تشكّل علاقة أميركا مع إيران معضلة جيوسياسية كلاسيكية، حيث تمثل إيران قوة إقليمية مهمة تنتهج سياسات عدائية مع جيرانها، وتقمع شعبها في الداخل، ويمكن للولايات المتحدة أن تعالج القضايا الرئيسية التي تؤثر على مصالحها مع طهران كلما كان ذلك ممكناً كما فعلت سابقاً وجهاً لوجه مع الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، لذا تحتاج الولايات المتحدة إلى انتهاج سياسات تهدف لمنع الهيمنة الإقليمية، وخلق توازن للقوى في المنطقة، إضافة إلى دعم حقوق الإنسان، وإشراك إيران دبلوماسياً.وفي سبيل كبح جماح الفوضى في الشرق الأوسط، على الولايات المتحدة أن تعمل ليس فقط مع الشركاء التقليديين، ولكن أيضاً مع المنافسين، لاسيما بعدما ساهمت إيران في الاستقطاب الطائفي وتعزيز الصراعات في المنطقة، ولكنها ليست المسبب الوحيد لهذا، فعلى رغم أن واشنطن وطهران على خلاف بشأن سوريا، لكنهما تدعمان نفس الحكومات والقادة في كل من أفغانستان والعراق.
ولإتاحة التفاعل المثمر، فإن الولايات المتحدة ستضطر إلى العمل مع شركائها في المنطقة لإقامة توازن ملائم للسلطة، وهذا يعني استمرار الانتشار العسكري ومبيعات الأسلحة، لضمان أمن الخليج العربي، في حين تؤكد الولايات المتحدة على حقوقها بموجب اتفاق نووي جديد لمنع إيران من تحقيق تقدم خفي نحو امتلاك السلاح.
وفي الوقت نفسه، ينبغي على الولايات المتحدة البدء في التخطيط لسياسة ردع ضد إيران، ومنعها من إعادة تشغيل البرامج النووية بعد إزالة قيود الاتفاق. وأخيراً، يجب على الولايات المتحدة وشركائها أن يعملوا معاً ضد إيران في العراق وسوريا.
هذه الجهود ستضع الولايات المتحدة في موضع يتيح لها الانخراط مع إيران لتسوية النزاعات الإقليمية حيث يعلم كل منا ما أفضت إليه المناقشات مع إيران في عهد إدارة جورج دبليو بوش، وكنا قادرين على تحقيق تفاهمات محدودة في بعض المناطق، والوصول إلى تعاون فعال في مناطق أخرى. وكان أوج هذا التعاون متمثلاً في اتفاق بون، الذي سمح بإنشاء حكومة طالبان المؤقتة في أفغانستان، وكان سيبدو صعباً إن لم يكن مستحيلاً تحقيقه من دون الدعم الإيراني. والجدير بالذكر أن هذا النجاح حدث في سياق التأكيد على نشاط سلطة الولايات المتحدة ضد حركة طالبان، ويمكن للولايات المتحدة أن تصنع سياسات لتشكل السياقات السياسية والعسكرية في العراق وسوريا.
وفي عهد إدارة أوباما، ركزت الاتصالات مع إيران بشدة على القضايا النووية، ولكن هذه الاتصالات حدثت بشكل غير منتظم، وكانت تنطوي على دائرة صغيرة من الأفراد، وتميل إلى معالجة القضايا الأكثر إلحاحا فقط، حيث أجرى وزير الخارجية الأميركي جون كيري اتصالاً هاتفياً سريعاً مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ولكن هناك الكثير الذي يمكن لهذين الرجلين المنشغلين إنجازه.وعلى أية حال، فإن كيري سيغادر منصبه في غضون أشهر قليلة، كما سيفعل ظريف في نهاية المطاف، ليس هناك ما يضمن أن خليفتيهما سينشئان نفس النوع من الألفة، ولا ينبغي أن تكون سياسة الولايات المتحدة معتمدة على القيام بذلك، ولهذا السبب يتعين على الرئيس أوباما قبل مغادرته منصبه اتخاذ خطوات لتعزيز الاتصالات بين البلدين.
وتأتي الخطوة الأكثر بروزاً عبر إقامة علاقات دبلوماسية طبيعية، إذ ليس من الواضح أن النظام الإيراني سيكون على استعداد للوصول إلى هذا الحد من العلاقات، وستكون هذه الخطوة مثيرة للجدل في الولايات المتحدة أيضاً.
ويمكن لإدارة أوباما والحكومة الإيرانية تعيين دبلوماسيين من الرتب المتوسطة في السفارات التي تمثل البلدين، ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة كان لها وجود دبلوماسي كبير في كوبا قبل استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة العام الماضي.
وكإجراء أكثر تواضعاً، فمجرد سماح الولايات المتحدة للدبلوماسيين الإيرانيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة في نيويورك بالسفر إلى واشنطن في بعض الأحيان قد يكون لفتة قد تسمح للمسؤولين الأمريكيين الذين يعملون في مكتب مراقبة الشؤون الإيرانية التابع للولايات المتحدة في دبي بزيارة إيران.إن الارتباط الأمريكي – الإيراني ينبغي أن يركز على المعركة ضد تنظيم داعش، إضافة الى التركيز على مسارات تحقيق الاستقرار في المنطقة. كما يجب على الولايات المتحدة أن تسعى إلى مساعدة المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران للتوصل إلى تفاهم بشأن العراق وسوريا، وبحث اتفاق ويستفاليا للحد من الصراع الطائفي والجيوسياسي. ومثل هذا الاتفاق لا يحدث دون وساطة نشطة من الخارج، ولا يمكن إلا للولايات المتحدة أن تلعب هذا الدور حالياً.أضف إلى ذلك أنه على أوباما عدم تجاهل تطلعات الشعب الإيراني الذي يحمل الأمل في المزيد من الحرية والتواصل مع العالم. كما ينبغي أن تكون قضايا حقوق الإنسان جزءاً من جدول أعمال أي ارتباط، ويجب على الولايات المتحدة تسهيل السفر الخاص بين البلدين للطلاب والعلماء والمواطنين العاديين، وأفضل طريقة للقيام بذلك هي استئناف رحلات تجارية مباشرة بين البلدين، إذ ستكون هذه الخطوة ذات فائدة لمئات الآلاف من الإيرانيين والأميركيين والعديد من أقاربهم في إيران.
إن أياً من هذه الخطوات لن تحل العديد من الخلافات بين الولايات المتحدة وإيران من تلقاء نفسها، فتحسين الاتصال لا يسفر دائماً عن تسوية الخلافات. ولكن التواصل الأفضل دائماً يعطي معلومات أفضل، وأفضل المعلومات هي تسمح بسياسة أفضل، حتى لو لم تكن مضمونة.
مادة مترجمة عن واشنطن بوست