منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم مع إيران وفرضها إستراتيجية “أقصى الضغوط”، تدهورت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية سريعًا في إيران وواجهت البلاد أزمات أخرى عديدة.
ثم جاء فيروس كورونا ليضيف أزمة أخرى إلى أزمات إيران، إذ مرّت البلاد خلال الأسابيع القليلة الماضية بفترة عصيبة زادت كرب شعبها، وفي ظل هذه الظروف مدّ بعض دول الخليج يد العون إلى إيران وأرسلت مساعدات لدعمها في مواجهة فيروس كورونا الذي تَفشَّى سريعًا فيما كانت طهران مشغولة بمواجهة أزماتٍ غير مسبوقة، إحداها السخط الشعبي حيال الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة منذ أواخر العام الماضي، الذي ردّت عليه الحكومة بحملات قمع عنيفة أسفرت عن سلسلة طويلة من عمليات القتل والاعتقال، كما أن الفيروس انتشر في فترةٍ كانت الحكومة الإيرانية فيها تفكّر في كيفية الخلاص من العقوبات الأمريكية التي تشدّ الخناق عليها وتحاول تجاوز فُجاءة اغتيال سليماني التي ستؤثّر على مخططاتها الإقليمية.
إن الحكومة الإيرانية في وضع لم تمرّ به ولا تعرف كيف تتعامل معه، فقد دأبت على استخدام مهارتها في تسييس كل ما مرّت به من أزمات وصرف انتباه الرأي العامّ عن الواقع بهدف حفظ شرعيتها المتآكلة، غير أن تفشي فيروس كورونا قد خلق مشكلة حقيقية أمام الحكومة الإيرانية التي لم تنجح هذه المرة في إيجاد ردٍّ مناسب على هذه الأزمة، إذ كشف فيروس كورونا بوضوح عن عمق الأزمة التي تواجهها إيران، مما قاد إلى فشل جهود النظام الإيراني في تبرير أزمة كورونا بمحض ادّعاءات أو نظريات مؤامرة أو البروباغندا.
وإذا ما أمعن النظام الإيراني النظر في ما يمرّ به من أزمة -أو أزمات بتعبيرٍ أصحّ- فلن يجد فرصة أفضل من الحالية ليخرج من دوامة مشكلاته في حال أعاد التفكير في سياساته وسلوكه في الداخل والخارج، فليس من المنطق أن تساعد دول العالم إيران على تجاوز أزمة كورونا فيما تُصِرّ طهران على مواصلة سياساتها الإقليمية العدائية، وليس من المنطق أيضًا أن تغلق دول العالم حدودها بهدف احتواء فيروس كورونا فيما يواصل النظام الإيراني إرسال مقاتليه ووكلائه إلى جميع أنحاء المنطقة بهدف المشاركة في الصراعات ونشر الطائفية والبغضاء تحت ستار “تصدير الثورة”.
وفي غمرة ما تعانيه إيران بسبب أزمة كورونا، ينبغي الوقوف على حقيقة أن دول العالم جمعاء -بما فيها جيران إيران في الخليج- ترغب في مساعدة إيران لتخطِّي هذه الأزمة، لذا قدّمت الكويت والإمارات -بما يتفق مع مبادئ التعاون وحسن الجوار التي تلتزمها هذه الدول- مساعدات لإيران.
ولكن ينبغي للنظام الإيراني أن يساعد نفسه أيضًا وأن يستوعب أن أي سياسة أو خطّة لا تحظى بالتأييد الشعبي ستفشل في نهاية المطاف، وأن أي خطوة ترمي إلى تصدير العداء إلى العالم ستفشل أيضًا، فالأربعون عامًا الماضية أثبتت أن النظام الإيراني اختار حصر نفسه في زاوية ضيقة وعزل شعبه في نهجٍ رجعي مختلف.
إن مقتل سليماني فرصة ممتازة للنظام الإيراني ليراجع سلوكه، وأزمة كورونا فرصة لإيران لتمدّ يد الصداقة إلى جميع جيرانها وتثبت حسن نيّتها واستعدادها للتعاون معهم، وسيؤيّد الشعب الإيراني حكومته في اتباع سياسةٍ تتّسم بالإيجابية والتعاون مع دول الجوار، بل ستعيد هذه الخطوة بناء شرعية الحكومة الإيرانية عند شعبها، فلم تعُد سياسة النظام الإيراني المعتادة القائمة على التلاعب والخداع منطقية أو مقبولة، ولا سيما في الظروف الراهنة، كما أن عديدًا من دول المنطقة يعاني -بسبب التدخل الإيراني- أوضاعًا سياسية هشّة جعلت تلك الدول غير قادرة على مواجهة فيروس كورونا، ولأن المجتمع الدولي يتوقع من إيران تغيير سلوكها ولأن انتشار الوباء على الصعيد العالمي يُعَدّ فرصة مناسبة لإيران لتخرج من عزلتها وتبني علاقات تساعدها في مواجهة هذا الفيروس الذي يهدّد البشرية، فإن عليها أن تُقدِم على تلك الخطوة.
وبخلاف ما تنشره بروباغندا الإعلام الإيراني فلا تريد دول العالم إسقاط النظام الإيراني، ولا يعترض أيٌّ منها على مكانة إيران كدولة طبيعية في المنطقة، ويتعيَّن على قادة إيران أن لا ينظروا إلى العالم بمنظورٍ آيديولوجي ضيّق الأفق يخلق تصوُّرًا مختلفًا عن الواقع ويملي عليهم سياساتٍ لم تنجح في إدماج بلادهم في المنطقة.
ويعكس تقديم دول الخليج المساعدة إلى إيران حرصها على أن يستطيع الشعب الإيراني مواجهة كورونا، لذا مدّت يد العون إلى النظام الإيراني على الرغم من كل تجاوزاته وتصرُّفاته وسياساته العدوانية.
ويُنتظر من إيران في المقابل أن تُبدِي حسن نيتها وتفطن أن حلّ أزمتها يكمن في ترميم علاقاتٍ تقوم على أسس التعاون وحسن الجوار والاحترام المتبادل وكفّ العداء مع جيرانها، ومن شأن أي تغيُّر إيجابي في السلوك الإيراني أن يخدم مصالح المنطقة الحيوية ومصالح إيران تحديدًا، ولا سيما في ظلّ الأزمات واسعة النطاق التي يواجهها نظامها داخليًّا وخارجيًّا، وفي مقدمتها حاليًّا أزمة كورونا التي تُنذِر بتقويضٍ أكبرَ لشرعية النظام الإيراني، وربما سقوطه، ما لم يتدارك الأزمة.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد