تتزايد الهجمات الإلكترونية ذات الدوافع السياسية، التي تشنُّها جماعات المعارضة الإيرانية على حكومة طهران. وتكشف هذه الهجمات مدى ضعف إيران أمام القراصنة، إذ تشكّل خرقًا كبيرًا لأجهزة إيران الأمنية والاستخباراتية، وتضع الحكومة الإيرانية في حرج، لذا تحاول التكتم على حقيقة تسرُّب المعلومات. تَعرَّضَت شبكة توزيع البنزين الإيرانية على الإنترنت للاختراق العام الماضي، مما أدَّى إلى إصابة محطات الوقود بالشلل في جميع أنحاء البلاد.
واستهدفت هجمات إلكترونية أخرى شبكات السكك الحديدية الإيرانية، كما سرَّب قراصنة فيديو يُظهِر كيف يعذّب حراس السجون السجناء ويسيئون معاملتهم.
وفي 27 يناير الماضي فوجئت الحكومة الإيرانية عندما بثت القنوات التلفزيونية التابعة للدولة دعوات من المعارضة لقتل المرشد علي خامنئي، وعرضت صورًا للزعيمين المنشقَّين مسعود ومريم رجوي، وكلاهما من قادة منظمة «مجاهدي خلق» المعارضة في المنفى.
وتضمنت حوادث قرصنة مشابهة هذا العام بثّ مقاطع فيديو في أسواق طهران ومشهد، تطالب بدعم منظمة «مجاهدي خلق». وفي سوق مشهد، عُرضت مقاطع فيديو هتافات تطالب بموت خامنئي وتشتم الخميني.
وفي شهر مارس، قالت قوى الأمن الداخلي إنها حدَّدَت الأفراد الذين ساعدوا «مجاهدي خلق» على بث الدعاية المناهضة للنظام، التي دعت إلى قتل خامنئي، عبر مكبِّرات الصوت في مدينة شهريار بضواحي طهران، حيث يقطن مجتمع شبه ريفي. ووفقًا لقوى الأمن، فقد كانت الخطط جارية أيضًا لبثّ رسائل مماثلة في أماكن أخرى بمدينة شهريار. وألقت طهران باللوم على منشقين مدعومين من حكومات أجنبية «معادية»، بشأن تلك الهجمات الإلكترونية، لكن قادة «مجاهدي خلق» نفوا القرصنة للبرامج التلفزيونية التي تديرها الدولة لمدة 10 ثوانٍ، على الرغم من أنهم أكَّدوا أن أنصار «مجاهدي خلق» داخل إيران ربما نفَّذوا عمليات القرصنة.
ومن الواضح أن البرامج والأنظمة القديمة جدًّا، التي لا تزال إيران تستخدمها، أصبحت معرَّضة بصورة متزايد للقرصنة. وما جعل الأمر أكثر سوءًا، كشف مزوِّد الأمن السيبراني الأمريكي-الإسرائيلي (Check Point) ، التفاصيل الفنية المتعلقة باختراق البنية التحتية الإيرانية منذ العام الماضي، وذكر أن القرصنة جرت باستخدام أدوات منخفضة الجودة نسبيًّا، وافترض أن مساعدة داخلية مكَّنت من عملية الاختراق تلك.
وردًّا على الدعاية المتزايدة للمعارضة، قدمت إيران مشروع قانون لمراقبة الإنترنت والسيطرة عليها. في الحقيقة، قُدِّم مشروع قانون لأول مرة عام 2018م، لكنه واجه معارضة محلية أدَّت إلى تأخير التصديق عليه. وعلى الصعيد الدولي، أصدر خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة بيانًا يطالبون فيه إيران بعدم تمرير مشروع القانون، بالنظر إلى حقيقة المخاوف من أنه في حالة إقراره ستشنّ الحكومة حملة قمع جماعية ضد جماعات المعارضة والمتظاهرين، كما فعلت خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة على مستوى البلاد، بين عامَي 2017 و2019م. علاوةً على ذلك، يخشى هؤلاء الخبراء من أن مشروع القانون، في حالة تنفيذه، سيُضعِف الإشراف على مراقبة أي انتهاكات تحدث ضد جماعات المعارضة والمتظاهرين.
وصدَّق البرلمان الإيراني أخيرًا على الإطار العامّ لمشروع قانون المراقبة، سمَّاه «خطة حماية الفضاء الإلكتروني» و«قانون حماية المستخدم». لكن نظرًا إلى المعارضة الوطنية لمشروع القانون، فقد أُعيدَ إلى البرلمان لمراجعته ثانيةً. وجُمِع ما يزيد على مليون توقيع داخل إيران العام الماضي لإلغاء مشروع القانون. وأُلغِيَ التصديق عليه، على الرغم من إصرار البرلمانيين على تنفيذ مشروع القانون، لتفادي نشوب احتجاجات في جميع أنحاء البلاد في المستقبل.
انقطع الإنترنت في طهران والمناطق المحيطة بها مرةً أخرى في 4 مارس، وألقت الحكومة باللائمة في الاضطرابات على الحرائق والمشكلات الفنية، فيما رأى عديد من الإيرانيين أن المشكلة ناتجة عن محاولات السيطرة على الفضاء الإلكتروني. ويهدِّد مشروع القانون البرلماني الجديد الآن بتقييد الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي في إيران، بما في ذلك المنصات التي بها أعداد كبيرة من المستخدمين، مثل «واتساب» و«إنستغرام»، وسيحدّ مشروع القانون أيضًا من المعاملات التجارية من خلال التطبيقات مع الكيانات المالية أو المصرفية الأجنبية
ويشتكي معظم الإيرانيين من أن التطبيقات البديلة التي أنشأتها الشركات الوطنية في إيران ذات جودة وخدمة رديئة ومن الصعب استخدامها، كما أن الإنترنت بطيئة في جميع أنحاء البلاد، مما أدَّى إلى احتجاجات في الأشهر الأخيرة، مع مطالبة الإيرانيين بالعمل على زيادة سرعة الإنترنت. وفي الواقع، تقنية «موجات التردد» في إيران متأخرة جدًّا بدرجة غير معقولة، بقصد إبطاء وصول الإيرانيين إلى مصادر المعلومات الدولية.
ومع تزايد المخاوف في إيران بشأن الحرب الإلكترونية مع المعارضة المتزايدة والواضحة للنظام في الخارج، إلى جانب اختراق البنية التحتية الإيرانية الحيوية، تنشغل طهران في إنشاء وحدات حرب إلكترونية جديدة لجمع البيانات والاستخبارات. في عام 2021م أنشأ «فيلق القدس» وحدة للحرب الإلكترونية لحليفه «حزب الله» للتجسس على المواطنين اللبنانيين المعارضين لأنشطة الحزب.
وأصدرت شركة ميكروسوفت بالفعل بيانًا يحذر الحكومات والكيانات الخاصة، من أنشطة القراصنة الإيرانيين المتزايدة في جميع أنحاء العالم. لكن إيران نفسها تقع ضحية ازدياد القرصنة من جماعات المعارضة ذات الدوافع السياسية، التي بحوزتها معلومات من الداخل حول كيفية اختراق المراكز الحيوية والبنية التحتية للبلاد. ومن المُرجَّح أن تستمرَّ هذه الحقبة الجديدة من الصراعات السيبرانية وتزداد قوتها، وتضيف بُعدًا مهمًّا لمجموعة أدوات المعارضة في حربها ضد النظام الإيراني. ومن المُتوقَّع أن تواجه إيران مزيدًا من الهجمات الإلكترونية بسبب عدم تحديث إمكانياتها التكنولوجية، بما قد يهدِّد بقاء النظام، لا سيما إذا عُطّلَت البنية التحتية الحيوية وشُلَّت أجهزة الدولة الرئيسية.