تتبُّعًا للجمهورية الإيرانيَّة وتفاعلاتها في الجانب الإقليمي والدولي والداخلي، أصدر المعهد الدولي للدراسات الإيرانيَّة (رصانة) تقريره لشهر أكتوبر 2018 راصدًا أبرز التطورات على الساحة الإيرانيَّة، مقدِّمًا للقارئ المتهمّ بهذا الشأن رؤية شمولية خلال الفترة محل الرصد والتحليل، بعد أن اشتمل على 3 أقسام رئيسية.
سلوك إيران وخلافات بين حزب روحاني و«كوادر البناء» الإصلاحي:
يشير التقرير في الشأن الداخلي إلى دعوة المرشد الإيراني علي خامنئي للاستفادة من النخبة العلمية، علمًا بأن السلوك الإيرانيّ المتبع على مدار عقود اعتمد الميل إلى الثقة على حساب أهل الخبرة منذ تولِّي خامنئي منصب المرشد.
ويطرح التقرير في هذا الشأن تساؤلًا حول حقيقة الدعوة التي قد تكون جاءت متأخرة جدًّا في مرحلة ما قبل الانكماش، ويناقش التقرير الخلافات الحاصلة داخل مؤسَّسة الرئاسة بين النائب الأول إسحاق جهانغيري من حزب كوادر البناء الإصلاحي، ومحمود واعظي مدير مكتب الرئيس روحاني من حزب الاعتدال والتنمية، وذلك بعد اكتشاف جهانغيري تراجع صلاحياته وتهديده بالاستقالة.
من جانب آخر يستعرض التقرير ما تَبنَّته منظَّمة جيش العدل البلوشية المعارضة من اختطاف 12 جنديًّا إيرانيًّا من منطقة ميرجاوه الواقعة على الحدود الباكستانية-الإيرانيَّة، للتفاوض مع إيران، إما بدفع فدية مالية، وإما بالاستجابة لمطالب جيش العدل الخاصة بالإفراج عن عدد من المعتقلين البلوش في السجون الإيرانيَّة، وغيرها من المطالب، إضافة إلى الاتهامات التي تطال الاستخبارات الإيرانيَّة من السلطات الدنماركية بخصوص اعتقال الدنمارك شخصًا نرويجيَّ الجنسية من أصل إيرانيّ كان يخطِّط لاغتيال معارض إيرانيّ مقيم في جزيرة زيلاند الدنماركية، مقدِّمةً اقتراحًا للمفوضية الأوروبيَّة للاجتماع في يوم 19 نوفمبر لاتخاذ قرار بهذا الشأن.
فاعلية القناة المالية الأوروبيّ وقدرة أمريكا على تعويق نظام سويفت الأوروبيّ:
وفي الشأن الداخلي ذاته وتحديدًا في الاقتصادي، يناقش التقرير ما طرحه الاتِّحاد الأوروبيّ من آليات لمواصلة التجارة والتحويلات المالية من إيران وإليها وذلك ضمن أهمِّيَّة فاعلية القناة المالية الأوروبيَّة ذات الأعراض المحدَّدة والتي تُعرف اختصارًا بـ«SPV»، وعلى الرغم من أهمِّيَّة هذه الآلية لاقتصاد إيران أكثر من الاتِّحاد الأوروبيّ الذي يسعى لأهداف أمنية وسياسية أكبر من التجارة مع إيران، فإن معالَم تنفيذ هذه الآلية مُبهَمة حتى الآن، فالولايات المتَّحدة لديها القدرة على إعاقة عمل إيران بنظام سويفت الأوروبيّ لنقل الأموال مباشرة أو بتهديد البنوك المتعاونة مع إيران بعقوبات مالية، أما الجزء الثاني من التقرير فيتناول أبرز التطورات القطاعية التي طرأت خلال شهر أكتوبر، والغموض حول حجم صادرات النِّفْط الإيرانيَّة، وتعيين 4 وزراء جدد للمجموعة الاقتصادية استعدادًا للعقوبات الأمريكيَّة في نوفمبر.
الدور الإيرانيّ ومؤشّرات البقاء في سوريا وحلول أزمة اليمن:
وفي الشأن العربي يستعرض التقرير الملفّ السوري قارئًا بعض المؤشّرات الهامة التي تُعطِي دلالةً على البقاء طويل الأمد في سوريا من خلال إعادة الانتشار الجغرافي والتموضع للميليشيات والقوات الإيرانيَّة في سوريا، والسعي للحصول على النصيب الأكبر من عملية إعادة الإعمار، كما تطرق إلى أهم العوامل المؤثرة على الدور الإيرانيّ في سوريا. أما المحور الثاني فخُصّص للملفّ العراقي، وقُدّمَت فيه قراءة للموقف الإيرانيّ من انتخاب كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بالعراق في ضوء الموقف الإيرانيّ الرسميّ وما أُعلِنَ في وسائل الإعلام الإيرانيَّة من تحليلات بهذا الشأن، ليتم استكشاف الدور الإيرانيّ في تلك التفاعلات السياسية العراقية، سواء بين الفصائل الكردية على منصب رئيس الجمهورية، وبين الكتل البرلمانية الشيعية في اختيار رئيس الحكومية، لتضع إيران معيارين لتقييم الموقف، وذلك من خلال مدى الاستجابة العراقية للعقوبات التي فرضتها الولايات المتَّحدة على إيران، بخاصَّة في ما يتعلق بالعلاقات النِّفْطية، وظهور مؤشّرات رغبة الحكومة العراقية في العودة إلى محيطها العربي، خصوصًا بعد علاقتها مع السعوديَّة، وتقليل حجم النفوذ الإيرانيّ في العراق.
وفي السياق ذاته من الشأن العربي يتناول التقرير الملف اليمني مناقشًا تصريحات بعض المسؤولين الأمريكيّين رفيعي المستوى، بعد أن أكدوا أن الوقت المناسب قد حان للمضي قُدُمًا في للقيام بعملية تفاوضيَّة وحل سياسي، وفي هذا الجانب أيضًا يرصد التقرير استمرار الدعم الإيرانيّ لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، وتهديدهم أمن باب المندب باحتجاز السفن ومنعها من إفراغ حمولاتها، مِمَّا أدَّى إلى أزمة إنسانية وتزايد الخطر الحوثي على الدولة.
تطوُّر العلاقات الأمريكيَّة الإيرانيَّة في ظلّ تفادي إيران عقوبات الولايات المتَّحدة:
أما في الشأن الدولي فيذكر التقرير أن الولايات المتَّحدة باتت تسعى لتكثيف الضغوط الأمريكيَّة على إيران، وذلك بالتركيز على المحاولات الأمريكيَّة لتقليل صادرات النِّفْط الإيرانيّ، وفرض مزيد من العقوبات إلى جانب العقوبات التي أعيد العمل بها، إضافة إلى مواجهة نفوذ إيران إقليميًّا وتشكيل ناتو عربي لمواجهة خطر هذا النفوذ، ليبين التقرير تطوُّر العلاقات الأمريكيَّة-الإيرانيَّة خلال شهر أكتوبر 2018 تحت عنوان “الولايات المتَّحدة وإيران وتطوُّرات ما قبل عقوبات الرابع من نوفمبر”.
ووَفْقًا للتقرير فإن إيران تحرص على تفادي العقوبات والضغوط، وذلك بالتركيز على جهود النِّظام الإيرانيّ وقياداته لتوحيد الجبهة الداخلية وتفادي التأثير السلبي للعقوبات على الأوضاع الداخلية، والخطط والتحركات لمحاولة الحفاظ على صادرات النِّفْط باعتبارها المورد الرئيسي للميزانية، وكذلك التعويل على تدشين سويفت دولي بديل يساعدها على الخروج من مأزق عقوبات نوفمبر المستهدفة أي تعاملات مالية مع إيران، فضلًا عن المساعي الدبلوماسية والسياسية من أجل الحفاظ على دعم الشركاء الدوليين في مواجهة الضغوط الأمريكيَّة، كما ترسل إيران في الوقت ذاته رسائل إلى الولايات المتَّحدة بأنها قادرة على تهديد مصالحها في المنطقة وسفنها وحمولاتها النِّفْطية في مضيق باب المندب.
كذلك يبحث التقرير في هذا الشأن العلاقات الإيرانيَّة-الروسيَّة ومدى رغبة روسيا في تخفيف حظر الصادرات النِّفْطية في ظلّ تجدُّد العقوبات الأمريكيَّة وقدرتها على تنفيذ ذلك، من خلال مشروع تصدير النِّفْط الإيرانيّ إلى روسيا مقابل البضائع، ومشروع نقل النِّفْط الإيرانيّ إلى روسيا عبر بحر قزوين، ليدرس التقرير العقوبات التي تواجه هذين المشروعين من ناحية إمكانية التنفيذ دون تَعرُّض روسيا لعقوبات إضافية من الولايات المتَّحدة، فضلًا عن الجدوى الاقتصادية والعقبات اللوجستية التي تواجه نقل النِّفْط عبر بحر قزوين.
وفي السياق نفسه يوضح التقرير العلاقات بين إيران والقارة الأوروبيَّة في قياس مدى قدرة الاتِّحاد الأوربي على تَبَنِّي سياسات داعمة لإيران على المستوى الاقتصادي، خصوصًا في ظلّ عودة العقوبات الأمريكيَّة على إيران، لذا تضع إيران 4 شروط لبقائها في الاتفاق النووي تتعلق جميعًا بالإجراءات الأوربية الخاصَّة باستمرار الواردات النِّفْطية الخاصَّة بها، وفتح قنوات بنكية تمكِّن إيران من مواصلة التبادل التجاري مع الاتِّحاد الأوربي.