في الثامن عشر من سبتمبر 2016 صرَّح خامنئي خلال لقائه وقادة الحرس الثوري قائلًا: “أنا لستُ قلقًا إزاء المستقبل، وأعتقد أن مستقبل الدولة، بتوفيق من الله، سيكون أفضل بكثير من حالها الآن”.
بعد يومين، أي في 20 سبتمبر 2016، الذي تزامن مع ما يسمى “عيد الغدير”، كرَّر خامنئي مزاعمه ذاتها، موضِّحًا أسباب أمله في مستقبل أفضل بقوله: “إن أعداد الشباب الذين يعملون على إحياء الإسلام في هذا البلد تتزايد يومًا تلو آخَر ولله الحمد، وهم أنفسهم مَن سيُخضِعون بحول الله وقدرته الأعداء، ومنهم أمريكا والصهاينة، وسبب تكراري في خطاباتي المختلفة فكرة الأمل بالمستقبل هو أنني أشاهدها على أرض الواقع، لدينا كثير من الحقائق الجيدة التي بإمكانها أن تُسهِم في تقدُّمنا، وأن تكون رائدة تحرُّك للمجتمع. إنّ الشباب الجيّد المؤمن المستعدّ الذي يبكي حُرقَة من أجل السماح له بالدفاع عن بلده ودينه أعداده كثيرة، ونحن لا نتحدث هنا عن عشرات ومئات، بل عن كثيرين، وهذا هو الدافع الذي سينقذ البلاد، والذي يجب العمل على تقويته”.
والآن لنُلْقِ نظرة على مزاعم خامنئي:
1- في إيران آلاف أو مئات آلاف من الشباب المستعدّ للشهادة.
2- بإمكان هؤلاء الشباب إخضاع أمريكا وإسرائيل.
3- ليس فقط لا يوجد أي قلق إزاء المستقبل، بل إن مستقبل البلاد سيكون أفضل بكثير مِمَّا هي عليه الآن.
لنفترض أن الادِّعاءَين الأول والثاني كانا صحيحين، فكيف يمكن الوصول إلى الاستنتاج الثالث من خلال المقدمتين السابقتين؟
لنفترض أن مجموعة من الأحداث المتعمَّدة وغير المتعمَّدة أدَّت إلى نشوب حرب بين إيران وإسرائيل، التي بطبيعة الحال ستفرض على أمريكا خوضها، وفقًا للقرارات التي أقرّها الكونغرس الأمريكي، ولنفترض أنّ بإمكان إيران توجيه ضربات حقيقية إلى إسرائيل، فلن تتردد الحكومة الإسرائيلية حينها في استخدام ترسانتها النووية.
لنفترض أنهم لن يستخدموا أسلحتهم النووية، لكن بإمكان أمريكا وإسرائيل تبديل إيران إلى سوريا ثانية.
لنفترض أن مئات آلاف الشباب الإيراني استُشهدوا في هذه الحرب، ولم تتمكن أمريكا وإسرائيل من الانتصار، لكن إيران التي تحولت إلى سوريا ثانية، بالتأكيد، لن تكون “أفضل بكثير من إيران اليوم”.
» كيف يمكن لخامنئي أن يرتاح باله؟
الحقيقة أن خامنئي قلِق بشدة، لو لم يكُن كذلك لَمَا كان للحديث، مرارًا وتكرارًا، عن “العمالة” و”العملاء” أيّ معنًى، ولَمَا أمكن تحويل هذه المزاعم المذكورة إلى أدوات تبرِّر القمع الداخلي. ما زلنا نذكر الاجتماع الخاصّ لخامنئي وأعضاء مجمع مدرّسي الحوزة في قم، الذين وَجَّهوا انتقادات إلى أحمدي نجاد بسبب تصريحاته حول إيران، والإسلام، والتشيُّع، والحجاب، قال لهم خامنئي آنذاك إن هذه الأمور ليست حقيقية، وذكَّرهم أنه حين كان يتوجَّه أعضاء حكومة رفسنجاني وحكومة خاتمي إلى الخارج من أجل التفاوض كان يقلق من حدوث تهاون أو خيانة، لكنه لم يقلق بهذا الخصوص في عهد أحمدي نجاد، بل كان مرتاح البال.
لكنّ حكومة روحاني، بهذا الشأن، غيَّرَت حال خامنئي بشكل كامل، فقد كان روحاني يتحدث مع أوباما هاتفيًّا، وتفاوض جون كيري مع ظريف مئات المرات وجهًا لوجه أو عبر الهاتف، بل تم الاتفاق النووي بعد تجاوز كثير من خطوط خامنئي الحمراء، ومع ذلك فأساس العقوبات التي أقرها الكونغرس الأمريكي يشير إلى أنّ إيران ما زالت تعاني عقوبات أساسية.
مع ذلك، صرّح روحاني بأن “نموذج الاتفاق النووي” كان سببًا للتفاوض المباشر مع أمريكا في مجالات أخرى متنازَع حولها، وواجهت هذه التصريحات ردود أفعال مباشرة من خامنئي، وقادة الحرس الثوري، و”فقهاء البلاط”، وغيرهم.
إن سوء الظنّ بحسن روحاني كبير، يقول بعض المطّلعين إن فلاديمير بوتين قال لقاسم سليماني إنّ روحاني جاسوس لبريطانيا، لهذا جرى التنسيق مباشرة مع سليماني بعد موافقة خامنئي من أجل استخدام المقاتلات الروسية لمطار همدان العسكري، بينما علمت حكومة روحاني بالأمر لاحقًا.
إن سياسة خامنئي بخصوص “المولاة لروسيا” تواجه السياسة التي تتبناها حكومة روحاني في تحسين العلاقات مع الغرب، لذا حاول خامنئي والمحافظون في البداية، أن يجبروا حسن روحاني على صرف النظر عن الترشّح لانتخابات الرئاسة للمرة الثانية، وذلك بخلقهم جوّ “العمالة”، و”القائمة البريطانية”، واعتقال الأفراد بتهمة العمالة، ومعارضة سفر المسؤولين والمواطنين الغربيين إلى إيران على أنهم عملاء، والحيلولة دون تحقيق الوعود الانتخابية، وغير ذلك.
لكن الكلام الكثير جعل حسن روحاني يتخلى عن ترديده، وقد أعلن الآن أنه ينوي الترشّح للانتخابات. بعد اتضاح هذه المسألة، تنتشر الآن إشاعات كثيرة مفادها وجود احتمال كبير لرفض أهلية حسن روحاني من خلال مجلس صيانة الدستور، ففضلًا عن وجهات النظر، وأداء روحاني خلال الفترة الرئاسية الأولى، يُعتبر شقيقه فريدون روحاني، أكبر نقاط ضعفه. في الحقيقة ليس واضحًا لماذا وقف حسن روحاني إلى جانب شقيقه وأبقاه إلى جانبه في الحكومة؛ هل كان يتوجب على حسن روحاني التضحية بالمصالح الوطنية ومصلحة الدولة من أجل شقيقه؟ المهمّ هو وجود دولة قوية، وفاعلة، ومتخصصة، وشابَّة، بإمكانها إنقاذ البلاد من هذا الوضع البائس، وأن لا تسمح لإيران بالتورّط في حرب إقليمية، مع السعودية وحلفائها على سبيل المثال.
إن راحة بال خامنئي ستتحقَّق عندما تقع الدولة بأكملها تحت سيطرة القوات الثورية، أي حزب الله والحرس الثوري وقوات الباسيج، وغيرهم. لقد اتخذ التدابير من أجل إحلال “قوة ثورية” مكانه، أذكر هنا على سبيل المثال إبراهيم رئيسي الذي لا تزال يداه ملطختين بدماء آلاف الأفراد. ويرغب خامنئي أن يؤول منصب رئاسة الجمهورية كذلك إلى إحدى القوى الثورية، لكن إذا تَنافَس روحاني مع أحد الثوريين الذين يزكِّيهم خامنئي، فإن روحاني سيكون المنتصر.
منذ بضع سنوات حوّل خامنئي وأنصاره الجوّ إلى “ثنائي الأقطاب” بشكل كبير، ومن وجهة نظرهم تكمن الثنائية القطبية في القوات الثورية والقوات المضادَّة للثورة اللتين تفصلهما فجوة كبيرة، فإحداهما هي القوات التي تدافع عن استقلال الدولة، والأخرى هي القوات العميلة التابعة للأجانب. نتيجة هذه الثنائية في الاستقطاب ستعود عليهم بالضرر الكامل، لأن خامنئي والحرس الثوري وفقهاء البلاط حوّلوا، مسبقًا، الانتخابات المقبلة إلى قطبَي “الموالين لروسيا” و”الموالين للغرب”.
إنهم يعتبرون خامنئي رمز الثبات والمقاومة في مواجهة الغرب، واتهموا -ويتهمون- المنافسين بخيانة الدولة والثورة.
في التاسع عشر من سبتمبر 2016 تحدث الجنرال قاسم سليماني عن اللقاء الذي جرى بين فلاديمير بوتين وخامنئي، يقول سليماني: “حين قابلت إحدى شخصيات العالم المهمة، التي تدّعي أنها قوة عظمى، خامنئي، ذكَرَت أنها قد أدركت السبب وراء مقاومة إيران حتى الآن مع وجود كلّ هذه المشكلات”.
يقول سليماني إن الاتحاد في مواجهة العدوّ، أمريكا، أهمّ من أي شيء آخَر في هذه المعركة، لا يمكن لإيران أن تكون ثنائية الصوت، ولا أن تَعتَبر بعض الجماعات الأعداء صديقًا، إن اعتَبَر بعضُ المسؤولين العدوَّ من الأصدقاء فهذا يُعتبر “خيانة”، يجب عدم توريط الناس في قضايا لا تشمل ولو نصفًا في المئة من الشعب، إن فعل بعض المسؤولين ذلك وشجّعهم بعض الأفراد، “فمثل هذا العمل يُعتبر خيانة”.
» الحرب على جبهتين مهمَّتين
يمكن متابعة الحرب على جبهتين مهمتين في نفس الوقت:
الأولى: مَن الذي سيَخلُف خامنئي؟
لقد صمَّم خامنئي مجلس الخبراء من خلال مجلس صيانة الدستور، ومن خلال التزوير، بحيث يتمكن من تعيين خليفته الذي يريده هو. لقد تمكن خامنئي من خلال التزوير أن يوصل أحمد جنتي إلى مجلس الخبراء، وأن يُجلِسه على كرسي رئاسته، لكن الواقع لن يتبع رغبات وأمنيات خامنئي بالكامل، فالتكهُّنات حول زمن موت خامنئي، ومن سيكون رئيسًا للجمهورية، وأين ستتجه بُوصْلَة التطوُّرات العالمية والإقليمية، ومتى سيموت أحمد جنتي، وغير ذلك، ستؤثر في تعيين ولي الفقيه القادم.
الثانية: من سيكون الرئيس القادم للجمهورية؟
لقد أسقط خامنئي أحمدي نجاد بلقاءٍ وقليل من الدعاية الإخبارية، لكن الوضع أصعب في ما يخصّ حسن روحاني، فلو كان القرار رفض أهلية حسن روحاني من خلال مجلس صيانة الدستور، عندها يجب على خامنئي وقواته الاستعداد لدفع الثمن، وإن لم ترفض أهلية حسن روحاني، فمهما كان الوضع الاقتصادي سيئًا (عشرات الملايين تحت خط الفقر، وملايين العاطلين عن العمل، والركود الاقتصادي الذي تعاني منه الدولة التي لم تصل بعد إلى مرحلة النموّ الاقتصادي المرتفع الثابت، وغير ذلك) فسوف ينتصر على مرشَّح حزب الله الثوري الموالي للرُّوس.
لقد حوَّل خامنئي، عن غير قصد، قطبَي “الثوريين” و”معارضي الثورة” إلى فجوة تفصل بين الموالين للرُّوس والموالين للغرب. إن السياسة الإقليمية والعالمية التي انتهجها -وينتهجها- خامنئي ستعمِّق، بشكل يوميًّ، أزمة الفجوة بين القطبين خلال الأشهر التسعة المتبقية على الانتخابات الرئاسية.
مادة مترجمة عن راديو فردا