهو يستطيع عبر الاعتماد على المكانة المعنوية لمنصب متولي سدانة محافظة القدس الرضوية وعبر الاستفادة من التفاخُر الحادث مع عائداتها، وبالتزامن مع إدارة أحد المراكز الاقتصادية المعظمة لإيران، سيقدِّم نفسه بوصفه في مكانة الشخص الجدير بالجلوس على كرسي القائد الثالث لجمهورية إيران، وسيستثمر الدعاية لنفسه حتى حلول توقيت مفترق الطرق لاختيار شخص رأس النِّظام.
من هذا المنطلق فلا سبب ولا ضرورة لحضوره في المنافسات الانتخابية، فقد استفاد من الدعاية الموسَّعة المباشرة وغير المباشرة خلال الأسابيع الأخيرة، وليس فقط لم يدفع تكاليف، بل إن الفائدة تراكمت في جعبته السياسية من أجل “الغد”.
2- رئيسي سيترشح للانتخابات
هذا الاحتمال موجود وجدِّيّ، وهو أن يعتبر التيَّار الشمولي القائم في البنية السياسية للسُّلْطة أن رئيسي أفضل خيار له لاستعادة السُّلْطة التنفيذية من غير المتناغمين وتوحيد النِّظام.
في مستويات أعلى، ترشُّحه ونجاحه في الانتخابات، من الممكن أن يكون بمعنى تزايد إمكانات وفرص الجلوس على كرسي قائد النِّظام بعد وفاة ثاني قائد لإيران “خامنئي”. والأكثر من هذا، فما أكثر الإصرار على ترشُّحه، من هذا المنطلق وبدافع تعقب مثل هذا الهدف.
عبر مثل هذا المنطلق سيترشح رئيسي ممتطيًا موجة المشكلات الاقتصادية ومطالبات الطبقات الاجتماعية وسيتوسل بالمشكلات المعيشية، لكن هل سيكون فوزه في الانتخابات حتميًّا؟
» الاحتمال الأول.. الهزيمة
في ثنائية الأقطاب المشكَّلة بين رئيسي والمتشددين والنواة الرئيسية للسُّلْطة من جانب، وروحاني والإصلاحيين والمواطنين الراغبين في التغيير من جانب آخَر، فليس بعيدًا عن الذهن أن يصبح رئيسي الخاسر في الانتخابات، أي إن نتيجة نهضة الشعب ومشاركتهم الواسعة في الانتخابات ستكون من باب بغض تيَّار لا حب تيَّار آخر، ضررًا لرئيسي واليمين المتشدد.
هزيمة رئيسي في مثل هذا الوضع ستكون باحتمالية كبيرة للغاية، بمعنى انتفاء قيادته للجمهورية، بشكل آخر إذا ظهر تأكيد خاصّ وإصرار كامل من الشخصيَّة الأولى في النِّظام على انتصار رئيسي، فالنتيجة هي وجوب رئاسته للجمهورية عبر أي تمهيد.
ومن الممكن الإشارة ضمن هذه التمهيدات إلى إمكانية رفض مجلس صيانة الدستور أهلية روحاني، أو تزوير موسَّع من الحرس الثوري، أو سرقة النتيجة النهائية.
المشكلة بالنسبة إلى اليمين المتشدد أن المقيِّم للانتخابات حكومة روحاني، وفي حالة تَرشُّحه لن تكون عملية السرقة المؤثرة في الانتخابات أو التزوير الموسَّع سهلة المنال، ولن يكون رفض أهلية روحاني أيضًا إجراءً سهلًا، على الرغم من إمكانيته، لكن بالنسبة إلى اللجنة المركزية للسُّلْطة وشخص القائد، ستكون مكلفة للغاية.
لكن إذا لم يكُن لدى شخصيَّة النِّظام الأولى تأكيد خاصّ لرئاسة رئيسي للجمهورية، فمن المحتمَل أن تكون نسبة فشله أيضًا كبيرة.
