محادثات السلام في أوكرانيا وصعود المملكة كوسيط بين الأقطاب الدولية

https://rasanah-iiis.org/?p=37347

نجحت المملكة العربية السعودية في أن تجمع وفدين من الولايات المتحدة وأوكرانيا في 11 فبراير 2025م، وذلك بعد أن تعقَّدت علاقة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بإدارة دونالد ترامب بعد محادثات البيت الأبيض، التي أخذت صدىً عالميًا واسعًا. وكانت المملكة قد لعِبَت «دورًا لا غنى عنه»، بحسب وزير الخارجية الأمريكي مارك روبيو، في جمْع موسكو وواشنطن لإجراء محادثات في الرياض في 18 فبراير 2025م، بعد فترة طويلة من الانقطاع. وتُعتبَر هذه الجهود السعودية حاسمة في تحريك المياه الراكدة بشأن تسوية الصراع في أوكرانيا، بعد سنوات من الجمود. ولا شكَّ أنَّ دور المملكة في عقْد سلسلة المحادثات بين هذه الأطراف تحمل دلالات مهمَّة بالنسبة لدور المملكة الصاعدة كقوَّة مؤثِّرة في مسار السلام العالمي، وكذلك بالنسبة للصراع الدائر بين الجانبين؛ نظرًا لأنَّ هذه المفاوضات هي الأولى على مستوى وزيري الخارجية بين واشنطن وموسكو منذ عام 2023م، وبالتالي فتحت الأُفُق إلى تسوية أزمة شديدة التأثير على الصعيد العالمي. فما هي عوامل اختيار المملكة لهذه الجولة من المفاوضات؟ وما المكتسبات المتوقَّعة من إجراء المفاوضات الروسية-الأمريكية على المملكة، وما التحدِّيات التي قد تعرقل مسار الرياض لتسوية الأزمة؟

أولًا: عوامل الاختيار

تاريخيًا، تلعب المملكة دورًا بارزًا في الوساطة وتسوية الصراعات بين الدول، لكن تزايُد زخم هذا الدور خلال السنوات الماضية في إطار التحوُّلات، التي جرت على سياسة المملكة وتطلُّعاتها الخارجية في التعزيز مكانتها الإقليمية والدولية. وقد وقفت خلف اختيار المملكة كمستضيف للمحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا، والولايات المتحدة وأوكرانيا، عِدَّة عوامل، أهمّها:

1. طبيعة علاقة المملكة بأطراف الأزمة:

تحتفظ المملكة بعلاقات متميِّزة مع أطراف الأزمة الأوكرانية كافَّة، وتحظى بتقديرهم. فلدى المملكة علاقات متميِّزة مع واشنطن، وخطوط اتّصال مفتوحة، وتنظُر واشنطن لها على أنَّها حليف استراتيجي لا غِنى عنه في الشرق الأوسط وعلى الصعيد العالمي، خصوصًا مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض. وفي الوقت نفسه، فإنَّ المملكة أعادت تقديم نفسها للعالم كقوَّة لها ثِقَلها ومكانتها الخاصَّة، واستطاعت أن تكتسب ثقة قُوى الشرق وأبرزهما روسيا والصين، ونجحت في نسْج شراكة استراتيجية مع روسيا تحديدًا قائمة على التعاون والمصالح المشتركة. كذلك، فإنَّ المملكة لديها علاقة جيِّدة مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي، وقد أثمرت جهودها على الصعيد الإنساني في كسْب تأثير لدى الأوكرانيين. ويتماشى مع ذلك علاقة المملكة مع الأطراف الأوروبية، التي تُعتبَر طرًفا أصيلًا في الصراع، حيث لدى المملكة علاقات متطوِّرة مع الأطراف الأوروبية ومع القُوى الفاعلة في الاتحاد الأوروبي، وتغذِّي هذه العلاقة شراكات ومصالح استراتيجية متعِّددة، وقد أهَّلت كل هذه العوامل المملكة لتكون طرفًا لا خلاف عليه بين أطراف الأزمة، بل طرف يحظى بثقتهم جميعًا.

2. موقفها المحايد في الصراع:

منذ بداية الصراع، اتّخذت المملكة موقفًا محايدًا، ولم تلعب أيّ دور سلبي في هذا الصراع، ولم تنحاز إلى أيٍّ من أطراف الصراع، بل إنَّها كانت وسيطًا مهمًّا إلى جانب الإمارات في عمليات تبادُل الأسري بين أطراف الصراع، وكذلك في المبادرة المبكِّرة بطرح مبادرات من أجل تسوية الصراع. وفي سياق ذلك، استضافت الرياض قمَّة سلام لمدَّة يومين بشأن أوكرانيا في عام 2023م، حيث اجتمع مسؤولون من أكثر من 40 دولة، وقد رشَّحها ذلك لأن تكون قِبلة لأطراف الصراع، بوصفها غير ذات مصلحة، بل وسيط نزيه يمكن الثقة به.

3. خبرتها الدولية في الوساطة:

ليست هذه هي المرَّة الأولى، التي تتصدَّى فيها المملكة إلى الوساطة من أجل تسوية الصراعات والنزاعات الدولية، فالمملكة بحُكم مكانتها الدينية ودورها التاريخي ووزنها الإقليمي والدولي، كانت على الدوام وسيطًا فعّالًا في تسوية الصراعات الإقليمية والدولية. وبينما تنتهج المملكة سياسة خارجية أكثر انخراطًا وتفاعلًا على الصعيد الدولي والإقليمي، إضافة إلى أنَّها نجحت في إعادة تعريف نفسها عالميًا كقوَّة داعمة للسلام ومحفِّز للاستقرار والأمن وداعم للشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي، فإن استضافتها لهذه الجولات المتعاقبة من المحادثات، يتماشى مع هذا الدور، الذي ترعاه وتتطلَّع إليه بقوَّة، والذي رسَّخته عن نفسها إقليميًا ودوليًا.

4. احتياج الولايات المتحدة وروسيا للمملكة:

تُعتبَر المملكة طرفًا مناسبًا للولايات المتحدة وأوكرانيا وروسيا تحديدًا خلال هذه المرحلة، فبالنسبة للولايات المتحدة، هناك علاقة خاصَّة وثقة مُتبادَلة بين ترامب والقيادة في المملكة، وهناك تنسيق بشأن العديد من القضايا الإقليمية، وفي الوقت نفسه، تُعتبَر المملكة وروسيا شريكين في «أوبك +»، وبين البلدين تنسيق كبير، ليس على المستوى الاقتصادي والتجاري وحسب، لكن فيما يخُصّ قضايا الأمن الإقليمي. وعلاوةً على ذلك، تحتاج روسيا إلى شركاء موثوقين، والسعودية شريك موثوق لروسيا، في ظل تطلُّعاتها إلى الاستقلالية وتنويع شراكتها الدولية، في حين أنَّ تركيا العضو في حلف الناتو والأطراف الأوروبية الشركاء في الحرب إلى جانب أوكرانيا، أماكن غير مناسبة بالنسبة لروسيا لاستضافة المحادثات. كما أنَّ أوكرانيا لديها علاقات جيِّدة مع المملكة، ولعِبَت المملكة دورًا مهمًّا على الصعيد الإنساني في أوكرانيا، كما أنَّها التزمت الحياد في الصراع، ولم تنحاز إلى روسيا، على الرغم من علاقات المملكة المتميِّزة معها.

ثانيًا: مكتسبات المملكة

لا شكَّ أنَّ استضافة المملكة للمحادثات الأمريكية-الروسية ذات أهمِّية خاصَّة، بالنظر إلى التداعيات المتوقَّعة من وراء هذه المفاوضات على الصعيد العالمي، وذلك بعد سنوات من الصراع الدامي، الذي ترَكَ أثرًا كبيرًا على كافَّة المستويات والمجالات، ومن ثمَّ فإنَّ استضافة المملكة لهذا الجولات من المحادثات، سترتدّ إيجابيًا عليها، في عِدَّة جوانب، أهمّها:

1. تعزيز المكانة والبقاء في بؤرة الأحداث العالمية:

سلَّطت المحادثات الأمريكية-الروسية، والأمريكية-الأوكرانية، الضوء على المملكة، بوصفها وسيطًا مقبولًا للمحادثات بين أطراف الصراع، ولا شكَّ أنَّ ذلك يتّسِق مع ما تطمح إليه المملكة في بناء صورتها الدولية الجديدة المنبثقة عن «رؤية 2030» الرائدة، ولا سيّما صورة عاصمتها، التي لم تعُد قِبلة دبلوماسية لا غِنى عنها وحسب، بل وجهة إقليمية اقتصادية وثقافية وسياحية. وبالنظر إلى اتفاق الأطراف على مواصلة المحادثات والدعوة إلى وقْف إطلاق النار، وبعد استضافة المملكة للرئيس الأوكراني، واحتمال استضافة المملكة لقاء يجمع بين الرئيسين الأمريكي والروسي، فإنَّ المملكة ستكون في بؤرة الأحداث الدولية، حيث قال ترامب إنَّه يخطِّط للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين في المملكة في وقتٍ ما في «المستقبل غير البعيد»، وسيرتدّ كل ذلك على المملكة إيجابيًا في تعزيز مكانتها ووزنها كقوَّة إقليمية ودولية كُبرى صاعدة، كما سيرتدّ ذلك إيجابيًا على دورها وتأثيرها في مختلف القضايا المتعلِّقة بالأمن والاستقرار الإقليمي، وكذلك نفوذها في دوائر اهتمامها المختلفة.

2. تعزيز المصالح والعلاقات مع الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا:

تمثِّل الثقة، التي أولتها كلُّ من موسكو وواشنطن للرياض، أرضيةً مناسبة من أجل تعزيز مصالح المملكة مع الجانبين، سواءً على الصعيد الجيوسياسي في العديد من المناطق، التي تتقاطع فيها مصالح الرياض مع البلدين، بما في ذلك الترتيبات المتوقَّعة في الشرق الأوسط، فضلًا عن التأثير على التوجُّهات الأمريكية في المنطقة بما يخدم مصالح المملكة، إذ أنَّ المحادثات ليست إعادة تأسيس لعلاقة واشنطن وموسكو، بل إعادة الاعتبار لأهمِّية الرياض في نظر واشنطن. وكذلك، تعزِّز المفاوضات المصالح على الجانب الاقتصادي، إذ رُبّما تدخل المملكة كشريك في الاتفاقيات، التي قد يصِل إليها الجانبان في المستقبل، خصوصًا أنَّ المفاوضات، التي شهِدَتها الرياض، جرت تحت شعار إعادة تأسيس العلاقات، بما في ذلك تعزيز التعاون والشراكة في العديد من المجالات، وأهمّها الاقتصاد. والمملكة كقوَّة اقتصادية صاعدة ورائدة، يمكنها أن تطرح نفسها كشريك يحتاجه الطرفان بقوَّة، كما يمكن أن تطرح نفسها كشريك رئيسي في إعادة الإعمار، وهو ما يعزِّز توجُّهات المملكة في تنويع استثماراتها وشراكاتها الاقتصادية، والوصول إلى بلدٍ لديه موارد هائلة، بما في ذلك المعادن النادرة، التي تُعتبَر مجالًا حيويًا لأيّ قوَّة تأمل في الريادة والتقدُّم.

3. دعْم دور المملكة كمحفِّز للاستقرار ووسيط بين القُوى العظمى:

من خلال هذا الدور والوساطة الفعّالة بين القطبين الدوليين ومع أوكرانيا، يكتسب دور المملكة كمحفِّز للاستقرار ووسيط، الزخم والتأثير، بوصفها وسيط نشِط وفعّال في تحريك الملفّات المعقَّدة. ولا شكَّ أنَّ نجاح هذه المحادثات سوف يرشِّح المملكة لمزيد من الأدوار على الساحة العالمية والإقليمية، لا سّيما فيما يتعلَّق بالوساطة في تسوية الصراعات، حيث سيعطي هذا الدور زخمًا لوساطتها في قضايا إقليمية، كالصراع في السودان، ورُبّما أبعد من ذلك كوساطتها بين الولايات المتحدة وإيران، خصوصًا في ظل تناول التقارير الإيرانية لدورٍ مُرتقَب للمملكة بين الجانبين. كما لا يُستبعَد أن تكون المملكة كذلك وسيطًا بين الولايات المتحدة والصين، حيث تمتلك المملكة كل المؤهِّلات للعِب هذا الدور بين القُوى العظمى.

ثالثًا: تحدِّيات مُحتمَلة أمام مسار الرياض

مع أهمِّية المحادثات، ودور المملكة في جمع أطراف الصراع، والبدء في حوارٍ فعّال من أجل تسوية الخلافات، لكن هناك بعض التحدِّيات، التي قد تعرقل مسار الرياض، ومن أهمّها:

1. الموقف الأوروبي والأوكراني من المحادثات:

في البداية، لم ترفض الأطراف الأوروبية وأوكرانيا المشاركة في المحادثات، التي تجرى في المملكة لاعتبارات تتعلَّق بالمملكة، لكن هذه الأطراف لديها تحفُّظ على الموقف الأمريكي، الذي يتجاهل بعض الاعتبارات والضمانات التي تخُصّها في هذا الصراع، والتحرُّك بصورة منفردة دون الأخذ بالاعتبار وجهات نظرهم. فمن ناحية يخشى بعض الزعماء الأوروبيين، الذين شعروا بالقلق إزاء الإصلاح، الذي أجراه الرئيس دونالد ترامب للسياسة الأمريكية تجاه روسيا، أن تقدِّم واشنطن تنازلات خطيرة لموسكو، وتعيد صياغة الترتيبات الأمنية للقارة بما لا يخدم مصالح أوروبا، ومن ناحية تشعر أوكرانيا أنَّها ستكون ضحية لصفقة أكبر بين واشنطن وموسكو، بما يُضِرّ بسيادتها وأمنها على المدى البعيد. لهذا، رفَضَ زيلينسكي المشاركة في المحادثات، بل ألغى زيارة كانت مُجدوَلة للمملكة؛ خشية أن تُفهَم منها رسائل خاطئة، وقال للصحافيين في أبوظبي: «لا يمكننا الاعتراف بأيّ اتفاقيات تخُصّنا، دوننا. ولن نعترف بمثل هذه الاتفاقات»، ورُبّما هذا أحد التحدِّيات، التي قد تعرقل مسار الرياض لتسوية الأزمة الأوكرانية. لكن في الأخير، نجحت المملكة في تقريب وجهات النظر بين واشنطن وكييف، وتُشير المحادثات إلى أنَّ المملكة يمكنها أن تقرِّب وجهات النظر عبر الأطلسي بصورة أكبر بشأن الأزمة؛ الأمر الذي يخدم الهدف الأساسي، وهو تسوية الصراع ووقْف الحرب.

2. تعقيدات الخلافات الأمريكية-الروسية:

على الرغم ممّا تعتبره روسيا تغيرًا جوهريًا يصُبّ في مصلحتها، ويعزِّز مكتسباتها في الصراع، غير أَّن الأطراف لم تصِل بعد إلى مناقشة القضايا الخلافية العميقة، وليس بمقدورهما وحدهما أن يمضيا قُدُمًا لتسوية الصراع، دون الالتفات إلى مطالب الأطراف الأخرى، أو الحد الأدنى منها، وهو ما قد يعرقل هذه المحادثات في أي وقت، فضلًا عن فُرَص معالجة الخلافات الجذرية بين الجانبين، واحتمال العودة إلى المربع الأول، خصوصًا بشأن ما يتعلَّق بتسوية القضايا الاستراتيجية، بما في ذلك القضايا النووية، والصواريخ الاستراتيجية، والمنافسة الجيوسياسية، والعلاقة مع الصين وكوريا الشمالية وإيران، وغيرها من القضايا الخلافية الأخرى.

3. الأدوار المنافسة للمملكة:

تتطلَّع الإمارات وتركيا والصين إلى استضافة هذه المحادثات، ولعِب دورٍ في الوساطة بين الجانبين ولا تزال. فالإمارات لعِبَت دورًا في الوساطات، التي تمَّ بموجبها تبادُل الأسرى بين روسيا وأطراف الصراع، وكانت أحد الوجهات المرشَّحة من جانب روسيا لاستضافة المحادثات، كما أنَّها وقَّعت اتفاقية شراكة استراتيجية مع أوكرانيا، لتطلُّعها للعِب دور بارز في الأزمة. أمّا تركيا، فإنَّها ترى أنَّها كانت جديرة باستضافة هذا الحدث المهم، حيث استضافت تركيا أيضًا جولة من محادثات السلام المباشرة بين وفدي روسيا وأوكرانيا في عام 2022م في إسطنبول، ولعِبَت أدوارًا بارزة في الصراع، بما في ذلك اتفاق تصدير الحبوب. وقد علَّق الرئيس التركي رجب طيِّب أردوغان على مباحثات الرياض، بقوله: «إنَّ مفاوضات إسطنبول تشكِّل نقطة مرجعية مهمَّة، باعتبارها المنصَّة، التي اقتربت منها الأطراف بشكلٍ أكبر من التوصُّل إلى اتفاق». وبالفعل، استضافت أنقرة محادثات خلال فبراير 2025م، عقِبَ المفاوضات الروسية-الأمريكية في الرياض، لكن ينظر الروس إلى تركيا كمنافسً وطرف غير محايد، بالنظر إلى الدعم الذي قدَّمته أنقره لأوكرانيا في هذه الأزمة. كذلك، فإنَّ الصين كانت ترغب في أن تحصل على امتيازات من هذه الوساطة، تعزِّز من خلالها نفوذها ومكانتها الدولية، لكن في الحقيقة لا تملك أيٌّ من هذه الأطراف صفات الوسيط المثالي لكافَّة الأطراف كالمملكة، بالنظر إلى حيادها وتأثيرها ومكانتها وقبولها من الجميع.

4. القضايا الشائكة في العلاقات السعودية-الأمريكية:

قد تتأثَّر استضافة المملكة للمحادثات الأمريكية-الروسية ببعض القضايا الشائكة بين واشنطن والرياض، أو بين الرياض وموسكو. فبالنسبة للولايات المتحدة، هناك تبايُن في الرؤى تجاه بعض القضايا، كالخلاف بشأن إمدادات النفط والضغوط الأمريكية على المملكة من أجل خفْض الأسعار، وكذلك القضية الفلسطينية والرؤية الأمريكية المُنحازة إلى إسرائيل، والتي تتعارض مع مصالح المملكة، إذ أنَّ فتْح أيٍّ من هذه الملفات قد يؤثِّر على دور الرياض في استضافة المفاوضات الأمريكية-الروسية. وبالنسبة لموسكو، تتضارب المصالح بشأن بعض القضايا، ومن أبرزها التطوُّرات الجارية في سوريا، ودعْم السعودية للنظام الجديد، والتعاون الروسي-الإيراني، لا سيّما على المستوى الدفاعي، والذي يُضِرّ بالأمن والاستقرار الإقليمي، والشراكة الاستراتيجية بين طهران وموسكو، والدعم الروسي للموقف الإيراني فيما يخُصّ القضية النووية، وما قد تعكسه من تأثيرات على المنطقة ومصالح المملكة فيها.

الخلاصة

على الرغم من الأدوار المنافسة للمملكة في الوساطة في الأزمة الأوكرانية، غير أنَّها تستوفي شروط الوسيط الفاعل، الذي يمكن أن يجعل من المحادثات مثمرة. ولا شكَّ أنَّ استضافة المملكة لجولات المحادثات الراهنة، تؤكِّد على نجاح التوجُّهات السعودية على الصعيد الدولي، وفاعلية خيارات ولي العهد السعودي في تبنِّي سياسة خارجية تقوم على تنويع الشراكات الدولية والحياد، والوقوف على مسافة واحدة من القُوى الدولية، والاستقلالية، والتطلُّع إلى مكانة خاصَّة في نادي القُوى الكُبرى، حيث أهَّلت هذه السياسة المملكة لتكون طرفًا محايدًا ومقبولًا من أطراف الصراع. وبالفعل، نجحت المملكة في أن تجمع القطبين الولايات المتحدة وروسيا على أراضيها، كما نجحت بعد استضافة الرئيس الاوكراني في تقريب وجهات النظر بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، بعد ظهور خلافات عميقة بين الجانبين. وقد يمهِّد ذلك الطريق إلى حل واحدة من أكثر الأزمات الدولية تعقيدًا منذ بداية القرن الحادي والعشرين بمساعدة سعودية، ولا شكَّ أن ذلك سيضع المملكة كقطب بين الكبار، وفاعل جيوسياسي مؤثِّر في مرحلة انتقالية مهمَّة على الصعيد الدولي، كما سيعطي للمملكة دفعةً إيجابية لتبنِّي مزيد من هذه الخيارات، ناهيك عن أنَّه سيصُبّ في تعزيز مكانة المملكة وقيادتها الإقليمية كقوَّة صاعدة على الصعيد العالمي.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير