في الساعات الأولى من فجر يوم 13 يونيو 2025م، شنَّت إسرائيل ضربة عسكرية مدمِّرة وغير مسبوقة في عُمق الأراضي الإيرانية، استهدفت خلالها منشآت نووية رئيسية، وقادة كبار في الحرس الثوري الإيراني، وركائز القيادة العسكرية والاستخباراتية للنظام الإيراني. هذه الضربة المفاجئة، التي أُطلِق عليها اسم «عملية الأسد الصاعد»، تمثِّل تصعيدًا دراماتيكيًا في الصراع الطويل بين العدوين الإقليميين، وتُعيد رسْم حدود المواجهة في الشرق الأوسط، مهدِّدةً بزعزعة النظام الدولي برمّته.
تحوُّل استراتيجي.. من الردع إلى استهداف النظام
على خلاف الضربات السابقة، التي اتّسمت بالردّ بالمثل أو بالعمليات السرِّية، مثَّلت هذه العملية إعادة تموضُع شاملة في العقيدة العسكرية الإسرائيلية؛ فلم يعُد الهدف مجرَّد تعطيل البرنامج النووي الإيراني، بل ضرب رأس السُلطة. من خلال استهداف مواقع رمزية واستراتيجية، مثل منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم، وقادة عسكريين بارزين، من بينهم القائد العام للحرس الثوري حسين سلامي ورئيس هيئة الأركان العامَّة محمد باقري، بعثت إسرائيل برسالة واضحة: وجود النظام الإيراني نفسه -وليس فقط طموحاته النووية- أصبح تهديدًا.
شنَّت إسرائيل أكثر من 300 غارة جوِّية، وضربت ما يزيد عن 200 هدف داخل إيران، شمِلَت بطاريات دفاع جوِّي، مستودعات صواريخ وثكنات عسكرية ومراكز قيادة. هذه العملية التي نُفِّذت بأعلى درجات الدقَّة والتعقيد، جمعت بين الهجمات السيبرانية، ومقاتلات الشبح «F-35» وعمليات استخبارية عميقة نفَّذها عملاء «الموساد» داخل الأراضي الإيرانية، وأظهرت قُدرة إسرائيل على الهيمنة في الحرب الهجينية وميادينها التقليدية والسيبرانية. ورُبَّما الأهمّ أنَّ شبكة الدفاع الجوِّي الإيرانية، التي طالما روَّجت لها طهران أنَّها حصنٌ منيع، عجزت عن صدّ الهجمات الإسرائيلية؛ ويُعتقَد أنَّ ذلك جاء نتيجة عمليات سيبرانية استباقية.
استهداف البرنامج النووي
تكبَّدت منشأة نطنز -أبرز المواقع النووية الإيرانية-أضرارًا جسيمة، لكن الآثار الكاملة لا تزال غير واضحة؛ نظرًا لطبيعة بعض المنشآت تحت الأرض وتدابير إيران الوقائية (مثل إيقاف أجهزة الطرد المركزي مؤقَّتًا). وعلى الرغم من عدم تسجيل أيّ تسرُّب إشعاعي، إلّا أنَّ الصدمة النفسية والتداعيات التكنولوجية المُحتمَلة على برنامج إيران النووي لا يمكن إنكارها. ومن اللافت أنَّ إسرائيل تجنَّبت استهداف منشأة فوردو، وهي المنشأة الأشدّ تحصينًا تحت الأرض. هذا الامتناع قد يعكس قرارًا تكتيكيًا للحفاظ على ورقة ضغْط في المستقبل، أو إشارة للولايات المتحدة بأنَّ تل أبيب تحتاج إلى دعمها، خصوصًا في نشْر أسلحة لا تمتلكها إسرائيل، مثل القنبلة الخارقة للتحصينات «GBU-57».
استراتيجية الاغتيالات.. ضرْب مركز اتّخاذ القرار
إلى جانب القيادات العسكرية العُليا، استهدفت الضربات عُلماء نوويين بارزين، وقادة برامج الطائرات المسيَّرة، ضمن استراتيجية «قطْع الرأس»، التي تخدم أغراضًا تكتيكية ونفسية في آنٍ واحد؛ لإرباك مركز القرار الإيراني، واستعراض الهيمنة الإسرائيلية.
دقَّة هذه الاغتيالات كشفت عن تغلغُل استخباراتي إسرائيلي غير مسبوق داخل بنية النظام الإيراني؛ ما يُشكِّل إهانةً مؤسّسية لطهران قد تقود إلى موجة تطهير داخلي وعدم ثقة طويل الأمد.
مأزق طهران
ردَّت إيران عبر عملية «الوعد الصادق 3»، باستخدام أكثر من 100 طائرة مسيّرة وعدَّة موجات من الصواريخ الباليستية، مستهدِفةً منشآت مدنية وعسكرية في مُدُن إسرائيلية كُبرى، بينها تل أبيب والقدس المحتلَّة. وعلى الرغم من وقوع إصابات وأضرار، إلّا أنَّ الردّ الإيراني جاء دون مستوى الضربة الإسرائيلية، لا من حيث الحجم ولا التأثير.
وعلى الصعيد الداخلي، سارعت طهران لسدّ الفراغ القيادي واستعادة السيطرة، وتعهَّد المرشد الأعلى علي خامنئي ووزير الخارجية عباس عراقجي بالثأر، مستندين إلى «حقّ الدفاع عن النفس» بموجب القانون الدولي. إلّا أنَّ النظام الإيراني يواجه اليوم معضلةً استراتيجية؛ إمّا التصعيد والمخاطرة بحرٍب شاملة، أو ضبْط النفس وتحمُّل كلفة الظهور بمظهر الضعف داخليًا وإقليميًا.
وتتفاقم هذه المعضلة بفعل عُزلة إيران المتزايدة؛ فعلى الرغم من الإدانات اللفظية من دول كباكستان، والمواقف الحذِرة من روسيا والصين، لم تلتزم أيّ دولة بالدفاع عن إيران. في المقابل، وعلى الرغم من النفي العلني، تُشير العديد من المؤشِّرات إلى تنسيق أمريكي-إسرائيلي مُسبَق، خصوصًا مع تزامُن الضربة مع تعثُّر مفاوضات الملف النووي.
تداعيات إقليمية ودولية
أثارت الضربة الإسرائيلية قلقًا دوليًا واسعَ النطاق؛ فقد أدانت الأُمم المتحدة التصعيد، ودعت إلى ضبْط النفس، في حين انتقدت القُوى العربية، وعلى رأسها السعودية، انتهاكَ إسرائيل لسيادة دولة أخرى. ومع ذلك، سادت نبرة الصمت أو التحفُّظ في مواقف عدَّة دول عربية (مثل مصر والأردن والإمارات)، خشيةً من السلوك الإيراني المزعزع وطموحاته النووية.
أمّا الولايات المتحدة، فقد جاء موقفها محسوبًا بعناية؛ إذ شدَّد وزير الخارجية ماركو روبيو على «حيادية واشنطن»، لكنَّه حذَّر طهران من الرد على المصالح الأمريكية. ومع كل هذه التصريحات، ترجِّح الشواهد وجودَ تنسيق مُسبَق، مثل الاجتماعات الأمنية الطارئة في كامب ديفيد، والمكالمة الطويلة بين بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب، والإخلاء الأمريكي الاستباقي من مناطق حسّاسة.
وتُلقي هذه التطوُّرات بظلال قاتمة على مستقبل الدبلوماسية النووية؛ فقد عُلِّقت المحادثات المقرَّرة في مسقط إلى أجلٍ غير مسمَّى، واتّهمت طهران واشنطن بالتواطؤ، مؤكِّدةً أنَّها لا تستطيع التفاوض تحت القصف. ومع تعثُّر هذه المحادثات، تتصاعد احتمالات أن تتّجِه إيران نحو خيار التسلُّح النووي الكامل، وهو السيناريو الذي تسعى إسرائيل لمنعه بأيّ ثمن.
السيناريوهات المحُتمَلة.. الانتقال من حروب الظل إلى حرب إقليمية شاملة
في ظل هذا التصعيد النوعي، تبرُز خمسة سيناريوهات مُحتمَلة:
الردع المُتبادَل: حلقة مستمرَّة من الضربات والردود، دون الانزلاق إلى حربٍ شاملة، مع بقاء التوتُّرات في ذروتها.
الرضوخ الإيراني: قد تضطرّ طهران، تحت وطأة الضعف والعُزلة، إلى تقليص التخصيب والعودة للمفاوضات، على الرغم من كلفة ذلك داخليًا.
العودة لحروب الظل: استئناف العمليات السرِّية من جانب إيران، كالهجمات السيبرانية، التخريب البحري، والاغتيالات خارج الحدود.
تصعيد موسَّع: تفعيل أذرع إيران الإقليمية مثل حزب الله والحوثيين والميليشيات العراقية، مع تهديد المصالح الأمريكية والممرّات البحرية.
حرب شاملة: السيناريو الأخطر، قد ينشب إذا استمرَّت إيران في قصفها أو استهدفت قواعد أمريكية، أو إذا سعت إسرائيل إلى تغيير النظام تحت مظلَّة أمريكية.
الخلاصة
تمثِّل الضربات الإسرائيلية مرحلةً جديدةً في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، إذ انتقلت المواجهة من التنافس السرِّي إلى حرب استنزافٍ شاملة ومُعلَنة.
وبالنسبة لإيران، فإنَّ التداعيات خطيرة: فقدان هيبة الردع، انهيار جزء من القيادة، وانكشاف الثغرات العسكرية.
ومع ذلك، من غير المرجَّح أن تستسلم طهران بسهولة؛ إذ طالما تميَّز النظام الإيراني بالمرونة الاستراتيجية، وقد يلجأ إلى التريُّث وإعادة تنظيم الصفوف، والرّد بأساليب غير تقليدية.
لكنَّ هامش الخطأ بات ضيِّقًا، خصوصًا إنْ لم تقرأ طهران موقفَ إسرائيل جيِّدًا، أو بالغت في التعويل على حُلفاء لن يتدخَّلوا عسكريًا.
في المقابل، كسرت إسرائيل قواعدَ الاشتباك؛ إذ باتت تتصرَّف بثقة مُفرَطة، وترسلُ إشارةً واضحة مفادها أنَّ أيَّ طريق نحو إيران مسلَّحة نوويًا سيقابل بقوَّة ساحقة. هذا الحزم الجديد، المدعوم أمريكيًا والمقبول إقليميًا، قد يفتح شهية تل أبيب لمغامرات أوسع في المنطقة.
إنَّ الضربة على إيران ليست مجرَّد عملية عسكرية، بل مقامرة جيوسياسية. وما إذا كانت ستقود إلى الردع، أو التفاوض، أو الكارثة، سيتوقَّف على ما سيحدُث لاحقًا في هذه المنطقة المتقلِّبة.
** أعدَّ فريق رصانة البحثي هذا التقييم في اليوم الأول من الحرب، يمكنكم الاطّلاع على تقدير الموقف الشامل والمفصَّل PDF ..