» الاحتمال الثاني.. الفوز
نجاح رئيسي والمتشددين تحت أي سبب ودليل وترتيب، هو الاحتمال الآخر، الحدث غير المستحيل. تعبئة أطياف المتشددين في معسكر المحافظين -لا الطبقات المعتدلة والانتفاعية فيها- علاوة على الإقدام على عمل تشكيلات بالقطاع الأمني الحاكم على الحرس والباسيج، إضافة إلى المؤسَّسات الأخرى في حوزة أصحاب السطوة في داخل النِّظام (مثل لجنة إمداد الإمام)، ودعاية الإذاعة والتليفزيون، بجانب السرقات الرائجة والتزوير الممكن، وفي حالة أن قائد الجمهورية أيضًا يفضِّل تغيير رئيس السُّلْطة التنفيذية على استمراره، من الممكن أن ينتهي الحال بانتصار رئيسي في الانتخابات المقبلة.
هذا الحدث كذلك سيكون زيادةً كبيرةً للغاية لفرصة جلوس رئيسي في منصب الشخصيَّة الأولى للنظام بعد وفاة خامنئي.
» المرشد الأعلى لإيران.. ورئيسي
يبدو أن رئيسي لن يدخل المنافسات الانتخابية دون لفت النظر الكامل لرأس هرم النِّظام السياسي، أي إنه من ناحية العقلانية السياسية ينبغي أن لا يكتفي بدعم الأمنيين المسيطرين على الحرس والمتشددين المحافظين، من أجل الترشُّح في الانتخابات المقبلة والمنافسة مع روحاني، بخاصَّة أن دعم قائد إيران الحاسم له سيجعله في موضع أفضل.
إذا حدث مثل هذا الوضع (دعم القائد لرئيسي) وخرج الموضوع من نطاق السرية، فستكون نظرة القائد تجاه خليفته شفافة، الحدث الذي سيكون بمعنى بدء لعبة خطرة للغاية وجانبية لمركز السُّلْطة.
لكن إذا لم يتوافق آية الله خامنئي تحت أي سبب أو ظرف، مع لعبة الأمنيين في الحرس واليمينيين المتشددين، أو لم يرغب في أن يعلن موقفه صراحة، فسيكون هذا بمعنى اهتمام الشخصيَّة الأولى بفرد آخر للقيادة الثالثة للجمهورية.
في هذه الحالة من الممكن أن يؤدِّي تَرَشُّح رئيسي دورًا مثل صاحب الجلد السميك لسياساته، وفي نفس الوقت يوقف دوره في سدانة أوقاف القدس الرضوية.
» في انتظار مفترق الطرق
لكن رئيسي من الممكن أن ينحِّي عباءته عن الدخول في صراع مليء بالتحدِّي والسؤال، وجالب للمخاطر، وهو انتخابات رئاسة الجمهورية. يستطيع رئيسي في حالة عدم تَرشُّحه دون أن يُضطرّ إلى الإجابة عن السؤال بشأن دوره في القتل الجماعي لمجموعة من المعارضين السياسيين في 1988، أو موضوع الضرائب من محافظة القدس الرضوية، أن يستفيد من الدعاية الموسَّعة خلال الأسابيع القليلة الماضية، في أن يُصِرّ على عدم الترشُّح، وحينئذ سيظهر ذلك على أنه نزاهة وعدم رغبة منه في السُّلْطة، من ثم ينتظر رئيسي مفترق طرق انتخاب القائد الثالث للجمهورية، مفترق الطرق الذي قد يجعله وليًّا فقيهًا والشخصيَّة الأولى للنظام، اعتمادًا على سيرته في الجمهورية والدعاية التي تعتمد على الإمكانيات الغريبة لمحافظة القدس الرضوية.
انتهاء موضوع تَرَشُّح رئيسي للانتخابات الرئاسية في الأيام المقبلة سيحدِّد مهمَّة الاحتماليات السالف ذكرها.
مادة مترجمة عن موقع “راديو فردا”
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز