بهذه الجملة يصف النائب البرلماني شهاب نادري الوضع في تلك المدينة: “هناك 20 شخصًا انتحروا، وهذا العدد يزداد كل يوم. لقد وُلد أيضًا نحو 30 طفلًا في تلك المناطق، وهؤلاء الأطفال يعيشون ظروفًا صحية سيئة جدًّا. إنهم في عِداد الموتى”.
لا تقف مدينة كرمانشاه على خريطة السعادة منذ أيام طويلة، بقدر ما تستقرّ على خريطة التعاسة والمصير المجهول، خصوصًا بعد الزلزال الذي ضرب مفاصلها ليلًا وأسفر عن قتلى لا يقلّ عددهم عن 500 بريء، وما يتجاوز 6000 آلاف جريحٍ ومنهك.
مأساة هذه المدينة لا تنتهي عند هذا الحدّ، فبعد أن وعد النظام الإيراني بإنشاء ملاجئ سكنية للأُسر المنكوبة بشكل عاجل، ما زال الأهالي وحتى هذه اللحظة ينامون في العراء، في البرد، في الخوف الدائم، وفي أحسن أحوالهم ينامون في خيام متهالكة.
يقول البرلماني نادري في هذا الصدد: “حتى الآن هناك قرابة أربعة أشخاص ماتوا بسبب البرد”. ويكمل حزينًا: “إنّ الشعب لا يزال ينتظر تنفيذ تلك الوعود المتعلقة ببناء الملاجئ، دون أن يتحقق منها شيء. الانتظار صعب، وكل يوم يزداد سوءًا”!. زلزال كرمانشاه لا يكشف فقط عن قصص المأساة التي عاشتها تلك المدينة خلال الأيام والأشهر الماضية، بقدر ما يكشف أيضًا عن تراكمات هائلة من الفساد الحكومي، أبرزها “مشروع مساكن مهر”، التي أنشأتها حكومة نجاد قبل أن يقود روحاني سفينة الرئاسة. لهذه المساكن حكاية موجعة، أو بالأصح طوفان جارف من الدمار، إذ تداول الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي صورًا تشبه إلى حدٍّ كبير تلك الصور التي نراها في الكتب التي وثقت تاريخ الحروب والمقابر الجماعية، فجميعها والمقدَّرة بمليون ونصف مليون وحدة سكنية سقطت مع أول هزة، وبقي نجاد صاحب الفكرة والمشرف عليها هو الوحيد الذي نجا من كل ذلك الدمار. يقول رئيس قسم الزلازل في إيران، علي بيت إلهي: “سبب التدمير لم يكن قوة الهزة الأرضية كما ذكر مدير عام إدارة الطرق والبناء في كرمانشاه؛ لقد كان السبب الرئيسي هو ضَعف وهشاشة مواد البناء المستخدمة”.
والآن، بل قبل الآن، يصرخ أغلب الضحايا في تلك المدينة: “نريد خيامًا، نريد دواءً، إننا نموت ببطء”… هذا ما روته “bbc”. وهو ما يعني أن الحكومة لم تكن صادقة على الإطلاق إبان تلك الفترة حين قالت: “لقد قمنا ببناء المشروع وتسليم الوحدات بأحدث المعايير العالمية، وبإمكانيات كاملة”! ولْتبقَ كرمانشاه رغم كل ذلك.. رغم الدمار.. رغم النكبات المتتالية.. رغم البرد والعراء.. “المدينة الصامدة رغم كل الخراب”.