في إشارة تبدو تقدُّمًا في محادثات فيينا، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في 4 فبراير 2022م عن قرارها لرفع بعض العقوبات المفروضة على برنامج إيران النووي في مايو 2020م.
أما الهدف من إعلان الولايات المتحدة عن رفع العقوبات جاء لاستعادة ثقة طهران في محادثات فيينا، إذ يرى عديد من المراقبين في الشأن الإيراني أن الخطوة الأخيرة، التي قام بها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قبل مغادرته الرئاسة لم تكن فعالة في كبح طموحات إيران النووية، بل كانت لإعاقة خليفته جو بايدن من إحياء الاتفاق النووي. ويعيد القرار الأمريكي فرض رقابة أجنبية أكبر على المواقع النووية الإيرانية، إلى جانب فتح الطريق أمام طهران للتخلص من المواد/الأجزاء، التي تتجاوز التزاماتها في خطة العمل المشتركة الشاملة.
ونقلًا عن مسؤول رفيع في وزارة الخارجية قوله: «في غياب هذا التنازل عن العقوبات، لا يمكن إجراء مناقشات فنية مفصلة مع أطراف ثالثة، بشأن التخلص من المخزونات وأنشطة أخرى ذات قيمة لحظر الانتشار». نتيجةً لذلك، تستطيع الآن روسيا والصين والدول الأوروبية استئناف العمل في محطة آراك للمياه الثقيلة ومحطة بوشهر.
وكما هو متوقع، قلَّلت طهران من أهمية هذا التنازل الأمريكي، وذلك على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، حين قال: «الجميع يعرف أن هذا غير كافٍ»، وأضاف: «لا يؤثر هذا الإجراء على الوضع الاقتصادي الإيراني»، وطالب: «يجب على الحكومة المسؤولة (في إشارةٍ إلى الولايات المتحدة)، العودة للاتفاق والوفاء بالتزاماتها».
وقبل رفع العقوبات جزئيًا عن برنامج إيران النووي، خفَّفت واشنطن من ضغوطها على طهران، لكن بصورة ضئيلة جدًا، إذ سمحت في يناير لكوريا الجنوبية بإرسال 63 مليون دولار لإيران؛ لتتمكن من دفع مستحقات الأمم المتحدة، التي عُلِّق على أثرها حق إيران في التصويت. إلا أن المبلغ سيُرَسل مباشرةً إلى الأمم المتحدة؛ لذا لن تتمكن طهران من إعادة تدوير هذه المبلغ لأي غاياتٍ أخرى. ولن تحصل إيران على 6.3 مليار دولار المتبقية لها في سيول؛ حتى تسمح واشنطن بذلك مرةً أخرى، وهذا لن يحدث قبل إحياء الاتفاق النووي.
وبدلًا من الإعلان عن أي خطوات متبادلة، مثل التراجع عن تجاوزاتها النووية، استمرت طهران في تقييد وصول مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمواقع النووية. وأثارت قرارات بايدن بشأن إيران مخاوف في الداخل الأمريكي، إذ استقال على أثرها في يناير نائب المبعوث الخاص للمفاوضات ريتشارد نيفو مع عضويين آخرين في فريق التفاوض. الجدير بالذكر هنا، أن مخاوفهم تنبع من تقييم واشنطن لصعوبة تمديد وقت الاختراق النووي الإيراني. وتشير الانقسامات في فريق التفاوض الأمريكي إلى حالة شد الحبل بين فريق يسعى للوصول لاتفاق منقح وصارم وأوسع نطاقًا مع إيران، مقابل فريق آخر يسعى إلى إحياء الاتفاق النووي؛ لكبح إيران من إحراز مزيد من التقدم في قدرتها النووية. وإذا أعيد إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، فستستمر القيود الرئيسية على برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني حتى عام 2031م، وبعد ذلك لن تُقيَّد خيارات إيران النووية.
وتعمل الولايات المتحدة على أساس الموعد النهائي، الذي حدَّدته بنفسها في 7 مارس، عندما يجتمع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وإذا تمكنت الأطراف بحلول ذلك الوقت من إبرام اتفاق، فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستعود إلى دورها الإضافي المنصوص عليه في الاتفاق النووي.
وصرَّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: «كما قلنا، أمامنا أسابيع قليلة فقط للتوصل إلى تفاهم، وإلا فإن وتيرة التقدم الذي ستبلغها إيران في برنامجها النووي ستجعل العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) مستحيلة».
وبمجرد التوصل إلى اتفاق جديد، سيُطلَب من إيران اتخاذ خطوات محددة لتفكيك أو تدمير أو إغلاق مخزونها من اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي، ونقل اليورانيوم عالي التخصيب في الخارج إلى الدول المفوَّضة من خطة العمل المشتركة الشاملة، مثل روسيا.
وفي حال تحقَّقت المخاوف المحيطة بضبابية قدرات إيران النووية، هذا من شأنه أن يفضي لأسوأ السيناريوهات، إذ تختلف تقديرات زمن الاختراق الحالي لإيران، من بضعة أسابيع إلى ستة أشهر. وحتى لو تمكنت طهران من تخزين ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة، فلن تكون قادرةً على تصنيع رأسٍ حربيٍ نووي في فترة قصيرة.
وعلى الرغم من أن تخفيف العقوبات أقل أهمية مما تبدو عليه، إلا أن إلحاح الرئيس بايدن يربك جيران إيران، والساحة الإستراتيجية والسياسية. ولتعزيز الثقة بإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، يجب معاجلة مجموعة من القضايا، وهي: كيف يمكن لتخفيف العقوبات أن يساعد أو يجبر إيران للتفاوض لإبرام اتفاق نووي جديد أو العودة لاتفاق السابق (خطة العمل الشاملة المشتركة)؟ وهل بفرض واشنطن مهلة قصيرة لإحياء الاتفاق النووي -مع رفع العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس السابق ترامب- تشجع إيران للمضي قُدُمًا في سلوكها التدميري في جوارها الإقليمي؟ وكيف ستسترضي إدارة بايدن حلفائها الإقليميين الساعين إلى صفقة أكثر صرامةً بدلًا من إحياء الاتفاقية السابقة المشوبة بالعيوب، التي وافق عليها الرئيس باراك أوباما في 2015م؟