استمرّت الأخبار المتضاربة بشأن حجب النظام الإيراني لتطبيق المراسلة «تليغرام»، منذ بداية عام 2018، إلى أن أعلن المسؤولون الإيرانيون عن حجبه فعليًّا بنهاية أبريل الجاري.
وفي مطلع الشهر الحالي أعلن علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني بأنه: »سيتم حجب تطبيق (تليغرام) لدواعٍ أمنية، واستبداله بتطبيقات مراسلة محلية «.
دافع بروجردي عن الحجب قائلًا: «إنّ المعلومات التي يتبادلها الإيرانيون عبر (تليغرام) غير آمنة، وتتجسس عليها حكومة بريطانيا وإسرائيل»، ودعا في نهاية حديثه مع إحدى المحطات الإذاعية المحلية الإيرانيين إلى «الوثوق في تطبيقات المراسلة المحلية التي يتوفر بها عوامل الأمن وحفظ البيانات الشخصية«.
تطبيق “سروش” كبديل
منذ فترة طرحت الحكومة الإيرانية تطبيق مراسلة محليًّا بديلًا عن “تيلغرام” يسمى “سروش”، ووصل عدد مستخدميه إلى الآن نحو 3 ملايين مستخدم، بينما عدد مستخدمي «تليغرام« في إيران يتجاوز الـ40 مليون مستخدم، وهو ما جعل حسين وحيد أحد مهندسي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في إيران يقول عن تطبيق “سروش”: «أعتقد أن مستخدمي التطبيق هم فقط أبناء الحكومة، فمن غير المتوقع أن يثق أي إيراني في تطبيق محلي، فبالتأكيد يكون مراقبًا، ناهيك بأن هذا التطبيق تم اختراقه منذ عدة أيام».
وكان عضو البرلمان عبد الكريم حسن زاده قد صرح بأن الايرانيين لا يثقون إطلاقًا في التطبيقات المحلية، إذ قال: «لا يوجد أي ضمانات أمان طُرحت من الحكومة كي تجعل الإيرانيين يثقون في هذا التطبيق المحلي».
لماذا هذا التطبيق تحديدًا؟
https://www.youtube.com/watch?v=Gs_MNJ9mRaA
منذ ظهور منصات إعلامية جديدة مثل مواقع التواصل الاجتماعي، والدور الذي لعبته في إحداث الحركة الخضراء عام 2009 (المظاهرات المناهضة بعد فوز أحمدي نجاد بولاية رئاسية ثانية)، وما توفره تلك المنصات والمواقع من تداول الأخبار والمقاطع المصورة بحرّية وسرعة، أدرك النظام الايراني أن هناك نوافذ إعلامية جديدة خارجة عن سيطرته، فما كان منه إلا التفكير في كيفية حجب كل تلك المواقع أو السيطرة عليها بأي طريقة ممكنة.
بعد عام 2009 لجأت السلطات الإيرانية إلى حجب أغلب المواقع الإخبارية الأجنبية، وقامت بحجب مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، يوتيوب، واتساب، فايبر)، فلجأ الإيرانيون إلى استخدام برامج كسر الحجب، لكن مع تعمّد النظام الإيراني تقليل سرعة الإنترنت فإن استخدام برامج كسر الحجب للوصول إلى تلك المواقع أصبح صعبًا ومضيعة للوقت.
في عام 2013 ظهر تطبيق «تليغرام«، وهو تطبيق مراسلة روسي لا يحتاج إلى سرعة إنترنت عالية، فأقبل الإيرانيون عليه وأصبح التطبيق الأكثر انتشارًا في إيران، كما أن هذا التطبيق يتيح أيضًا إنشاء قنوات لبثّ الاخبار والمقاطع المصورة وغيره. أثار التطبيق قلق النظام الإيراني فراسل القائمين عليه طالبًا لنقل خوادم بيانات مستخدميه داخل إيران ليتم مراقبتها بسهولة بدعوى الحفاظ على أمن بيانات الإيرانيين، فرفض القائمون طلب الحكومة الإيرانية؛ فــبدأت الأصوات المحافظة في إيران تتعالى منادية بحجبه، خصوصًا بعد أن لعب التطبيق دورًا هامًّا في الانتخابات الرئاسية الماضية عام 2016 إذ استخدام التيار الإصلاحي التطبيق في الدعاية للرئيس حسن روحاني في ظل سيطرة النظام على أغلب وسائل الإعلام في البلاد. والمثير للدهشة أن التيار المحافظ الذي ينادى بحجب التطبيق ليلًا ونهارًا أدرك أهميته ومدى انتشاره بين الايرانيين فبدأ في استخدامه للترويج لمرشحهم إبراهيم رئيسي.
في مطلع عام 2018 وفي أثناء المظاهرات التي عمّت أغلب المدن الإيرانية، اعتمد المتظاهرون الإيرانيون على تطبيق “تليغرام” في نشر أخبار وأماكن المظاهرات، فأثار هذا الأمر غضب النظام الإيراني وخشي من تكرار تجربة عام 2009، عندما صور المتظاهرون مقاطع فيديو للأمن الإيراني وهو يطلق النيران عليهم وتم نشرها على موقع “يوتيوب”، ليعرف العالم بأسره ما يدور في الداخل الإيراني.
تم قطع الاتصال بالإنترنت في عدد من المدن الايرانية، وحجب تطبيقَي «تليغرام» و«إنستغرام» أغلب أيام المظاهرات، ولم يتم رفع الحجب إلا بعد انتهاء المظاهرات، ومن بعدها أصبح أغلب الحديث عن قرب حجب التطبيق للأبد، ولم تُجدِ محاولات وزير الاتصالات الإيراني لمنع هذا القرار.
وعد روحاني
في أثناء حملته الانتخابية عام 2013 كان قد وعد روحاني الشعب الإيراني بمزيد من الحرية في ما يتعلق بتداول المعلومات والإنترنت، والجدير بالذكر أن حكومته قد حاولت الضغط لرفع الحجب عن المواقع والتطبيقات، لكن القرار ليس قرار روحاني أو حكومته، فمجلس مراقبة الفضاء السيبراني تتكون من 13 عضوًا أغلبهم من التيار المحافظ والسلطة القضائية، وهم من يتخذون في النهاية كل القرارات المتعلقة بالحجب.
لكن على الرغم من ذلك يقول مصدر مسؤول بوزارة الاتصالات الايرانية إن حكومة روحاني استطاعت أن تحقق انتصارًا صغيرًا يتمثل في مد فترة عدم حجب تطبيق «تليغرام«، وكان هناك بعض المؤشرات الإيجابية بخصوص الرقابة على الإنترنت، لكن تظل الكلمة العليا في يد المرشد الأعلى والقضاء.
هل تطبيق “تليغرام” آمن في إيران؟
في أثناء المظاهرات الأخيرة كتب وزير الاتصالات الإيراني تغريدة موجهة إلى بافيل دوروف مؤسس «تليغرام» يطالبه فيها بحجب بعض القنوات الفارسية على التطبيق بدعوى أنها تحرض على العنف. وكانت القناة المقصودة هي «آمد نيوز»، وقيل حينها إنها تحرّض المتظاهرين على صنع قنابل حارقة لاستخدامها ضد عناصر الأمن الإيراني، وبالفعل استجاب دوروف لطلب الوزير الإيراني وتم حجب القناة، وهو ما جعل أحد المتخصصين في الاتصالات يقول: «إن هذا الأمر جعلنا نشكّ في مدى أمان التطبيق الذي يراقب محتوى القنوات ويتدخل لحجبها»، لكن حينها برر دوروف ذلك الأمر بأن القناة تنشر محتوى ضد سياسية التطبيق، وأنه لو كان التطبيق يقيد حرية القنوات لكان استجاب لدعوات أخرى من النظام الإيراني تطالب بحجب قنوات أخرى عديدة.
في العام الماضي تم بث أخبار من قبل النظام الإيراني تضمنت أن «إدارة تطبيق (تليغرام) قد وافقت على نقل خوادم بيانات التطبيق داخل ايران»، إلا أن الصحفي الإيراني رضا شيرازي المهتم بملف التكنولوجيا نفى ذلك، وقال: «إن هذا الأمر مجرد شائعات لبثّ الخوف والقلق لدى الايرانيين المستخدمين للتطبيق». وأضاف شيرازي: «كون أن هذا الأمر مجرد شائعة فهو لا يعني إلغاء احتمالية أن التطبيق قد يكون تم اختراقه بالفعل من قبل النظام الإيراني، والدليل على ذلك أنه في أثناء الانتخابات الرئاسية الماضية، اكتشف عدد كبير من الصحفيين أن حساباتهم على تطبيق (تليغرام) تم اختراقها».
ورغم كل ما سبق يظل تطبيق «تليغرام» هو التطبيق الأهم لدى الشعب الإيراني، كما يعدّ مصدر رزق لكثير منهم، إذ يُسوّق من خلاله قرابة 10 إلى 15 ألف تاجر لمنتجاتهم ويوفرون أموالًا لأكثر من 180 ألف أسرة إيرانية.