مؤتمر ميونخ للأمن.. الذهاب إلى ما هو أبعد من معادلة اللعبة الصفرية للدبلوماسية الدولية

https://rasanah-iiis.org/?p=34384

عُقِدَ مؤتمر ميونخ للأمن في الفترةِ من 16 فبراير إلى 18 فبراير 2024م، بفندقِ بايريشر هوف بميونخ الألمانية، إذ اجتمع قادة عالميون من نحو 50 دولة لطرح سياسةٍ جماعية لمواجهة التحدِّيات العالمية الأخيرة. ضمَّ مؤتمر ميونخ للأمن 450 من كبار صانعي القرار، وكذلك قادة الفكر من جميع أنحاءِ العالم، بما في ذلك رؤساء الدول والوزراء والشخصيات القيادية في المنظَّمات الدولية وغير الحكوميةِ، وضَمَّ ممثلِّين رفيعي المستوى من قطاع الأعمال ووسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني لمناقشة القضايا المُلِحَّة المرتبطة بالسياسة والأمن الدولي.

ومثَّلت الولايات المتحدة نائبة الرئيس كامالا هاريس، ووزير الخارجية أنتوني بلينكين، والمبعوث الرئاسي الخاص للمناخ جون كيري. وألقت نائبة الرئيس الأمريكي هاريس، خطابًا مُهمًّا عن السياسة الخارجية يهدف إلى طمأنة حُلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين على مستقبل القيادة العالمية للولايات المتحدة الأمريكية، لا سيَّما مع تنامي القلق الأوروبي من مستقبل الهيمنة الأمريكية، في ظل اعتمادها على القوَّة العسكرية لواشنطن، واحتمال عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة، ناهيك بأنَّ أوروبا لا تزال تفتقر إلى القُدرة الصناعية العسكرية والإرادة السياسية، التي تمكِّنها من الدفاع عن نفسها، وهذا ما ناقشه الحاضرون في المؤتمر.

كما شارك في المؤتمر المستشار الألماني أولاف شولتس، ورئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وقبل حضور مؤتمر ميونخ للأمن، زار الرئيس الأوكراني باريس لإبرام اتفاقيةٍ أمنية ثنائية مع فرنسا، كما سافر إلى برلين في نفس اليوم. ومثَّل الصين وزير خارجيتها وانغ يي، الذي زار إسبانيا وفرنسا. ومثَّل إسرائيل الرئيس إسحاق هرتسوغ، وعن السُّلطة الفلسطينية شارك رئيس الوزراء محمد أشتية. ومن المهم الإشارة هُنا إلى أنَّه لم تُوَجَّه دعوة إلى روسيا، ولا إلى إيران لحضور المؤتمر.

في تقرير المؤتمر لعام 2024م، تمَثَّلت الفكرة الرئيسية في أن «تَأخذ مخاوف المكاسب النسبية هيئة معتقداتٍ مُحصلتها صفر، وهي الاقتناع بأنَّ مكاسب أيّ جهة أخرى فاعلة تنطوي بالضرورة على خسائر ذاتية» . ووفقًا للتقريرِ أيضًا، «يوجد خطرٌ حقيقي يتمثل في أن ينتهي الأمر بمزيد ومزيد من البلدان إلى موقفٍ يخسر فيه الجميع، ولم يعُد يتعلَّق الأمر بمن يكسب أكثر، بل فقط بمن يخسر أقلّ». وكان تجاوُز عقبة دينامية الخسارة للجميع في قلب أجندة مؤتمر 2024م، فيما تضمَّن جدول أعماله حوارات ومناقشات حول مجموعةٍ واسعة من الموضوعات. وتتَّسِم هذه المواضيع بأهمِّيةٍ كبيرة، لا سيّما في سياق التطوُّرات العالمية والإقليمية الأخيرة.

وكانت الموضوعات الرئيسية، التي نُوقِشت خلال مؤتمر ميونخ للأمن لعام 2024م، على النحو التالي: التحدِّيات الأمنية العالمية، ومستقبل النظام الدولي، والصراعات والأزمات الإقليمية، والعَلاقة المُتطوِّرة بين أوروبا والعالم، بما في ذلك شراكات الاتحاد الأوروبي الرئيسية، وإمكانية إحلال السلام بين إسرائيل وفلسطين، وتوسيع الاتحاد الأوروبي.

وتمكن معالجة مسألة المكاسب النسبية في العلاقات الدولية على أفضل وجه، في سياق الحوار العالمي بين دول الشمال والجنوب.

ويُحفِّز هذا النقاش، التفكير حول مفهوم «المكاسب النسبية»، إذ إنَّ دول شمال العالم تشعر بالاستياء أيضًا من حصَّتها الحالية من القيادة العالمية، وتشعر بالقلق من صعود القوَّة الصينية على المسرح العالمي. إنَّ معتقد لُعبة المُحصِّلة الصفرية هو المفتاح لِفَهم الصراع بين روسيا وأوكرانيا، بعد أكثر من عامين من المواجهة العسكرية. وعلى الرغم من تفاؤل زيلينسكي إزاء فُرَص أوكرانيا في الفوز بالحرب، أعرب الحاضرون في مؤتمر ميونخ للأمن عن قلقهم إزاء إمكانية فوز أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي المستمِرّ، وعن الدعم الأمريكي المستقبلي لكييف. وعلاوةً على ذلك، استغلَّ المسؤولون الغربيون هذه اللحظة لتأكيد أنَّ أوكرانيا ستخسر الحرب دون الحصول على 60 مليار دولار إضافية من المساعدات العسكرية الأمريكية، التي تنتظر حاليًّا التصويت على الموافقة في الكونجرس الأمريكي. ومع ذلك، أشاروا أيضًا إلى أنَّهم غير متأكدين كيف يمكن أن يبدو النصر في المعركة بالنسبة لأوكرانيا حتى مع الحصول على المساعدات العسكرية الأمريكية الإضافية.

ومن ناحيةٍ أخرى، يرى أحد المعارضين الجمهوريين للتمويل الأمريكي الإضافي لأوكرانيا في مؤتمر ميونخ للأمن، أنَّ حزمة المساعدات العالِقة حاليًّا في الكونجرس الأمريكي لن «تُحدِث تغيُّرًا جذريًّا على الأرض»، وأنَّ روسيا لديها حافز للتفاوض من أجل السلام. ووفقًا للسيناتور جيه دي فانس، وهو جمهوري من ولاية أوهايو وحليف لدونالد ترامب، فإنَّ «المشكلة في أوكرانيا هي أنَّه لا توُجَد نقطة نهاية واضحة»، وأنَّ الولايات المتحدة لا تصنع أسلحة كافية لدعم الحروب في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط، «وفي حالات الطوارئ، في شرق آسيا». وعلى الرغم من هذا الرأي، يتعيَّن على المرء الأخذ بعين الاعتبار أنَّ أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين منقسمون بشدَّة بشأن أوكرانيا.

وأشار المتحدِّثون في المؤتمر أيضًا إلى أنَّ منطقة المحيط الهندي والهادي يُمكن أن تكون الموقع التالي لصراع عالمي، بما لذلك من عواقِب بعيدة المدى. وتشهد هذه المنطقة مرور 60% من التجارة البحرية العالمية. وكان تصاعُد حالة عدم الاستقرار أيضًا جزءًا من أجندة مؤتمر ميونخ للأمن، خصوصًا على خلفية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، الذي اندلع في أكتوبر 2023م.

وأعرب الممثِّل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيب بوريل عن قلقه بسبب إستراتيجية إسرائيل في الصراع المستمِرّ، وعبَّر عن تأييده حل الدولتين، وأوضحَ أنَّ «حماس فكرة، ولا يستطيع أحدٌ أن يقتل فكرة».

وعلى هامشِ المؤتمر، التقى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ سرًّا، رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لمناقشة المفاوضات الرامية إلى تأمين إطلاق سراح الرهائن في غزة، حسبما أفادت آكسيوس.

وتطرَّق هذا الحوار الإقليمي أيضًا إلى خسارة الجميع في منطقة الساحل بسبب العواقب الإنسانية الناجمِة عن تفاقُم عدم الاستقرار السياسي.

في النهاية، أُشيرَ أيضًا إلى انحسار العولمة على أنَّه مصدرٌ يبعث على القلق. ولم يعُد يُنظَر في الواقع إلى الترابط والاعتماد الاقتصادي والتقني المُتبادَل على أنَّهما سياسات ذات منفعةٍ مُتبادَلة للطرفين من جانب الدول. وتتَّبع بلدانٌ عديدة إستراتيجيات تقوم على الاعتماد على الذات، بدلًا من الاعتماد المُتبادَل بينها وبين دول أخرى. ومن المُحتمَل أيضًا أن يُقوِّض هذا الأمر الجهود المبذولة للحدِّ من آثار تغيُّر المناخ.

كانت حرب الطائرات المسيَّرة ومخاطر الذكاء الاصطناعي، أيضًا، من بينِ محاور النقاش في مؤتمر ميونخ للأمن، خصوصًا في سياق الحرب بين أوكرانيا وروسيا.. وفي اليوم الأخير من المؤتمر، ناقش المشاركون توسيع الاتحاد الأوروبي، ومستقبل العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية.

واتفق المشاركون في المؤتمر بالمُجمَل على أنَّ النظام الدولي القائم على القواعد في حاجةٍ ماسَّة إلى التغيير، ويرون أنَّ الحل يمكن في أن يكون من خلال تنفيذ «سياسات المحصلة الإيجابية»، أي سياسات تعود بالنفع في محصلتها على الجميع، دون فوز طرف على حساب آخر.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير