استضافت العاصمة الأمريكية “واشنطن” الشهر الماضي قمة الأمن النووي الرابعة والأخيرة والتي حضرها قادة ومسؤولون رفيعو المستوى لأكثر من 50 دولة، بالإضافة إلى ممثلين عن منظمات الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة الشرطة الجنائية الدولية “إنتربول” والاتحاد الأوروبي، تبادلوا خلالها وجهات النظر على مدى يومين حول التعهدات الدولية في نطاق الأمن النووي، وبحث ملف الإرهاب النووي، ومنع حصول الجماعات المتطرفة على السلاح النووي.
خصصت هذه القمة لعمل تعديل على اتفاقية الحماية المادية للمواد النووية لمنع “الإرهابيين” من الحصول على أسلحة نووية، وأكد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية “يوكيا أمانو” على أنه يلزم توقيع ست دول أخرى فقط على تعديل الاتفاقية من دون أن يوضح تلك الدول. ورأى “أمانو” أن التعديل سيكون “خطوة إضافية مهمة جداً لتعزيز الأمن النووي”، وأنه سيقلل احتمالات تمكن الإرهابيين من تفجير سلاح إشعاعي أو ما يعرف بـ “القنبلة القذرة”، حسب قوله.
وعبر قادة الدول المجتمعون عن قلقهم من غياب روسيا وكذلك من برنامج كوريا الشمالية النووي.
وأبدى أوباما قلقاً بشأن قيام روسيا ببناء ترسانتها العسكرية دون حساب تخفيض الأسلحة النووية، مع العلم أنّ موسكو تمتلك أكبر ترسانة نووية متمثلة في 7 آلاف و700 رأس نووي في العالم. وكان الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” رفض حضور القمة بسبب عدم إشراك بلاده في التحضير لها، بحسب مصدر في الكرملين، كما تخلف الرئيس الباكستاني “نواز شريف” عن حضورها، بعد أن ألغى زيارته لنيويورك بسبب وقوع تفجير في مدينة لاهور. ويمتلك كلا البلدين أسلحة نووية.
وكانت اليابان قد أرسلت هذا الشهر إلى الولايات المتحدة كمية من البلوتونيوم تسمح بصنع نحو خمسين قنبلة نووية، وبلغ إجمالي كمية اليورانيوم والبلوتونيوم المخصب على مستوى عال الذي أرسلته 50 مؤسسة نووية في 30 دولة، على حسب تصريح أوباما، ما يعادل أكثر من 3.8 طن، وهذه الكمية تكفي لصنع 150 قنبلة نووية.
ما هي قمة الأمن النووي؟
قمة الأمن النووي هي مبادرة أطلقها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في ولايته الأولى عام 2010م، بهدف توجيه الجهود لحماية المواد النووية من أيدي الإرهابين، وقد لفت الرئيس الأمريكي الأنظار حينها لمصطلح “الإرهاب النووي”، وأكد أنه على جميع الدول النووية أن تنتبه وتكون في غاية الحذر لتحمي المواد الانشطارية من أيدي المتطرفين، لتحقيق الحماية النووية.
عقدت أول قمة بشأن الأمن النووي في واشنطن، ثم تبعتها قمتان في العاصمة الكورية الجنوبية “سول” في 2012م، وفي”لاهاي” بهولندا عام 2014، وعادت الرابعة هذا العام مرة أخرى إلى الولايات المتحدة.
في القمة الأولى، شاركت حوالي 47 دولة و3 منظمات دولية، وفي القمة الثانية ارتفع العدد إلى 53 دولة و4 منظمات دولية، وتقريباً نفس هذا العدد من المشاركين كان حاضراً في القمة الثالثة، وقد تركزت القمة الأولى على السياسات العامة، والثانية في “سيول” تابعت تنفيذها، أما القمة الثالثة في “لاهاي” عام 2014م فقد ركزت على النتائج التي تحققت، وألقت نظرة على المستقبل.
وبالشكل الذي ورد في تقرير جمعية مراقبة الأسلحة بواشنطن، كان من بين الإنجازات الأساسية لهذه القمة حتى الآن، تدمير 1500 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب على مستوى عال، تأسيس العشرات من مراكز التدريب والدعم، وكذلك تحديث القوانين الداخلية للدول المشتركة في مجال الأمن النووي.
مقعد إيران
لم توجه دعوة لإيران لحضور هذه القمة، على الرغم من ترقب بعض المحللين دعوتها، وقد أجرى “راديو فردا” حواراً مع “كيلسي دافنبورت” كبيرة المحللين في جمعية مراقبة الأسلحة واعتبرت في مقالة كتبتها مؤخراً للمجلس الأطلسي عدم دعوة إيران لحضور هذه القمة، “فرصة ضائعة”.
صرحت “كيلسي دافنبورت ” مجيبةً على سؤال: ما هو حال إيران بعد عدم دعوتها لهذه القمة في واشنطن؟ قائلةً: “عندما بدأت قمة الأمن النووي في عام 2010م، كانت الفكرة الأساسية لها هي أن يتم التركيز بشكل جاد على حماية المواد النووية في القطاع المدني، والتوعية بشأن الإرهاب النووي. في ذلك الوقت كان البرنامج النووي الإيراني مثيراً للجدل للغاية، دعوة إيران في ذلك الوقت كانت تشوش التركيز على موضوع الأمن النووي. والآن بعد توقيع الاتفاقية مع إيران وكونها تقوم بتنفيذ هذه الاتفاقية في الوقت الحالي، فمن وجهة نظري أنه أمر مؤسف ألا تتم دعوتها لأنه كان من الجيد لها أن تشارك في خطوة لتقوية الأمن الوطني. بالرغم من أن الاتفاق النووي يقضي على مخاوف حصول إيران على سلاح نووي، لكنها كذلك تتحمل مسؤولية تجاه المجتمع الدولي، وتحديداً المجتمع الإقليمي الذي هي جزء منه، بأن تؤكد أن موادها النووية بعيدة عن أي خطر وتهديد”.
وأضافت مشيرةً إلى موانع رجوع تواجد إيران على الساحة الدولية فيما يتعلق بالنطاق النووي، قائلةً: “كانت الأنشطة النووية الإيرانية قبل عقد من الزمان موضعاً للجدل، وليس عجيباً أن تستغرق عودة هذه الدولة إلى الأنظمة الدولية في المجال النووي فترة طويلة من الزمن. ولكنها فقدت هذه الفرصة، وربما حرص مخططو هذه القمة أكثر من اللازم على أن يحافظوا على تقليص قائمة المشاركين بدلاً أن يعطوا فرصة لإيران بأن تقوم بإجراءات في هذا المجال، وأن تقوي الأمن النووي لديها”.
وعن دور الملاحظات السياسية في واشنطن في هذا المجال، قالت: “لم تزد قائمة المشاركين بين أعوام 2012م حتى 2014م، واستمرت على نفس المنوال في 2016م. عندما بدأ التخطيط لهذه القمة، كان الهدف من أن يشارك أقل عدد من الدول في هذه القمة هو أن تكون نتائجها محكمة، وأن يتأكدوا من أنهم في كل قمة سيحققون تقدماً. ولكن من وجهة نظري أن هذا القرار كان سيصبح جيداً بإرسال رسالة إلى المجتمع الدولي من خلال دعوة إيران بأن هذه الدولة تتحمل مسؤولية في نطاق الأمن النووي، وكذلك كانت إيران ستحظى بفرصة أن تتعاون مع جميع دول المنطقة في هذا المجال. الكثيرون لا ينتبهون إلى أن مفاعل بوشهر يقع في منطقة معرضة للزلازل، أو من الممكن أن يتعرض لأعمال تخريبية. ولو حدث شيء لهذا المفاعل سيكون له تأثير بالغ على كل المنطقة. إعطاء فرصة لإيران للتعاون مع جميع دول المنطقة التي تعمل في الوقت الحالي في هذا المجال، كان يمكن أن يكون خطوة لبناء الثقة في المنطقة”.
وختمت كيلسي دافنبورت حوارها بوجهة نظرها عن مقدار رغبة إيران في المشاركة في هذه القمة والمبادرة في مجال الأمن النووي، قائلةً: “أنا لم أسمع من المسؤولين الإيرانيين عن رغبتهم أو عدم رغبتهم، ولا أعلم ما إذا كانوا قد طالبوا بالمشاركة في هذه القمة أم لا. لكن لو أمعنا النظر في الاتفاق النووي، سنجد أنه يعرض خطوات محددة بخصوص إمكانية التعاون في مجال الأمن النووي، ومن وجهة نظري فهو يوضح رغبة إيران في تعزيز قدرتها في هذا المجال. إيران ترغب في أن تجد حلفاء دوليين في هذا المجال حتى يتعاونوا معها، وستستفيد من هذا التعاون مع بعض التدريب وتحديث المعدات الخاصة بمجال الأمن النووي خصوصاً في مفاعلاتها النشطة”.
وعلى صعيدٍ آخر، قدم “حسن بهشتي بور” خبير القضايا النووية تقييماً لقمة الأمن النووي في حوار مع موقع التحليل السياسي، وبدأ تحليله بالإجابة على سؤال: ما هي أهداف الولايات المتحدة من عقد قمة واشنطن؟ قائلًا: “أوباما يريد من عقده لمثل هذه القمم أن يغطي استراتيجيته العدائية باستراتيجية إنسانية وسلمية. مثلما طرح العام الماضي قضية نزع الأسلحة في مؤتمر براغ. البلد الذي يمتلك على الأقل 10500 رأس نووية ويعد على رأس القوى النووية في العالم. يطرح شعار نزع السلاح النووي. هذه السياسة لم تكن مثيرة للتعجب بالنسبة للخبراء. أوباما عرض كذلك الاستراتيجية النووية للولايات المتحدة الأمريكية والتي تطرح لأول مرة من بعد عام 2000م. تضمنت هذه الاستراتيجية تهديداً نووياً غير مباشر ضد إيران وكوريا الشمالية، لم يطرح من قبل حتى في عهد جورج بوش الابن.
أبرز رئيس الولايات المتحدة في استراتيجيته الجديدة الملاحظة التي تقول بأن أمريكا لن تهاجم أي دولة لا تمتلك سلاحاً نووياً وتكون عضواً في مؤتمر الحظر النووي NPT. لن يهاجم غير الدول التي لا تنفذ معاهدة NPT مثل إيران وكوريا الشمالية، حتى بوش لم يستخدم مثل هذه الأدبيات، ولكن أوباما طبقاً لقوله بأنه لن يهاجم أي دولة لا تمتلك سلاحاً نووياً، يقوم بتغطية سلمية ونزع للسلاح النووي. وفي نفس الوقت يهدد إيران وكوريا الشمالية بشكل غير مباشر.
قبل بضعة أيام، وقعت الولايات المتحدة الأمريكية مع روسيا معاهدة ستارت 2، وفي هذه الأجواء عقدت المؤتمر الأمني حتى تستغل تواجد 47 شخصاً من رؤساء وزعماء العالم، لتحصل على دعم من زعماء الدول المشاركة في مؤتمر واشنطن حول استراتيجيتها النووية الجديدة من ناحية، وتخلق نوعاً من التعاون الدولي ضد إيران وكوريا الشمالية من ناحية أخرى”.
انعقاد قمة واشنطن لم يسبق له مثيل من حيث المشاركة الموسعة لزعماء العالم منذ عام 1945م، حيث عقد مؤتمر سان فرانسيسكو، وتم تأسيس منظمة الأمم المتحدة في أمريكا. وحول إن كانت هذه المشاركة العظيمة علامة لنجاح الولايات المتحدة في تنفيذ سياستها الأمنية على المستوى الدولي، أوضح “بهشتي بور” قائلاً: “مجرد تواجد زعماء الدول ليس معناه نجاحها أو فشلها. بالطبع لو لم يشتركوا كان سيؤدي إلى شعور أمريكا بالخزي، مثل عدم مشاركة نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني. لكن مجرد تواجد أولئك لا يعني النجاح كما أوضح هو جين تاو رئيس الصين أنه لا يقف في صف أمريكا فيما يتعلق بالقضايا النووية الإيرانية. بالطبع أعلنت وسائل الإعلام الأمريكية في بادئ الأمر أن الصينيين قبلوا، ولكن بعد ذلك أظهرت مواقف الصينيين أنهم لا يقفون في صف الولايات المتحدة، ويطالبون باستمرار المحادثات مع إيران. ولكن هذا أيضاً لا يعني أن الصينيين لم يصوّتوا على القرار المقترح.
و حول إن كان رؤساء الدول ورؤساء الوزراء شاركوا في هذه القمة ليدعموا موقف أمريكا تجاه حيازة الإرهابيين على قنبلة ذرية، وهل اقتنعوا بمثل هذا التهديد؟ أوضح بهشتي بور أنه يجب تحديد كيف يمكن للإرهابيين أن ينتجوا قنبلة ذرية، ويحتفظوا بها في مأمن؟ والأهم من ذلك كيف يستطيعون استخدامها في زمان ومكان محددين؟ حتى بعض الدول التي تمتلك أسلحة ذرية وأحرزت تقدماً في تأمينها إلى حد ما، مثل الهند وباكستان، لا يزال التساؤل عن إمكانية استخدامها في زمان ومكان محددين موضع تباحث الخبراء. لذلك من وجهة نظري، هذا غطاء للسياسات العدوانية الأمريكية حتى تستطيع فرض سياساتها الحقيقية أحادية الجانب من خلال تغطيتها بمكافحة الإرهاب العالمي”.
أما عن تحليله لتصريحات أوباما العدائية وتهديده النووي لإيران فأفاد خبير القضايا النووية قائلًا: “التصريح بمثل هذا التهديد يعتبر جريمة حتى لو كان في قالب خُدعة سياسية. التهديد النووي لدولة مستقلة يتعارض مع المقررات الدولية. ولكن لا تستطيع الدول الأخرى اتخاذ موقف من ذلك لما تفرضه أمريكا من هيمنة وسلطة. وعلى كل الأحوال إيران يجب أن تأخذ هذا الأمر على محمل الجد وفي نطاق دولي، وأن تضع أوباما تحت ضغط على مستوى دولي”.
وعزا بهشتي بور عدم توجيه الولايات المتحدة دعوة حضور القمة لإيران إلى عدم رغبتها في تعريض إيران لضغوط دولية موسعة لاستمرار احتفاظ الأخيرة بقدر كبير من عناصر برنامجها النووي، وحتى لا يفتح باب النقاش من جديد حول تفاصيل الاتفاق النووي الذي استطاعت الولايات المتحدة تمريره بصعوبة، مع كثير من التحفظات من قبل المجتمع الدولي، وربما أدى تواجد إيران إلى تزرع كثير من الدول المشاركة بالقمة بما تمتلكه إيران من قدرات نووية بالفعل، فتمتنع عن تسليم ما بحوزتها من مواد إشعاعية للولايات المتحدة، ومن ثم تفشل القمة بسبب التواجد الإيراني، من ناحية أخرى لعل المسؤولين الإيرانيين لم يرغبوا في التواجد حتى لا يدخلون في صدام مع الولايات المتحدة، خاصة وأن الاتفاق النووي لم تنفذ جميع بنوده حتى الآن.