عُقِدت انتخابات البرلمان الإيراني وانتخابات مجلس خبراء القيادة في إيران 1 مارس 2024م، لكن أدلى 25 مليون شخص فقط بأصواتهم من بين 61.17 مليون مواطن إيراني ممَّن يحقُّ لهم التصويت. وحسبما أفادت مؤشِّرات وسائل الإعلام الحكومية، فإنَّ النتائج قد أظهرت انتصارًا حاسمًا للمرشَّحين «المتشدِّدين»، في ظل نسبة إقبال بلغت نحو 40%، وهي الأدنى منذ انتصار ثورة 1979م. وعلى الرغم من تأكيد الحكومة الإيرانية ارتفاع نسبة الإقبال على التصويت، تُشير الأرقام الواردة إلى اتّساع نطاق اللا مبالاة لدى الشعب، وتخلِّيه عن المشاركة في الانتخاباتِ، وكان ذلك جليًّا، لا سيّما في طهران، حيث وصلت المشاركة إلى أقل من 25% فقط. وقد حصل مرشَّحون بارزون من التيّار «المتشدِّد»، مثل حامد رسائي ومحمود نبويان، على أكبر نسبة من الأصوات في طهران، الأمر الذي عزَّز التحالفات، التي يقودها «المتشدِّدون» في العاصمة، بينما جاء رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف في المركز الرابع. وحصل رجل الدين المحافظ «المتشدِّد» أحمد خاتمي، الذي يشغل حاليًّا خطيب صلاة الجمعة في طهران، على مقعد في مجلس الخبراء من مدينة كرمان، وأُعيدَ انتخاب الرئيس إبراهيم رئيسي بنسبة 82.5% من أصوات خراسان الجنوبية.
كانت هذه الانتخابات هي الأولى منذ أن اندلعت الاحتجاجات واسعة النطاق في أعقاب وفاة مهسا أميني عام 2022م، وقد شجَّع المُرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الناخبين على الإدلاء بأصواتهم، وقد مُنِحت الموافقة لأكثر من 15200 مرشَّح، حسبما أفادت المصادر الرسمية. أُجرِيت هذه الانتخابات في وقت تواجه فيه الحكومة الإيرانية تحدياتٍ كبيرة، من أجل الحفاظ على الاستقرار السياسي ومعالجة الوضع الاجتماعي والاقتصادي المُتردِّي، الذي تفاقم بسبب ارتفاع التضخم وتناقُص القوَّة الشرائية.
وعلى غرارِ الانتخابات السابقة، أثار استبعاد «الإصلاحيين» و«المعتدلين»، من خلال إعلان عدم أهلية معظم مرشَّحيهم، انتقاداتٍ من الأحزاب السياسية، مثل حزب «الاعتدال والتنمية»، الذي ينتمي له الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ومحمد باقر نوبخت، الذي انتقد «طبيعة الانتخابات، التي حُدِّدت نتائجها مُسبَقًا»، وأشار إلى أنَّ إقصاء الرئيس السابق روحاني من انتخابات مجلس الخبراء يُعتبَر انتكاسة للتيّارات «الإصلاحية» و«المعتدلة» في إيران. وشدَّدَ علي مُطَهَّري، الذي يتصدَّر القائمة الانتخابية لائتلاف «صوت الأُمّة»، على أهمِّية المشاركة الانتخابية لدفع الإصلاحاتِ قُدُمًا والحفاظ على استقرار النظام الحاكم. وضمَّت هذه القائمة أيضًا عديدًا من السياسيين البارزين والأكاديميين والبرلمانيين السابقين. وعلى الرغم من الاعتراف بأوجه القصورِ الانتخابية السابقة، دعا مُطَهَّري إلى المشاركة في النظامِ السياسي من أجلِ إحراز الإصلاحات، وناشد أيضًا تجنُّب عدم المشاركة في الانتخابات، محذِّرًا من أنَّها قد تُمَكِّن الفصائل المعارضة من الإطاحة بالنظام. وحذَّر أمين مجلس صيانة الدستور أحمد جنتي من مؤامرةٍ أجنبية لتقويض الانتخابات، وحثَّ الشعب الإيراني على دعم الانتخابات.
أَعرب المعتقل «الإصلاحي» البارز مصطفى تاج زاده عن استيائه، من خلال رفضه المشاركة في الانتخابات البرلمانية، معبِّرًا بصراحة عن عدم رضاه عن المرشد الأعلى والنُّخبة الحاكمة. ودعا جواد إمام، وهو من السياسيين «الإصلاحين» البارزين في إيران، في وقتٍ سابق، «المتشدِّدين» إلى الاعتذارِ عن أزمة البلاد، وشدَّد على ضرورة الوحدة داخل «جبهة الإصلاح» على الرغم من تبايُن وجهات النظر حول المشاركة في الانتخابات البرلمانية. وأعرب عديدٌ من النُّشطاء السياسيين والشخصيات البارزة، بصرف النظر عن انتماءاتهم في السنوات الأخيرة، عن عدم رضاهم عن تعامُل الحكومة الإيرانية مع الاقتصاد والتوتُّرات الاجتماعية. وباعتبارها إستراتيجية انتخابية، أشار ممثِّلو «جبهة الإصلاح»، التي يتزَّعمها عازار المنصوري، إلى أنَّ «الانتخابات غير تنافسية، وغير فعَّالة» بسبب المقاطعة الشعبية. وفي وقتٍ سابق، أعلن مجلس علماء وباحثي معهد «قُم» في إيران، أيضًا، أنَّ الانتخابات البرلمانية «لا معنى لها»، وامتنع عن تقديم قوائم للمرشَّحين، إذ أشار إلى القيودِ الحكومية وخيبة الأمل الواسعة بين المواطنين الإيرانيين. وانقسم «الإصلاحيون» حول الانتخابات بين مقاطعٍ وداعٍ نحو بناء توافقٍ وطني، ما أثار خلافاتٍ داخلية بين فصائل «الإصلاحيين». فمن جانبهم، انتقد «الإصلاحيون» المؤيِّدون للمقاطعة شرعية الانتخابات، بينما شدَّد المؤيِّدون للمشاركة في الانتخابات على أهمِّية المشاركة في النظام السياسي رغم الانتكاسات السابقة. وأشارت استطلاعات رأي حديثة إلى وجود رغبةٍ ضئيلة بين صفوف الشعب الإيراني للتصويت في الانتخابات، إذ يُفضِّل جزء كبير من الشعب «المشاركة في الاحتجاجات على المشاركة في الانتخابات، باعتبارها وسيلةً أكثر فعالية للتغيير والإصلاح في إيران»، الأمر الذي يعكس مدى خيبة أمل الرأي العام واستيائه.
وتحمل انتخابات مجلس الخبراء أهمِّية بالغة، لا سيّما مع اختيار المرشد الأعلى القادم لإيران. وبالنظر إلى عُمر المرشد الأعلى الحالي وحالته الصحية، فإنَّ اختيار من سيتولى منصبه، أمرٌ بالغ الأهمِّية لاستمرارية واستقرار النظام الحاكم. والجدير بالذكر أنَّ الرئيس رئيسي ونجل المرشد الأعلى الحالي، مجتبى خامنئي، يُنظَرُ إليهما داخل الدوائر «المتشدِّدة» كأنهما منافسان، ليكون أحدهما المرشد الأعلى التالي. وقد أثارت هذه الترشيحات انتقاداتٍ من شخصياتٍ مثل رئيس الوزراء الإيراني السابق مير حسين موسوي.
وفي السنواتِ الأخيرةِ، واجه النظام الإيراني الحاكم مقاومةً كبيرة من الأجيال الشابة، التي طالبت إعادة تقييم العلاقات بين الدولة والمجتمع. ويتمتَّع شباب اليوم -عكس الأجيال السابقة- بإمكانية الوصول إلى مزيدٍ من المعلومات، وهم أكثر وعيًا بالتطوُّرات المحلِّية والإقليمية والعالمية. وتشعر الأجيال الشابة بالإحباط من المؤسَّسة «المتشدِّدة»، وتدعو إلى مزيدٍ من الحرِّية الفردية والحرِّية السياسية. ومع تعرُّضهم للديناميات الإقليمية المُتغيِّرة والازدهار الاقتصادي والتحوُّلات الاجتماعية في دول الخليج، فإنَّ خيبة أملهم من الطبقة الحاكمة تزداد يومًا بعد يوم. وعلى الرغم من جهود الحكومة لفرض الرقابة على المعارضة وقمعها، فلا يزال الشباب الإيراني مستمِرًّا في تحدِّي الوضع الراهن المُر، الذي يُشكِّل تهديدًا للنظام الحاكم،كما رأينا خلال الاحتجاجات المناهِضة للحجاب.
وبعد عقدين من إقرار الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي بالعقبات أمام الإصلاحات بسبب التدخُّلات والعوائق، التي يضعها مجلس صيانة الدستور، يواجه المشهد السياسي الإيراني في عام 2024م تحدِّيات وقيودًا وعقباتٍ أكبر لدفع الإصلاحات الجوهرية إلى الأمام، خصوصًا أنَّ «المتشدِّدين» يُهيمنون على المشهد، ويُعزِّزون سُلطتهم على جميع دوائر الحكومة. ولجأت النُّخبة الحاكمة في السنوات الأخيرةِ بصورة متزايدة إلى تدابير عنيفة لقمع المعارضة، ما حدَّ من احتمالية التعبئة والحشد للإصلاح والتغيير.