قمَّة مجموعة الدول الصناعية السبع.. معضلة التوافق في ظل التوتُّرات الدولية

https://rasanah-iiis.org/?p=37811

بواسطةمصعب العتيبي

في عالمٍ يتقلَّب بين أزمات متلاحقة واصطفافات جيوسياسية متغيِّرة، اجتمع قادة الدول الصناعية الكُبرى في قمَّة مجموعة السبع (G7)، التي انعقدت في كاناناسكيس (ألبرتا – كندا)، ما بين 15 و17 يونيو 2025م، في لحظة دولية حرِجة، حيث تصدَّرت الخلافات بين القُوى الغربية المشهد، وتزاحمت الملفّات المعقَّدة على طاولة البحث؛ من الحرب الروسية-الأوكرانية، إلى التصعيد الإسرائيلي-الإيراني، وصولًا إلى توتُّر التجارة العالمية والمنافسة المتصاعِدة مع الصين. فأيّ مُخرَجات يمكن انتظارها من قمَّة اجتمع فيها الخصوم والشركاء في آنٍ واحد، حيث سيفكِّك هذا المقال قضايا القمَّة، ويبحث الخلفيات والخلافات التي تؤثِّر على نتائج القمَّة، كما يستعرض أهمّ التحوُّلات التي أحاطت بها، وانعكاساتها على بِنية المجموعة ومخرجاتها.

أولًا: سياق قمَّة يتّسِم بتوتًّرات حادَّة تحت قُبَّة واحدة

استضافت كندا أعمال القمَّة 51 للدول الصناعية السبع، التي عُقِدت ما بين 15 إلى 17 يونيو من 2025، بمشاركة الدول الأعضاء السبعة، بالإضافة إلى ممثِّلين من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والأُمم المتحدة والبنك الدولي. كما قام رئيس الوزراء الكندي مارك كارني بدعوة عددٍ من قيادات الدول غير العضو في المجموعة لهذه القمَّة كضيوف، من أبرز هذه الدعوات دعوة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، وقيادات دول أُخرى مثل أستراليا والبرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية، وكذلك تمَّت دعوة ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان آل سعود، ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ورئيس جمهورية إندونيسيا برابو سوبيناتو، إلى جانب الذين لم يستطيعوا تلبية هذه الدعوة دون إبداء الأسباب والمبرِّرات. وسبَقَ عقْد القمَّة اجتماع وزراء خارجية الدول الاعضاء في مارس، تلاه اجتماع وزراء المالية للدول الأعضاء، واختتمت بلقاء القادة في القمَّة الأخيرة في يونيو.

حيث تأتي هذه القمَّة في سياق العديد من المتغيِّرات الدولية التي طرأت؛ فما بعد القمَّة 50 للدول الصناعية السبع، التي أُقيمت في إيطاليا، والتي تمَّت فيها مناقشة عدد من القضايا المهمة، مثل الحرب الأوكرانية-الروسية، واندلاع الحرب في غزة، وأيضًا تنمية أفريقيا، والذكاء الاصطناعي والهجرة والمناخ، بيْد أنَّ تلك القمَّة السابقة اتّسمت بمُخرَجات فعلية تجسِّد التقارب في السياسات الخارجية، مثل الدعم الكامل لأوكرانيا، ودعْم وقْف إطلاق النار في غزة، وجعْل أفريقيا أولوية تنموية. وتجسِّد هذه المُخرَجات قدرًا أعلى من التوافق آنذاك بين كُلًّ من أفراد المجموعة والولايات المتحدة. إلّا أنَّ القمَّة الراهنة تمُرّ بعددٍ من المتغيِّرات والتحوُّلات، مثل وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسُلطة، وكذلك ظهور العديد من القضايا، التي تحمل إدارة ترامب فيها توجُّهات مختلفة عن أطراف المجموعة. وهذا ما ظهَرَ بشكل جلي في الأسابيع الأولى من استلام السُلطة، مثل التوتُّرات القائمة بين الولايات المتحدة الامريكية والدول الأعضاء حول إدارة الصراع الروسي-الأكراني، حيث أدَّت حدَّة الاختلاف والنبرة الموجَّهة من قِبَل الرئيس ترامب تجاه القُوى الأوروبية إلى توتُّرات عميقة في القمَّة، وإلى فشلِ نسبي في الوصول لتوافق حقيقي حول القضايا المُثارة، وكذلك التهديد الناجم عن العمليات العسكرية الإسرائيلية في إيران والضربات الصاروخية الإيرانية تجاه إسرائيل ومستقبل التصعيد عل المنطقة والعالم، بالإضافة إلى موجة التعريفات الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس ترامب على دول عديدة، بما فيها الدول الأوروبية وكندا (الدول ذات العضوية في المجموع)، وما أدَّت إليه من إبرام اتفاقية التعريفات الجمركية الصينية-الأمريكية، إلى جانب أثر مجموعة المتغيِّرات هذه على الاقتصاد العالمي والأمن والتجارة الدولية، كما أنّ محاولة الموازنة مع الصين فيما يتعلَّق بوجودها العسكري في المحيط الهادئ وعلى تخوم تايوان كانت محطّ نقاشٍ للقمَّة.

 وركَّزت أجندة القمَّة على ثلاثة مُستهدَفات رئيسية رسمية، وهي حماية مختلف المجتمعات حول العالم، وتحقيق أمن الطاقة، وتسهيل عملية الانتقال الرقمي، وتأمين الشراكات الاستراتيجية المستقبلية الممكنة، بينما الملفّات الرئيسية للنقاش والتباحث ارتكزت بشكلً واضح على إدارة التصعيد الإسرائيلي-الإيراني الراهن، وكيفية التعامل معه والوصول إلى تهدئة تمهِّد الطريق لاتفاق بين الأطراف، والحصار الإسرائيلي على غزة وهواجس الانتهاكات الإنسانية وبحث طُرُق تسهيل دخول المساعدات الإنسانية والأعمال الإغاثية، كما سلَّطت القمَّة الضوء على التطوُّرات الأخيرة في الحرب الروسية-الأوكرانية، وتأثيراتها على الأمن الأوروبي والأسواق العالمية، وإمكانية توحيد رأي أعضاء المجموعة لممارسة المزيد من الضغط السياسي والاقتصادي على روسيا فيما يتعلَّق بحربها على أوكرانيا.

ثانيًا: أجندة ناقصة وأولويات متضاربة

على الرغم من وحدة الصف الشكلي، التي حاولت أمريكا وأعضاء المجموعة أن يُظهِروها أمام الرأي العام تجاه القضايا المطروحة، إلّا أنَّ هناك خلافات جوهرية كان يصعب تجاوزها، وهذا ليس أمرًا جديدًا، حيث أنَّ إدارة ترامب في دورتها الأولى لم تكُن مقرَّبة من السياسات الأوروبية، فقد سبَقَ للرئيس الأمريكي إبداء عدم الاهتمام أو الاعتذار عن استكمال أنشطة القمَّة في دورتها الأولى، وكذلك في دورته الأخيرة قام بمغادرة القمَّة مبكِّرًا، حيث قِيل إنَّ سببها عقْد اجتماع أمني طارئ بشأن الوضع في الشرق الأوسط، ذلك عِوَضًا عن الاختلافات في التوجُّهات تجاه حصار غزة، واعتبار أمريكا للحصار على أنَّه حق دفاع شرعي لإسرائيل، كما يُوجَد اختلاف في وجهات النظر حول سُبُل إدارة الازمة الإسرائيلية-الإيرانية وعدم التوسُّع لحربٍ شاملة.

كما أنَّه قد برزت اختلافات في التوجُّهات تحديدًا في قمَّة مجموعة السبعة بين الولايات المتحدة والقُوى الأوروبية وكندا، حول الطريقة المُثلى للتعامل مع الحرب في أوكرانيا للحفاظ على الأمن الأوروبي واستقرار الأوضاع الاقتصادية، وذلك بعد تقلُّص التركيز على دعْم كييف سياسيًا وعسكريًا بسبب إرهاق القُوى الأوروبية من تبِعات الحرب، خاصَّةً مع رفْض ترامب فرْض عقوبات إضافية على موسكو، وانتهاجه نهج أقلّ حدَّة، كذلك يبرُز فيما بينهم تحدِّي اقتصادي يتمثَّل في التعريفات الجمركية، التي فرضتها إدارة ترامب، التي شكَّلت نقطة اختلاف بين الدول الأعضاء والولايات المتحدة؛ ما أدَّى انفراد التصوُّرات أمريكية عن توافقات المجموعة.

هذا الاختلاف الواسع في التوجُّهات السياسية والاقتصادية شكَّل تحدِّيًا في نجاح القمَّة، والخروج بمًخرَجات مشتركة فعلية، أو حتى تقريب وجهات النظر، لا سيّما أنَّ كل الأطراف تتمسَّك بتوجُّهها بعدم تقديم تنازلات، حيث يساوم كل طرف على قُدرته في إقناع الآخر بنظرته للملفّات المطروحة، ويتوقَّع أيّ طرف أن يُسلِّم الطرف الآخر بهذا التوجُّه، وبالتالي تظهر مجموعة من التحدِّيات، التي تواجه النظام الغربي، أبرزها الانقسامات الداخلية، وغياب رؤية موحَّدة، وهذا يهدِّد فاعلية المجموعة وقُدرتها على التنسيق في مرحلة شديدة الاضطراب.  

ثالثًا: انكشاف الانقسام وفقدان التأثير الجماعي

كشفت القمَّة الأخيرة عن قدرٍ كبير من الانشقاق والتصدُّع والانقسام البنيوي في المعسكر الغربي، وتحديدًا الدول الأعضاء، التي فشلت في تحقيق مُخرَجات فعلية، والخروج بتوافق حقيقي حول أبرز القضايا الدولية مثل الحرب الروسية-الأوكرانية، والعلاقات التجارية مع الصين، وأيضًا التصعيد الإسرائيلي-الإيراني. كما يتّضِح أنَّ الانقسام الأمريكي-الأوروبي-الكندي، خصوصًا في الملفّات الأمنية والاقتصادية، قد طغى على أعمال القمَّة؛ ما أدَّى إلى غياب مُخرَجات وقرارات حاسمة، وأضعف قُدرة المجموعة على الاستجابة للمتغيِّرات الدولية بصورة جماعية وموحَّدة، كما يتبيَّن تأثير الأوضاع الراهنة على الطابع الخاص بالقمَّة، حيث ساهمت التغييرات الأمنية والسياسية والاقتصادية الجديدة المتسارعة في الآونة الأخيرة بشكل كبير بانعقاد القمَّة في وضعٍ استثنائي، وبالتالي أفرزت وضعًا مغايرًا لطبيعة التجمُّع مقارنةً بالدورات الماضية للمجموعة، والذي يعتبر وضعًا غير تقليدي في ظل مستوياتٍ عالية من التوتُّر، حيث أنَّ تشظِّي أجندة القمَّة جعَلَ إمكانية توحيد الجهود على ملفٍ واحد ضئيلة؛ وأودى بأن تكون المباحثات والمحادثات سطحية وليست متعمِّقة.

ويُعتبَر غياب دول مهمَّة مثل قيادات المملكة العربية السعودية وإندونيسيا والإمارات العربية المتحدة عن الحضور، على الرغم من دعوتهم، فضلًا عن المغادرة المبكِّرة للرئيس الأمريكي، قد أفرز تراجعًا في مستوى تعدُّدية الحضور الرمزي والدولي، حيث فقدت القمَّة القدر الكبير من ثِقَلها وبُعدها العالمي، وأعاد التأكيد أنَّه منتدى محدود التعدُّدية التمثيلية أكثر من كونه منصَّة شاملة تواكب التحدِّيات الجيوسياسية التي تطرأ، وفي ظل تغليب كل دولة لمصالحها الوطنية باتت صلاحية المجموعة كمحور قيادة دولي محدودة.

الخلاصة

تُظهِر مجريات ومُخرَجات القمَّة، أنَّ مجموعة السبع وعلى الرغم من وزنها لاقتصادي والسياسي، قد واجهت أزمة بنيوية حقيقية غير مسبوقة على عكس القمم الماضية؛ فالخلاف الأمريكي-الأوروبي وتصاعُد الانقسامات في الملفّات الأمنية والتجارية، وغياب التنسيق تجاه أزمات أوكرانيا والشرق الأوسط، كشَفَ عن هشاشة «التوافق الغربي»، الذي لطالما مثَّل جوهر المجموعة. إذ فشلت القمَّة في إصدار قرارات استراتيجية موحَّدة، ولم تنجح في فرْض حضورها العالمي، في ظل غياب أطراف دولية فاعلة، بل ظهر واضحًا أنَّ المنصَّة الغربية لم تعُد بالقوَّة والاتّساق، الذي يسمح لها بتشكيل السياسات العالمية، كما كانت في السابق. وفي نهاية المطاف، بدت قمَّة مجموعة السبع للعام 2025م أقرب لكونها منتدى لتبادل رسائل سياسية معيَّنة، وليس قمَّة توافقات استراتيجية.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد

مصعب العتيبي
مصعب العتيبي
مساعد باحث