عندما استولت حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول في 15 أغسطس الماضي، تبنَّت الميليشيات الشيعية الأفغانية المدعومة من إيران والمعروفة باسم «لواء فاطميون» لهجةً استرضائية؛ لكي ترحِّب بالتغيير، ودعت إلى إجراء محادثات بين الأفغان لضمان انتقال سِلْمي للسُلطة؛ ما يُشير على أنَّها مستعدَّة لقبول حُكم «طالبان». ولم يكُن موقف الميليشيا مفاجئًا، بالنظر إلى التقارير التي تُفيد بأنَّ إيران رُبَّما تكون قد ساعدت «طالبان» منذ سنوات في تسريع انسحاب القوّات الأمريكية من أفغانستان. وأنَّها بتقبُّل حُكم «طالبان» الآن، فإنَّ إيران و«لواء فاطميون» يلعبان بأوراقهما بأمان، ويكسبان الوقت لحساب خطواتهما التالية.
ويقول قادة «لواء فاطميون» إنَّهم سينتظرون توجيهات المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، فيما يتعلَّق بخطواتهم المقبلة، مؤكِّدين أنَّ التطوُّرات الحالية في أفغانستان «ستُفضي في النهاية إلى عالم أكثر جمالًا تجري فيه رعاية القيم الدينية والإنسانية والكرامة وصونها». ويُظهِر هذا الموقف «الغامض»، أنَّ الميليشيا وداعميها الإيرانيون لن يتنازلوا عن محاولات التأثير خلال المرحلة المقبلة في أفغانستان.
يُشير كُلَّ ما سبق إلى رغبة طهران في تجنُّب إثارة الأعمال العدائية مع «طالبان» في الوقت الحالي، إذ أصبحت طهران تُشير لـ «طالبان» بلقبها المفضل وهو «الإمارة الإسلامية»، لإظهار استعدادها للعمل معها، وقبولها كجِهة حُكم شرعية. وبينما كان المهاجرون الأفغان في إيران يهتفون «الموت لطالبان» في الأيّام الأخيرة، رُبَّما بتوجيهات من طهران، فإنَّهم دعوا أيضًا إلى مسار سِلْمي مع الحركة.
وفي الوقت الحالي، ليس من الواضح ما الذي تأمل إيران ويأمل «لواء فاطميون» الحصول عليه من محادثات السلام مع «طالبان». في ديسمبر 2020م، صرَّح وزير الخارجية الإيراني آنذاك محمد جواد ظريف، أنَّ من الممكن أن يُساعد «لواء فاطميون» أفغانستان في قتالها ضدّ الجماعات الإرهابية، مثل «القاعدة» وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش). كما تُريد إيران من «طالبان» حمايةَ الشيعة الأفغان. ولإظهار حُسن النية والاستعداد للتجاوب مع طهران، أرسلت «طالبان» ممثِّلين عنها للمشاركة في احتفالات عاشوراء، التي يقودها الشيعة في جميع أنحاء أفغانستان، بما في ذلك مزار الشريف وهرات.
في وقتٍ سابق، وأملًا في تشجيع المحادثات بين إيران و«طالبان»، لم يُشارك «لواء فاطميون» في الصراعات التي جرت بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان خلال الصيف. وقد رفض كبار القادة ومسؤولي «لواء فاطميون» إصدارَ تصريحات على مواقع التواصُل الاجتماعي تُدين «طالبان». كما أوضحَ الموقع الإعلامي الإلكتروني الوحيد لـ «لواء فاطميون»، الذي يُعلِن من خلاله مواقفهُ الرسمية، أنَّ المقاتلين الأفغان لا يزالون منتشرين في سوريا ولبنان، حيث كانوا يقاتلون «داعش»، واستمرُّوا في الدفاع عن الأضرحة الشيعية السورية نيابةً عن إيران.
وقبل شهر من سيطرة «طالبان» على كابول، اتّخذ «لواء فاطميون» خطوةً إضافية بإصداره بيانًا يُشيد فيه بالتطوُّرات في أفغانستان، إذ يصفها بأنَّها نُقطة تحوُّل بالنسبة للعالم الإسلامي. وأشار اللواء لاحتمالية وقوع عدَّة سيناريوهات، من بينها نشوب حرب أهلية. كما حذَّر على وجه الخصوص من أنَّ الولايات المتحدة قد تشِنّ حربًا ناعمة في أعقاب انسحابها من أفغانستان؛ لتقسيم البلاد على أُسُسٍ عرقية أو دينية، وإلقاء اللوم فيها على الاضطرابات.
ومع ذلك، فإنَّ إيران و«لواء فاطميون» حذِران، ويحاولان استرضاء «طالبان»، من خلال الظهور كوسطاء سلام مقبولين لدى أفغانستان. وقد يتّحِد «لواء فاطميون» وإيران مع «طالبان» في رغبتهم المشتركة بإخراج القوّات الأمريكية بصورة دائمة من أفغانستان، لكن من غير المُرجَّح أن يكون حُكم «طالبان» في البلاد في أيدي الإيرانيين. وتشير التقارير إلى أنَّ هناك قرابة 20000 مقاتل بين صفوف «لواء فاطميون». وعلى الرغم من أنَّ «لواء فاطميون» يرفضون بشدَّة الحرب كحلٍّ لمشاكل أفغانستان المعقَّدة، إلّا أنَّ العديد من الأفغان يرون أنَّ سلوكهم غير أخلاقي وغير قانوني؛ لأنَّهم يقاتلون نيابةً عن إيران في دولٍ أُخرى. وتشير تقارير إلى أنَّ الميليشيا رُبَّما أنَّها قد عرضت الدفاعَ عن معاقل الحكومة الأفغانية في هرات، على الحدود مع إيران، قبل تولِّي «طالبان» السُلطة.
وفي 28 يوليو، قال «لواء فاطميون» إنَّه لا يخطِّط لمحاربة «طالبان»، ويرفض التقارير التي تُفيد بأنّه سيقوم بذلك، وقد وصف هذه التقارير بأنَّها دعاية تروِّج لها الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الحكومات العربية. لكن الرئيس السابق للأمن القومي الأفغاني رحمة الله نبيل، قال إنَّ ما بين 2500 و3000 مقاتل من «لواء فاطميون» عادوا من سوريا إلى أفغانستان.
ويُثير رفض «لواء فاطميون» إصدارَ موقفٍ واضح تجاه «طالبان» القلق، لا سيما أنَّه يُنظَر إليه بأنَّه يمثِّل جماعةً إرهابية في أفغانستان. وقد وضعت بعض الإعلانات في أفغانستان أعلام «لواء فاطميون» و«داعش» جنبًا إلى جنب؛ لإظهار أنَّ كِليهما يُشكِّل تهديدًا للبلاد. وعلاوةً على ذلك، فإنَّ مقاتليه الذين عادوا إلى أفغانستان مع انحسار الحرب الأهلية في سوريا يَنظُر إليهم الأفغان على أنَّهم مُنشَقُّون بسبب ولاءاتهم لإيران، وقد يحاولون التأثير على مستقبل أفغانستان. وحتَّى حكومة الوحدة الوطنية الأفغانية السابقة، التي أدارت كابول قبل استيلاء «طالبان» على السُلطة، دعمت عمومًا أيّ جماعةٍ تقاتل «داعش»، لكنَّها لم تؤيِّد أنشطةَ «لواء فاطميون» أبدًا؛ لأن هذا كان سيؤدِّي إلى تفاقُم التوتُّرات والانقسامات الداخلية بين الشيعة والسُنَّة.
ولعلَّ قلقَ «طالبان» نابعٌ من أنَّ «لواء فاطميون» يتلقَّى تدريبهُ على يد «فيلق القدس» والحرس الثوري الإيرانييْن، وقد يتمكَّن من زعزعة استقرار أفغانستان على أُسُسٍ عِرقية ودينية، عندما تطلُب منه إيران ذلك. ويعتقد بعض الخُبراء، على سبيل المثال، أنَّ إيران و«لواء فاطميون» كانا يحاولان إنشاء هيكل فيدرالي منفصل في هرات يُسيطر عليه الشيعة إلى حدٍّ كبير. ويُقال أيضًا إنَّ الميليشيات المدعومة من إيران مسلَّحةٌ جيِّدًا بالدبّابات والذخيرة والصواريخ المضادَّة للدبابات، جنبًا إلى جنب مع قوَّةٍ مُجهَّزةٍ قادرة على اختراق خطوط العدو في ساحة المعركة.
وعلى الرغم من وجود اتصالاتٍ وثيقة بين إيران و«طالبان» منذ سنوات، إلّا أنَّ طهران تُشكِّك في «اتفاق الدوحة» بين واشنطن والحركة، والذي يتضمَّن بنودًا لمكافحة الإرهاب. يبقى أن نرى كيف ستستخدم إيران «لواء فاطميون» للمُضي قُدُمًا؛ ما يُثير الشكوك حول استمرار وجودها في أفغانستان. ومن المُرجَّح أن تتطوَّر إستراتيجية إيران، بناءً على خطوات «طالبان» التالية تجاهَ الشيعة الأفغان و«لواء فاطميون». في الوقت الحالي، من غير المُحتمَل أن يُشكِّل اللواءُ تهديدًا لـ «طالبان»، لكن من المُرجَّح جدًّا أن يستمِرُّوا في تنظيم وحشد الشيعة، الذين يشكِّلون أكثر من 10% من سُكَّان أفغانستان، واستخدام الهزارة الأفغان كوسيلة ضغط لضمان النفوذ الإيراني والاحتفاظ بمصالحها.