بناءً على تقرير معهد “بازل” للحوكمة في سويسرا للعام الحالي (2017)، الذي يحقّق في جرائم غسل الأموال ومحاربة الإرهاب، احتلّت إيران للسنة الرابعة على التوالي المرتبة الأولى من بين 146 دولة جرى التحقيق معها بخصوص جرائم غسل الأموال، وجاء في تقرير هذه المؤسَّسة الدولية، أنّ إيران احتلت خلال 2014-2017 ميلاديًّا المرتبة الأولى عالَميًّا، باستثناء عام 2013، إذ احتلّت إيران المرتبة الثانية بعد أفغانستان، كما جاء في التقرير أن أفغانستان وغينيا بيساو وطاجيكستان ولاوس وموزمبيق ومالي وأوغندا وكمبوديا وتنزانيا جاءت بعد إيران في المراتب من الثانية حتى العاشرة من حيث الدول الأكثر مخاطرة في غسل الأموال.
ويُعتبر “المال القذر” ناتجًا عن المعاملات غير القانونية مثل التهريب والاختلاس، ولا يخضع للرقابة المالية والقانونية، ومن أجل استخدامه ضمن الأُطر الاقتصادية بشكل قانوني يجب أولًا أن يدخل ويُستعمل في المنظومة البنكية بشكل رسميّ وهذه العملية، أي إدخال الأموال الناتجة عن معاملات غامضة وغير قانونية إلى إطار المعاملات الرسميَّة، بغسل الأموال، ولغسل الأموال أسلوب معيَّن، وله مصادر ومراحل مختلفة، وتستلزم هذه الجريمة وجود مصادر من قبيل تهريب البضائع على نطاق واسع، والاختلاس، والعمليات المالية في القطاع الغامض من الاقتصاد، فضلًا عن وجود نظام مالي غير فاعل، ونظام مصرفيّ فاسد، إلى جانب انعدام النزاهة وعدم تَحمُّل المؤسَّسات الحكومية والخاصَّة المسؤولية، والقوانين غير المناسبة، وفساد مؤسَّسات الرقابة، وجميعها متوافرة في إيران.
مصادر “المال القذر” المُهِمَّة في إيران
تُعتبر إيران لأسباب عديدة من الدول التي يُعتبر فيها معدَّل جرائم غسل الأموال مرتفعًا، السبب الأول وجود مصادر كثيرة ومتنوعة للأموال القذرة، ومنها التهريب إلى الداخل والخارج، لكن للأسف لا توجد إحصائيات مُقنِعة حول تهريب البضائع في إيران، بل لا ينسجم ما هو منشور منها بعضه مع بعض، فبناءً على الأرقام المنشورة في عام 2013 وصل رقم التهريب للخارج إلى 7,8 مليار دولار، وانخفض هذا الرقم خلال السنوات التالية، ووصل خلال 2016 إلى نصف مليار دولار، وبناء على هذه الإحصائيات فإن التهريب إلى داخل الدولة انخفض من 17,2 مليار دولار في عام 2013 إلى 12,1 مليار دولار في عام 2016، وبناء على ما يزعمه المسؤولون في الدولة فإن مجموع التهريب من الداخل إلى الخارج وبالعكس خلال السنوات المذكورة انخفض من 25 مليار دولار إلى 12,6 مليار دولار، وهذا الرقم يشير إلى نسبة مقدارها 50%.
لكن ليس جميع مسؤولي النِّظام يقبلون بهذه الإحصائيات، فعلى سبيل المثال صرّح مدَّعي عامّ إيران محمد جعفر منتظري، بخصوص الفشل في محاربة التهريب والغموض في إحصائياته، مشيرًا إلى أداء مقرات محاربة المخدرات وتهريب البضائع والعملة الصعبة، بقوله:” أنا لا أقول إنهم لا يعملون، لأن ذلك ليس إنصافًا، لكن ما النتيجة التي قدّمها هذا المقرّ الذي يرأسه رئيس الجمهورية، ويجلس فيه أعضاء مُهِمُّون؟ هذا الأمر يشير إلى خللٌ ما، في حين نتستَّر أحيانًا على بعض الأمور، ويجامل بعضنا بعضًا، وهذا أمرٌ يضرُّ بالدولة”، وأضاف منتظري: “بناءً على آخر الإحصائيات يُعتبر وضع محاربة الإرهاب كارثيًّا، ففي عام 2016 ضبطنا من البضائع المهربة ما قيمته 18 ألف مليار تومان (5 مليارات دولار تقريبًا)”.
وأبدى منتظري قلقه من الإحصائيات التي ينشرها مقرّ محاربة تهريب البضائع والعملة قائلًا: “يحاول البعض التستّر على إحصائيات تهريب البضائع الحقيقية، وتقديم إحصائيات غير حقيقية. لدينا مضبوطات من البضائع المهرّبة بقيمة 18 ألف مليار تومان، لكننا لا نعلم حجم ما لم يُضبَط”.
لكنّ مصادر المال القذر لا تقتصر على التهريب، فإيران من الدول التي لها قطاع اقتصادي غير رسميّ واسع جدًّا، وهذا القطاع من الاقتصاد لا يخضع لمظلة النِّظام المالي، وغير مسؤول، ولا يتمتع بالنزاهة.
النِّظام المصرفيّ الفاسد
إن شرط دخول المال القذر إلى منظومة الاقتصاد المالية هو وجود نظام مصرفيّ فاسد وغير نزيه وغير مسؤول، وفي إيران يُعتبر الجزء الجدير بالاهتمام من النِّظام المصرفي حكوميًّا، وهناك جزء تملكه وتديره مؤسَّسات مثل الحرس الثوري والأجهزة الأمنية، وجزء يملكه ما يُسَمَّى “القطاع الخاصّ”، وهو تقريبًا تحت تأثير القطاعين الأولين، ومن الطبيعي توزيع المصادر المالية بشكل أساسي ضمن إطار العلاقات بين عصابات السُّلْطة والثروة، هذه العصابات التي تشكّل أقلّيَّة مالية في إيران، إذ يقول أكبر تركان، مستشار الرئيس روحاني، منتقدًا النِّظام المصرفيّ في إيران بشدة: “إذا قارَنَّا الأنظمة الإدارية لإيران بالدول الصناعية، فإننا نملك النِّظام المصرفيّ الأكثر تَخَلُّفًا، وتفصل بيننا وبين العالَم مسافة كبيرة”.
القوانين غير المناسبة
بشكل عامّ تُوجَد علاقة مباشرة بين التشريع الفاشل ومعدّلات غسل الأموال، وعدم فاعلية القوانين الاقتصادية مثل قانون التجارة والقوانين المالية والمدنية في إيران، ويُعتبر ذلك أحد المحفّزات الحقيقية على غسل الأموال، وبمقارنة بسيطة بين القوانين الاقتصادية في إيران والدول المتقدّمة يتضح لنا أن القوانين في إيران مقيِّدة، وناقصة في نفس الوقت، وتجعل ممارسة النشاط الاقتصادي السّليم أمرًا صعبًا للغاية، ولا تُسهم في فاعليته ونزاهته، ويُعتبر الفقه الشيعي وفتاوى الفقهاء ونظرتهم الفقهية التي تحصّلت على مرّ القرون وكانت نتيجة لفهم فقهاء العصور الغابرة عن الحياة في مرحلة ما قبل الحداثة، المصدر الأساسي للقوانين في إيران، وهذه المصادر لا تنسجم مع العلاقات الاقتصادية والاجتماعية اليوم، ولا يمكنها أن تضمن نزاهة النِّظام الاقتصادي والمالي والائتماني.
المؤسَّسات الرقابية الفاسدة
حسب ما يصرّح به مسؤولو النِّظام في إيران، فقد وصل الفساد إلى مراحل متقدمة، أي إنه أصبح فسادًا مؤسَّسيًّا ومنهجيًّا، لذا لا يمكن لمؤسَّسات رقابية داخلية مثل السُّلْطة القضائيَّة، الملوّثة ذاتها بالفساد، أن تفرض رقابتها وسيطرتها على الفساد وتحدّ منه، وأهَمّ مسبب لهذا الفساد الاقتصادي والإداري هو عدم الوضوح في النِّظام الإداري والحكومي وعجزه عن تلبية ما يتطلبه الوضع، فضلًا عن قمع النِّظام للإعلام والمجتمع المدني المستقل.
مادَّة مترجمة عن موقع “راديو فردا”
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز