بوصلة السياسة الخارجية الإيرانية في ظل تفاقم الصراع الدولي

https://rasanah-iiis.org/?p=29112

تشهد الساحة الدولية تحولات متسارعة في ظل تحوُّل المنافسة الإستراتيجية بين القوى الكبرى إلى مرحلة الصدام والصراع، وهي الحالة التي دفعت بها الولايات المتحدة في إطار مساعيها للاحتفاظ بمكانتها المهيمنة على قمة النظام الدولي، والتي أدت في الأخير إلى تفاقم الصراع مع روسيا العائدة والصين الطموحة. وفرض هذا التنافس/الصراع اندفاعًا نحو ترميم التحالفات القديمة، وبناء أخرى جديدة، ووفَّر ذلك بدوره مساحة أمام القوى الصغيرة والمتوسطة من أجل تعزيز مصالحها وتحريك سياساتها وتنويع شراكاتها. كانت إيران، التي تقع تحت وطأة الضغوط والعقوبات الأمريكية، من بين الدول التي رأت أن هذه البيئة المشتبكة تتيح أمامها فرصًا من أجل تعزيز مصالحها، وإظهار قدر من التحدي للهيمنة الأمريكية، التي ترى أنها تتبنَّى قواعد غير عادلة أو مجحفة بحقها. من هذا المنطلق، تحاول هذه الورقة أن تجيب عن تساؤل رئيسي يتمحور حول مدى تأثير التحولات، التي تشهدها الساحة الدولية، في السياسة الخارجية لإيران.

تحاول هذه الدراسة أن تجيب عن هذا التساؤل من خلال تناول ثلاثة محاور، أولًا: الصراع بين القوى الكبرى والتحولات على الساحة الدولية، ثانيًا: مضمون السياسة الخارجية الإيرانية في ظل حكومة رئيسي، ثالًثا: أثر تفاقم الصراع الدولي في مسار السياسة الخارجية الإيرانية.

أولًا: الصراع بين القوى الكبرى والتحولات على الساحة الدولية

تشهد الساحة الدولية صراعًا محمومًا بين القوى الدولية الرئيسية، ومن أبرز ملامح هذا الصراع ما يأتي:

1. المواجهة العسكرية واتّساع نطاق التنافس الجيوسياسي:

منذ تولِّي جو بايدن السلطة في الولايات المتحدة مطلع 2021م، تبنَّت إدارته إستراتيجية التنافس الإستراتيجي على الساحة الدولية، لمواجهة النزعة التعديلية المتصاعدة على الصعيد الدولي، والدفاع عن مكانة الولايات المتحدة بوصفها قوة مهيمنة، وقد تبنَّت الولايات المتحدة في هذا الإطار سياسة تقوم على: استعادة التوازن الإستراتيجي في أوروبا، وتوجيه الموارد والقوّات نحو الشرق الأقصى، وإبقاء المزايا الاقتصادية والتفوق التكنولوجي لصالح الولايات المتحدة، وأخيرًا حشد التحالفات لدعم القيم والمعايير التي ترعاها الولايات المتحدة. لكن قُوبِلت هذه السياسات بنوع من التعارض من جانب روسيا والصين الطامحتين لوضع حد للأُحادية الأمريكية، هذا التعارض حول التنافس نحو اندلاع الصراع في البؤر الملتهبة وعند نقاط تقاطع المصالح، الذي كانت أبرز مظاهره الأزمة الأوكرانية على الساحة الأوروبية، وأزمة تايوان في بحر الصين الجنوبي[1].

2. العودة إلى سياسة الاستقطاب وبناء التحالفات:

في ظل تنامي التنافس الدولي، وجَّهت القوى الرئيسية مزيدًا من مواردها من أجل دعم حلفائها، وظهرت بوادر التحرك على هذا المسار بسعي الولايات المتحدة لتعزيز تحالفاتها في شرق آسيا، وتوسيع حلف الناتو، وإعادة النظر في إستراتيجيتها تجاه الشرق الأوسط، والعودة إلى إفريقيا[2]. بالمقابل، حرصت الصين في هذا الإطار على بناء تكتُّلات من الدول التي ستدعمها، أو على الأقل التي لا تدعم الولايات المتحدة، ومن أهمّ هذه الجهود محاولة الصين توسيع منظمة شنغهاي وتكتُّل «بريكس»، وتطمح الصين إلى أن تصبح هذه التكتُّلات تحالفًا للقوى العظمى غير الغربية[3].

3. الفوضى في ظل غياب قوة الردع الأمريكية:

يبدو أن هناك صعودًا كبيرًا للقوى الآسيوية، وهناك حالة من عدم الاستقرار والتنافس الحاد في مختلف المناطق الجغرافية. وبدلًا من النظام فإن الفوضى تبدو آخذة في التمدّد، ولا شك أن هذا الواقع يزيد اضطراب النظام الدولي الراهن، إذ تتراجع قوة الردع والقيود، وتحديدًا دور الولايات المتحدة في هذا النظام. والسبب الجذري في تراجع إستراتيجية الردع وربما فشلها هو عدم كفاية الاستعداد للتهديد والذهاب الفعلي لاستخدام القوة العسكرية، عند الضرورة، فطالما هددت الولايات المتحدة باستخدام القوة وتراجعت، في سوريا، ومع إيران، فيما كانت خلال التسعينيات أكثر فاعلية في تحقيق أهدافها، كما حدث في يوغسلافيا أو ضد العراق[4]. ولا يتعلق الأمر بتآكل قوة الردع الأمريكية، بل أيضًا ظهر من خلال الأمريكيين أنفسهم كيف أن التوسع في استخدام القوة قد جرت مواجهته، وأن التوسع في استخدام العقوبات قد أدى إلى تآكل تأثيرها، بل إلى مزيد من التحالفات من أجل مقاومتها.

4. تحدي القواعد وطرح بدائل للنظام الراهن:

رفض بعض القوى الدولية التزام العقوبات التي فرضتها واشنطن وشركاؤها على روسيا إثر غزوها أوكرانيا، وأصبح دور الأمم المتحدة مهمَّشًا في ظل انتهاك أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي بشكل صارخ للقانون الدولي ومبدأ عدم تغيير الحدود بالقوة. ويرى عديد من القوى الدولية أن النظام الدولي الراهن لا يعكس مكانتها، فضلًا عن أنه غير عادل وغير متوازن، وقد تواتر الحديث عن رغبة في تكريس التعدّدية بدلًا عن الأُحادية، ومطالبات بإصلاحات في نظام الأمم المتحدة القائم. في هذا السياق، كشفت الصين مؤخرًا عن إطار عمل إستراتيجي جديد، أُطلِق عليه اسم «مبادرة الأمن العالمي»، وهي مبادرة تكشف عن تصوّر بكين المتطوّر حول النظام العالمي، والأهم من ذلك أنه يشير إلى محاولة الصين تقويض الثقة الدولية بالولايات المتحدة والغرب كضامن للاستقرار الإقليمي والعالمي. وعلى الرغم من أن الزخم الدولي لا يزال في الأُطر والمؤسسات الدولية الراهنة في العواصم الغربية، فإنّ المبادرة الصينية قد تجد صداها في عديد من العواصم التي فقدت ثقتها بواشنطن.

5. تنامي الهوية الدولية المناهضة للأُحادية القطبية:

على مستوى القيم والاتجاهات، من الواضح أن الهوية المناهضة للهيمنة الأمريكية تتعزز بمرور الوقت، وأن عديدًا من الدول الكبرى والمتوسطة تتشارك هوية معادية للهيمنة الأمريكية، ولديها بصورة متزايدة رغبة في التحرر من قيود الهيمنة الأمريكية، وتعاون هذه الأطراف في ما بينها على المستويات الدولية والإقليمية من أجل تحقيق هدفها. وبالفعل تتّخذ هذه القوى خطوات من شأنها إجراء تعديلات في البنيان الدولي، للحدّ من الهيمنة الأمريكية على أقل تقدير، أو إجراء تغيير جذري للنظام، إذ يجري تغيير نمط تدفُّق المصالح وتوزيع الموارد. ووجدت الصين في هذا التطوّر فرصة لتعزيز عَلاقاتها مع الدول التي تقع خارج المعسكر الغربي، لهذا تتحرك الصين مستغلّة الفرصة المواتية لتعميق شراكتها مع القوى المناهضة للولايات المتحدة، وتعمل على تعزيز مناعة هذه الدول في مواجهة العقوبات والضغوط الأمريكية، وتحرص على تعزيز ثقة هذه الدول بها[5].

ولا شك أن هذه التحولات العميقة المصاحبة لانتقال التنافس إلى مرحلة الصراع كانت لها تداعياتها على بنيان النظام الدولي والمعايير الحاكمة له، وسلوك الوحدات الدولية، والعمليات التفاعلية داخل النظام. ويمكن ملاحظة أهمّ هذه التداعيات على النحو الآتي:

أ. توسيع هامش الحركة والمناورة أمام القوى المتوسطة والصغيرة: كلما زادت درجة الصراع بين القوى الدولية الكبرى زاد هامش الحركة أمام القوى المتوسطة، فضلًا عن التحرر من القيود والضغوط الناجمة عن هيمنة قطب أوحد على الساحة الدولية، وكذلك توظيف هذا التنافس/الصراع لدعم مسارات الاستقلالية الإستراتيجية والجنوح نحو اتخاذ خط غير منحاز من الصراع، ناهيك بالاستفادة من طرفي الصراع. وعكست مواقف عديد من الدول قدرة بعض هذه الدول على تحدي السياسة الأمريكية، أو دعم مسار استقلالها الإستراتيجي، وبالتالي عدم انصياع بعضها للإرادة الأمريكية، وفقدان الولايات المتحدة لقدرتها على توظيف مواقف هذه الدول لخدمة مصالحها. فعلى الرغم من العدوان الروسي الواضح، فإنّ عديدًا من دول العالم كان مترددًا في إدانة روسيا، حتى تلك الدول القريبة من الولايات المتحدة، التي ناشدتها من أجل إدانة هذا العدوان الروسي[6].

ب. تقييد التعاون الدولي في القضايا الدولية.. بما في ذلك قضية الانتشار النووي: ليس من المستغرب أن التداعيات الدبلوماسية الناجمة عن المواجهة المحتدمة بين القوى الدولية جعلت من الصعب على القوى العظمى العمل معًا لمواجهة التحديات المختلفة، حتى عندما يكون ذلك في مصلحتها[7]. ففي ظل تعاون أقوى بين الصين وروسيا، أصبحت المؤسسات المتعدّدة الأطراف أقل فاعلية، إذ وحَّد البلدان جهودهما على هذا المستوى، فقد حالا دون صدور عديد من القرارات من مجلس الأمن الدولي، كما هي الحال في القرارات المتعلقة بالأزمة في اليمن وسوريا. وظهر كيف قررت روسيا وحدها عرقلة توافق الآراء بشأن وثيقة ختامية في ختام المؤتمر الاستعراضي العاشر للأطراف في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، في أغسطس 2022م[8]. وكذلك في ما يخُص كوريا الشمالية، قيَّدَت روسيا والصين الرغبة الأمريكية في تحقيق إجماع دولي بشأن معالجة عديد من القضايا، بما فيها قضايا الانتشار النووي، وكانت آخر القضايا المطروحة للنقاش في هذا السياق المحاولة الفاشلة لاستصدار قرار من مجلس الأمن في أعقاب تجربة نووية لكوريا الشمالية في مايو 2022م، مع ما ينطوي عليه ذلك من ضرر يلحق بمؤسسات النظام الدولي، فضلًا عن الرسالة السلبية المحتملة التي قد تتلقاها كوريا الشمالية وغيرها من القوى الطامحة لحيازة سلاح نووي كإيران، وذلك في ظل الفجوة المحتملة في نظام حظر الانتشار النووي مع تزايد حدة الصراع الدولي، ناهيك بأن نظام العقوبات الدولية الذي ترعاه الولايات المتحدة في مواجهة ما تعتبرها الأنظمة المارقة وطموحاتها النووية قد ينهار[9].

ج. تعزيز مكانة الدول المنتجة للسلع الحيوية: أظهرت الأزمة في أوكرانيا أهمية السلع الحيوية والإستراتيجية في هذا الصراع، فبينما تضغط روسيا من خلال ورقة الغاز والنفط على الغرب، فضلًا عن صادرات الغذاء والعناصر الحيوية في الصناعات التكنولوجية وأشباه الموصِّلات، وكذلك الصين التي تُعَدّ أكبر مورد للمواد المستخدمة في صناعة الرقائق الإلكترونية، فإنّ أهمية بعض الدول التي لديها مخزون من هذه الموارد قد أصبحت محط نظر القوى الكبرى، مثل دول الخليج وإيران وفنزويلا، ومِن ثَمّ فقد أتاح الصراع الدولي لهذه الدول، لا سيما تلك التي تقع تحت وطأة العقوبات والحرمان، الاستفادة من الطلب المتزايد من القوى المتنافسة على منتجاتها ومواردها، ليس لتحصيل مكاسب اقتصادية وحسب، لكن أيضًا لتعزيز مصالحها ودعم تطلعاتها والتخلص من القيود والعقوبات.

د. إظهار مزيد من التعاون لمواجهة العقوبات الأمريكية والغربية: بعد تمادي الولايات المتحدة في استخدام آلية العقوبات لمعاقبة الدول، يُظهِر عديد من القوى الدولية رغبة في التعاون للتغلب على هذه العقوبات، كما يُثار جدل واسع بين هذه الدول بشأن استمرار النظام النقدي الذي يمنح الولايات المتحدة مثل هذه القوة الأُحادية الجانب. وبالفعل تطرح الصين وروسيا ودول كإيران نظامًا ماليًّا بديلًا مُقوَّمًا بالعملة الصينية، يركِّز على تبادل السلع الأساسية[10]، وقد تطلق هذه التقنيات العنان لآثار تحويلية في النظام المالي الدولي، وبينما لا يزال من غير المحتمل وجود عملة ورقية أخرى تحل محل الدولار على المدى القصير، غير أن تطوير العملات الرقمية، والعملات المشفرة غير المركزية، والعملات الرقمية للقطاع الخاص، يشكِّل تهديدات لقدرة الولايات المتحدة على الاستمرار في جني المكاسب من الأنظمة الحالية، والاستفادة من مركزية الدولار لفرض العقوبات، والتأثير في المعاملات المالية الدولية على المدى الطويل[11].

ثانيًا: اتجاهات السياسة الخارجية الإيرانية في ظل حكومة رئيسي

وفَّرت البيئة الدولية فرصة مهمّة أمام رئيسي للتحرك على مسارين متوازيين، ويمكن توضيح ذلك على النحو الآتي:

1. الدبلوماسية الحذِرة:

جاء رئيسي إلى السلطة في ظروف معقدة، إذ تعاني البلاد من أزمة اقتصادية واضطرابات اجتماعية تهدد شرعية النظام ككل، فضلًا عن ضغوط خارجية شديدة الوطأة. وبخلاف روحاني فإنّ رئيسي جاء إلى السلطة وهو يتمتع بخبرات قليلة في شؤون السياسة الخارجية، وأدت نقاط ضعف رئيسي على الصعيد الخارجي إلى اعتماده على المؤسسات التي لعبت دورًا مهمًّا في الدفع به إلى سُدّة السلطة، خصوصًا بيت المرشد، الذي يملك القرار الأخير الخاص بشأن وجهة السياسة الخارجية الإيرانية، لا سيما ما يتعلق بالاتفاق النووي، والعَلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، والنزعة الشرقية. بناءً على ذلك، لم تعارض حكومة رئيسي خيار الدبلوماسية الذي طرحته إدارة بايدن من أجل إحياء الاتفاق النووي، فضلًا عن أنها أبدت رغبتها في توسيع الحوار الإقليمي من أجل تهدئة التوترات، لكن مع الاحتفاظ بخطوط حمراء بشأن مصالحها الحيوية. ويمكن توضيح ملامح هذا المسار الحذِر على النحو الآتي:

أ. التفاوض مع تأكيد العداء مع الولايات المتحدة: أكد خامنئي عدم الثقة بالغرب، ومِن ثَمّ وضع خطًّا أحمر أمام أي مساعٍ لتطبيع العَلاقات مع الولايات المتحدة، إذ صرَّح المرشد بأن «التفاوض مع العدوّ لا يعني التصالح والاستسلام»[12]، وترجمت حكومة رئيسي ذلك في عدم التفاوض بصورة مباشرة مع الولايات المتحدة من أجل إحياء الاتفاق النووي، وتأكيد وجود ضمانات تضمن التزام الولايات المتحدة بأي اتفاق، فضلًا عن ضمانات بشأن التحقق من العوائد الاقتصادية للاتفاق.

ب. الانخراط والتشدد في المفاوضات النووية: أظهرت إيران تشددًا واضحًا على طاولة المفاوضات، ووجدت في البيئة الدولية فرصة من أجل المناورة وكسب الوقت، في الوقت نفسه عملت على تحقيق مكتسبات تقنية تقربها أكثر فأكثر من الوصول إلى العتبة النووية تحت غطاء الدبلوماسية، وممارسة ضغوط لموازنة الضغوط الأمريكية والغربية، ودفع الولايات المتحدة والغرب لتخفيف مطالبهم بشأن إحياء الاتفاق النووي وقبول شروط إيران.

ج. الرفض القاطع للتفاوض حول برنامج الصواريخ الباليستية: إذ تتشدد إيران بشأن مناقشة أي قضايا أخرى بخلاف الملف النووي، باعتبار ذلك خطًّا أحمر لا يمكن تجاوزه. وجاء بيان الحرس الثوري في الأول من أبريل بمناسبة يوم الجمهورية الإسلامية لتأكيد ذلك، إذ أشار البيان إلى أن «القوة الصاروخية وشعبية ونفوذ إيران الإقليمي، التي ترتبط باسم الحرس الثوري، والتي لطالما كانت تطمع بها الجبهة الموحدة لأعداء النظام الإسلامي، خصوصًا نظام الولايات المتحدة الأمريكية المافيوي والإرهابي الذي يعيش على الأزمات، هي الخط الأحمر للشعب الإيراني»[13].

د. الحوار مع القوى الإقليمية المنافسة: وذلك من أجل تهدئة التوترات وتجنُّب مزيد من التحديات، مع عدم التخلي عن الطموح في الريادة الإقليمية وتعزيز النفوذ، إذ تبنّت إيران الحوار مع القوى الإقليمية، لا سيّما مع المملكة العربية السعودية تحديدًا، بهدف تخفيف وطأة الضغوط التي تتعرض لها طهران، ووقف الاندفاع الخليجي لتطبيع العَلاقات مع إسرائيل ونقل المواجهة مع إسرائيل إلى الخليج العربي، فضلًا عن إثناء القوى الإقليمية عن موقفها الرافض للعودة إلى الاتفاق النووي دون إدراج سلوك إيران الإقليمي على جدول المفاوضات مع إيران. كما تراهن حكومة رئيسي على أن تحسين عَلاقاتها بدول الخليج سوف يحدّ من نفوذ الولايات المتحدة على الصعيد الإقليمي، ويدعم موقفها في المفاوضات الجارية.

ه. تنشيط دبلوماسية الطاقة: تطرح إيران نفسها لاعبًا بارزًا في سوق النفط العالمية، وأوضح وزير النفط الإيراني جواد أوجي أن سوق الطاقة العالمية بحاجة إلى النفط والغاز الإيرانيين، وأن عودة النفط الإيراني يمكن أن تحقق الاستقرار في السوق، وشدد على أن بلاده قادرة على زيادة إنتاج النفط وإعادته إلى المستوى الذي كان عليه قبل فرض العقوبات في أقرب وقت ممكن. تأتي أهمية هذا الطرح فيما يشهد العالم أزمة غير مسبوقة في إمدادات الغاز، وبينما أصبحت هذه السلعة إحدى أدوات الحرب فإن إيران تمتلك وحدها احتياطيًّا هائلًا من الغاز يتجاوز 34 تريليون متر مكعب، تشكِّل هذه الاحتياطيات نحو 17.8% من احتياطيات الغاز العالمية، ما يضع إيران في المرتبة الثانية عالميًّا بعد روسيا. كما تمتلك إيران أيضًا احتياطيات نفطية كبيرة تُقدَّر بنحو 158 مليار برميل، وهو ما يمثل نحو 9% من إجمالي احتياطيات النفط الخام، ما يضع إيران في المرتبة الرابعة عالميًّا بعد فنزويلا والمملكة العربية السعودية وكندا. ونظرًا إلى توفر مناطق هائلة لم تُستكشَف بعدُ للنفط والغاز، فمن المتوقع أن تزداد هذه الاحتياطيات، وكذلك احتياطيات الغاز الطبيعي، فضلًا عن أن ذلك يرشِّح موقع إيران الإستراتيجي لأن تكون مصدرًا مهمًّا للطاقة في العالم وبتكلفة مناسبة، وهو ما ترغب إيران في توظيفه لتحقيق عوائد اقتصادية وإستراتيجية لتعزيز مكانتها ونفوذها دوليًّا[14].

2. المقاومة والتحرك بعيدًا عن الغرب:

وضع رئيسي على قائمة أولوياته خلق توازن في عَلاقاته الخارجية من خلال تعزيز عَلاقاته مع الدول المنافسة للولايات المتحدة، مع العمل على تنويع توجهات إيران الخارجية، على أمل أن يسهم ذلك في معالجة مشكلات إيران بمعزل عن الاتفاق النووي، وألا تمثل العقوبات قيدًا على خيارات إيران على الصعيد الخارجي، أو تصُبّ في تهديد النظام وشرعيته في الداخل. وعلى هذا الأساس وجَّه رئيسي كل الوزارات والأجهزة للتعاون في إحباط العقوبات، وتنظيم سوق السلع الأساسية، وتقرر تشكيل مقر لإحباط العقوبات، على أن يتولى النائب الأول للرئيس تنسيق أنشطة الحكومة لإحباط العقوبات[15].

في هذا الإطار، اتجهت حكومة رئيسي نحو تبنِّي ما يأتي:

أ. التوجُّه شرقًا: وليس المقصود بالتوجُّه شرقًا المعنى الذي كان قائمًا وقت الحرب الباردة، بل الشرق من منظور إقليمي وجوار، إذ نظر إلى أن الشرق يمكن أن يضمن تقوية الأمن القومي للبلاد، باعتبار هذا النهج يرتبط أساسًا بتحقيق توازن قوة مع الغرب، ومِن ثَمّ أكدت حكومة رئيسي أهمية التعاون مع دول رئيسية، هي روسيا والصين والهند.

ب. سياسة الجوار: ويُقصَد بها توسيع نطاق العَلاقات مع دول جوار إيران، لمحاولة فتح أفق للتعاون والتبادل التجاري مع هذه الدول من أجل التغلب على العقوبات الأمريكية، وفق خطوط عريضة تشمل التعاون اللوجستي، والتعاون المالي والبنكي، وتنمية الأسواق الدولية، والاتفاقيات التجارية وإصلاح هيكلية التنمية التجارية، والعمل مع البنوك المحلية في الدول الهدف واستنادًا إلى عملتها[16]. وترجمت منظمة تنمية التجارة هذه التوجهات باللجوء إلى عقد الاتفاقيات الثنائية لرفع القيود، وإيجاد قناة مالية ثنائية لتجاوز مشكلات العقوبات، وإقامة المعارض لتعزيز التجارة والإسراع في تنفيذ البرامج المشتركة، وتكثيف آلية اللجان المشتركة، وسياسة مقايضة البضائع، وتعزيز التبادل التجاري، فضلًا عن إجراء مشاورات متعدّدة بشأن تعزيز العَلاقات الاقتصادية والتعاون التجاري، ووضع إستراتيجية لتسديد الديون، من بينها اتفاقية لـ«مقايضة» النفط بالسلع[17].

ج. تعزيز النزعة الإقليمية: وظهر ذلك مع أول جولة خارجية لرئيسي بحضور قمة شنغهاي، التي جرى فيها قبول عضوية إيران في المنظمة، فضلًا عن تعزيز العَلاقات مع تكتُّل أوراسيا، إذ تبحث حكومة رئيسي خلال المرحلة الراهنة تنفيذ بنود اتفاقية التجارة الحرة التي وقّعتها مع اتحاد أوراسيا في 2021م، ومؤخرًا طلبت إيران الانضمام إلى منظمة بريكس.

د. الدبلوماسية الاقتصادية: جاءت في سياق برنامج رئيسي لمعالجة مشكلات إيران بمعزل عن المفاوضات النووية، ويُقصَد بها جعل التجارة أولوية الحكومة على الصعيد الخارجي لتعزيز الفوائد الاقتصادية، وبالتالي أصدر البرلمان قانونًا لإضفاء طابع الاقتصاد على السفارات، لتلعب دورًا في تعزيز تجارة إيران الخارجية مع دول الجوار، إذ واصلت إيران جهودها لتفعيل الشراكة التجارية والاقتصادية، من خلال متابعة عمل اللجان المشتركة وتعزيز التعاون الاقتصادي مع عدد من دول الجوار، من بينها أوزبكستان وأذربيجان وأرمينيا وباكستان والعراق وتركيا وقطر وعمان. فمنذ بداية تولِّي حكومة إبراهيم رئيسي شاركت إيران في عديد من المعاهدات الإقليمية والمنظمات الدولية، مثل شانغهاي وبريكس وغيرهما. وأجرى المسؤولون الإيرانيون زيارات عديدة لسائر الدول، وجاء عديد من مسؤولي الدول الأخرى إلى طهران، وتهيأ المجال لإبرام اتفاقيات ومذكرات تفاهم عديدة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والأمنية. بالتأكيد نقَل هذا النهج رسالة إلى الأطراف المقابلة، مفادها أن إيران تسعى لتعزيز العَلاقات مع الحكومات والشعوب المجاورة والحليفة[18].

ثالثًا: أثر تفاقم الصراع الدولي في مضمون ونتائج السياسة الخارجية الإيرانية

من الواضح أن التحولات الدولية لم تُحدِث تغييرًا جوهريًّا على مضمون السياسة الخارجية لحكومة رئيسي، إذ إنها ظلَّت تتمحور حول توجُّه يجمع بين الدبلوماسية الحذِرة على الصعيدين الدولي والإقليمي، بما في ذلك المفاوضات النووية، وكذلك الحوار مع المنافسين وتحديدًا المملكة العربية السعودية وتركيا. وتتمسك إيران في ظل ظروف داخلية قاسية بهذه المسارات، لكن مع تأكيد خطوطها الحمراء، بالتوازي مع سياسة نشِطة من أجل التغلُّب على العزلة وإحباط العقوبات، والتعاون مع القوى المناوئة للولايات المتحدة، لا سيما روسيا والصين، إذ قد يسفر هذا المسار عن تحسين الأوضاع، وتعزيز الموقف التفاوضي في مواجهة الغرب والولايات المتحدة. وتابعت إيران العمل على تنفيذ هذه التوجهات بأدوات تقليدية، درجت على استخدامها في تحقيق غايتها على الصعيد الخارجي دون تغييرات جوهرية، وجميعها يستند إلى مفهوم المقاومة، الذي نجحت إيران في تطويره على مدى عقود منذ الثورة.

لكن في ما يخصّ قضايا السياسة الخارجية الإيرانية فإنّ التحولات الدولية أثّرت في أولويات حكومة رئيسي، إذ تأرجحت مواقف حكومة رئيسي من عدد من القضايا على ضوء معطيات الساحة الدولية، خصوصًا إحياء الاتفاق النووي وملف الحوار الإقليمي، إذ تأثر موقف إيران من هذه القضايا بمواقف القوى الدولية، كما اتخذت سياسة المقاومة زخمًا في ظل رغبة روسيا والصين في تحدي الولايات المتحدة وإحباط سياساتها في ما يتعلق بالعقوبات. أما مستوى نتائج السياسة الخارجية لرئيسي، فبقدر ما أتاحت التحولات على الساحة الدولية من مكاسب لإيران، بقدر ما أظهرت من تحديات. ويمكن رصد هذه النتائج على النحو الآتي:

1. المكتسبات والفرص المتاحة:

أ. الحدّ من قدرة الولايات المتحدة على حشد دعم دولي لتوجيه ضربة عسكرية لإيران: تعتقد إيران أن الصراع الدولي الراهن يحدّ من قدرة واشنطن على شن حرب أخرى في الشرق الأوسط، فالولايات المتحدة مشغولة بالحرب في أوكرانيا، كما أن أولويتها الأساسية هي تطويق الصين، إذ إنه من شأن أي حرب ضد إيران أن تشعل صراعًا إقليميًّا لا ترغب الولايات المتحدة في اندلاعه خلال المرحلة الراهنة، كما لا يرغب فيه الأوروبيون، لأنه فضلًا عن تداعياته على الاستقرار في المنطقة فإنه سوف يؤثر في إمدادات الطاقة وارتفاعها، في وقت تعاني فيه الدول الأوروبية والولايات المتحدة من أزمة في الإمدادات والأسعار لم يسبق لها مثيل. ومثَّل ذلك فرصة لإيران في إظهار قدر من التحدي أمام الضغوط الأمريكية، ونجاح تجنُّب مناقشة قضايا حيوية تخصّ برنامج الصواريخ الباليستية، بل إنها أجرت مزيدًا من التجارب والاختبارات بشأنها، فضلًا عن تحييد ملف نفوذها الإقليمي بعيدًا عن المفاوضات، وحصر المفاوضات النووية في العودة إلى الاتفاق القديم دون تعديلات جوهرية.

ب. كسب الوقت والتشجع على اختبار فرصة الوصول إلى العتبة النووية: وظَّفت إيران الصراع الدولي من أجل كسب الوقت، بالتوازي مع ممارسة سياسة الابتزاز النووي، من خلال عرقلة جهود الرقابة التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورفع مستويات وكميات التخصيب بتركيب مزيد من أجهزة الطرد المركزي المتطوّرة، فضلًا عن تفادي الإجابة عن استفسارات الوكالة الدولية بشأن العثور على آثار اليورانيوم المخصب في ثلاثة مواقع غير معلنة قرب طهران. وجاء ذلك في إطار محاولة إيران تحصيل مزيد من الامتيازات على طاولة المفاوضات بشأن الاتفاق النووي، ويبدو أن إيران تستغلّ الظروف الراهنة للمُضيّ قُدُمًا في برنامجها ومحاولة الوصول إلى العتبة النووية، ومِن ثَمّ جعل برنامجها نفسه أداة ردع لعدم الانسحاب من الاتفاق، أو ما يطلق عليه البعض الضمانات الذاتية لبقاء الاتفاق. ومفاد هذه الخطوة، أن إيران سترفع من خلال برنامجها النووي تكلفة أي انسحاب مستقبلي من الاتفاق النووي، ومِن ثَمّ يكون ذلك رادعًا ذاتيًّا كافيًا لمنع أيّ تلاعب أمريكي بالاتفاق من جديد، إذ ستكون فرص السيطرة على البرنامج النووي أقل[19].

ج. مزيد من التعاون الإستراتيجي مع الصين: اتخذت حكومة رئيسي خطوات تنفيذية بشأن تطبيق اتفاقية الشراكة الإستراتيجية مع الصين في يناير 2022م. واعتبر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني أن «توقيع وثيقة الشراكة بمثابة خريطة طريق للتعاون الإستراتيجي بين إيران والصين، وهو جزء من سياسة المقاومة الفعالة»[20]. وبالفعل تستورد الصين قرابة 650 ألف برميل يوميًّا من النفط الإيراني خلال عام 2022م[21]، وترغب إيران في ظل الصراع الدولي الراهن في أن تكون معبرًا مهمًّا للمحاور الإستراتيجية التي تشملها مبادرة الحزام والطريق، إذ يتحقق لها تموضع جيو-اقتصادي يساعدها في التغلب على العزلة والضغوط الأمريكية، وفي مزيد من الاستقلال السياسي الإستراتيجي.

د. الشراكة مع روسيا: قرَّبت الحرب الأوكرانية روسيا من إيران بصورة متزايدة، وأصبح البلَدان لديهما استعداد أكبر في ظل الضغوط والعقوبات الأمريكية للتعاون، وإظهار مزيد من التحدي. في هذا الإطار تتجه إيران إلى توقيع اتفاقية شراكة إستراتيجية مع روسيا، كتلك التي وقّعتها من الصين، وتعزيز التعاون الدفاعي وتنفيذ صفقات سلاح، كان آخرها صفقة الطائرات التي أمدت بها إيران روسيا لدعم عملياتها العسكرية في أوكرانيا، مع ما يفتحه هذا المسلك الروسي من كسر لحاجز العقوبات على صادرات السلاح الإيرانية[22]. وفي ظل العقوبات القاسية، اتفق الطرفان على الاعتراف رسميًّا ببطاقات النظام المالي «مير»، وهو نظام نقل ودفع ماليّ تحت إشراف البنك المركزي الروسي يُستخدَم داخل روسيا، وسرى العمل به منذ عام 2014م، في أعقاب فرض الدول الغربية عقوبات على مؤسسات روسية[23]، وهو ما يشير إلى خطوات متقدمة لتحييد تأثير العقوبات الأمريكية. ويبذل قادة الدولتين جهودًا لزيادة التعاون الاقتصادي بين البلدين، وزيادة حجم المعاملات والمبادلات، وقد زاد بالفعل خلال الربع الأول من عام 2022م بمقدار 10%، فضلًا عن تطوير ممر الشمال-الجنوب الذي يُعَدّ مهمًّا لروسيا في إطار مواجهتها الراهنة مع الغرب والولايات المتحدة[24]، هذا ناهيك بالتعاون الوثيق في دعم بقاء الرئيس بشار الأسد في سوريا، واحتمال تقديم روسيا مزيدًا من الدعم لإيران على هذه الساحة في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل، بالنظر إلى موقفهما المعادي لروسيا.

ه. توسيع التحالف مع القوى الدولية المناهضة للولايات المتحدة: في إطار التحالفات المناهضة للهيمنة واصلت إيران مساعداتها لفنزويلا التي تخضع لعقوبات أمريكية، إذ عملت على استكمال تحديث مصافي النفط وتزويد كراكاس بالوقود، كما وصلت إلى المواني الفنزويلية ناقلة نفط إيرانية تحمل مليون برميل نفط خام خلال مايو 2022م. وتأتي هذه العَلاقات في إطار اتفاقية مقايضة وقَّعها البلَدان في عام 2021م للتغلب على العقوبات الأمريكية عليهما. وقال مسؤولون في وزارة النفط إنّ صادرات مكثفات الغاز التي تراوحت بين 20 حتى 60 ألف برميل يوميًّا خلال حكومة روحاني زادت نحو 2.5 إلى 3 أضعاف، ولا يقتصر التعاون على اتفاقيات التجارة والنفط، فقد قال مسؤولو وزارة الدفاع الإسرائيلية في وقت سابق إنّ إيران سلَّمت فنزويلا قنابل موجَّهة لاستخدامها في الطائرات المسيرة من نوع «مهاجر»، والعديد من النماذج المماثلة[25]. كما وقَّع البلَدان وثيقة للتعاون الإستراتيجي لمدة 20 عامًا تشمل المجالات السياسية والاقتصادية، وذلك في أثناء زيارة الرئيس الفنزويلي لإيران في يونيو 2022م، وسبق هذه الاتفاقية اتفاق نفط ثنائي بين إيران وفنزويلا. وتفيد تقارير بأن إيران ترسل صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيرة إلى فنزويلا، وهو تحرُّك له مغزى في الفِناء الخلفي للولايات المتحدة[26].

و. نموّ التجارة الخارجية وتزايد فرص التغلب على العقوبات: لم تنمُ تجارة إيران الخارجية نتيجة التراخي الأمريكي في تطبيق العقوبات فحسب، لكن تغاضت الولايات المتحدة بسبب الصراع الدولي الراهن مع روسيا والصين عن التوسع في فرض العقوبات الثانوية على الدول المتعاونة مع إيران، بل باتت الولايات المتحدة والدول الأوروبية تنظر بصورة إيجابية إلى ضخ النفط الإيراني في السوق الدولية. وكان لذلك أثر في تجارة إيران الخارجية، إذ نمت بنسبة 38% في الأشهُر الـ11 الأولى من العام الإيراني الذي بدأ في مارس 2021م، ووصلت مبيعات النفط إلى أعلى مستوى لها خلال الفترة الأخيرة[27]، كما تمكّنت إيران من كسر حاجز العقوبات في القطاعات المختلفة، ومنها صناعة البتروكيماويات[28]. وكشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن تورُّط النظام الإيراني إدارة شبكة مالية سرّية في الخارج لمقاومة العقوبات الأمريكية، وبهذه الطريقة استطاع النظام الإيراني تخفيف بعض الضغوط السياسية داخل البلاد، وتعزيز موقفه في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، وليس مستبعدًا أن يجعل النظام الإيراني هذه الشبكة المالية والتجارية السرّية جزءًا دائمًا من هيكله الاقتصادي، من أجل تجنب عقوبات مستقبلية محتملة، أو لمنع أي رقابة خارجية[29].

كما يُلاحَظ ارتفاع صادرات إيران لدول الجوار خلال ربع السنة الشمسية الأخير بين 70 و120%[30]، كما نمت التجارة الإيرانية مع دول ساحل بحر قزوين بنسبة 39%[31]، وهو ما تعتبره الحكومة نجاحًا لما تسمّيه ضمن برنامجها لإنهاء تأثير العقوبات بـ«سياسة الجوار». كذلك رصدت غرفة التجارة الإيرانية-العُمانية المشتركة زيادة بنسبة 63% في الصادرات الإيرانية إلى عمان[32]، كما سارت العَلاقات المالية قُدُمًا مع باكستان، ما أدى إلى إبرام اتفاق للمقايضة بين البلدين، كما أبرم رئيس الجمهورية اتفاقية للغاز مع تركمانستان[33]، كما كشف مركز إحصاء الاتحاد الأوروبي «يوروستات» عن ارتفاع ملحوظ للتجارة بين إيران والاتحاد الأوروبي خلال الأشهُر الثلاثة الأولى من 2022م، إذ زادت صادرات إيران بمقدار 40% بالمقارنة بالفترة المماثلة من عام 2021م، كما سجَّلت صادرات الاتحاد الأوروبي لإيران ارتفاعًا يُقدَّر بـأكثر من 18%[34].

وكما يوضح الجدول أدناه، فقد اتّخذت صادرات إيران منحى تصاعديًّا منذ عام 2021م، ونجحت إيران في تعديل الميزان التجاري لصالحها، ومتوقع خلال العام الجاري 2022م وعام 2023م نموّ كبير في صادرات إيران. ولا شك أن هذا نتاج عدة عوامل، من بينها سياسة إيران الخارجية، التي ركَّزت على معالجة مشكلاتها بمعزل عن التفاهم مع الغرب، والتراخي الأمريكي في تطبيق العقوبات على إيران أو من يتعاونون معها في إطار الصراع الدولي الجاري. وجدير بالذكر أن الصراع الدولي منح الدول متّسعًا لتجاوز قواعد التجارة الدولية في ما يتعلق بالحماية والقيود، وإيران بالأساس في إطار سياسة المقاومة كانت تتحدى القواعد التجارية وتمارس أساليب حمائية، لكنها ستتزايد أكثر وأكثر في ظل الصراع الراهن.

مع ذلك، لا يفوت التنبيه في هذا المقام إلى أن ارتفاع أسعار النفط، وانخفاض قيمة العملة المحلية، وفرض قيود على الواردات، كلها عوامل ساعدت في نموّ تجارة إيران الخارجية، وتعديل الميزان التجاري لصالحها[35].

جدول (1): حجم الصادرات والواردات والميزان التجاري الإيراني للسنوات «2017-2023م»

 2017م2018م بداية العقوبات2019م2020م2021م2022م تقديري2023م تنبُّؤي
الصادرات96.03492.65159.97549.84879.470104.161101.010
الواردات73.84061.84758.09046.61263.62671.50378.653
الميزان التجاري14.91526.241-1.652-70811.14426.83415.736

2. التحديات في ظل نظام دولي لم تتغير قواعده بعد:

على الرغم من المكاسب التي جنتها إيران من جرّاء الصراع الدولي الراهن بين القوى الدولية، فإنّ هناك تحديات لا تزال تواجه صانع القرار الخارجي في إيران، وذلك على النحو التالي:

أ. حقيقة الهيمنة الأمريكية والتكلفة المحتملة لتجاوز القواعد التي أرستها دوليًّا: على الرغم من التداول واسع النطاق للتحولات الراهنة على الساحة الدولية، وذهاب بعض التوقعات نحو تأكيد أن ثمة تغييرًا يجري في طبيعة النظام الدولي باتجاه التعدّدية، وعلى الرغم من المؤشرات التي تفيد بأن إيران حققت بعض المكتسبات، لا سيما على صعيد التغلب على العقوبات وبناء التحالفات، فإنّ عمق المشاركة الأمريكية في مواجهة طموحات الصين وروسيا يعكس تصميم الولايات المتحدة في الحفاظ على مكانتها، يساعدها في ذلك أنها لا تزال تتمتع بفجوة بينها وبين أقرب منافسيها على مستوى القوة الشاملة. ولا تزال الولايات المتحدة هي القوة الأكثر تأثيرًا وحضورًا على المسرح العالمي، من خلال هيمنة اقتصادية للدولار، وانتشار عسكري لا يضاهى على الصعيد الدولي، وتحالفات هي الأكثر قوةً وتأثيرًا، ناهيك بالمكانة الدبلوماسية والقوة الناعمة الهائلة.

هكذا يفرض هذا الواقع تحديًا أمام القوى المتوسطة كإيران، إذ إنّ الخروج عن قواعد النظام قد يكلِّف دولة كإيران تكلفة عالية، فاحتمال شعور النظام بأن تغييرًا ما في طبيعة النظام قد يغريه بالمضيّ قُدُمًا في امتلاك سلاح نووي سوف يجد حسمًا أمريكيًّا غربيًّا قد يكلِّف النظام بقاءه، وقد تدرك إيران ذلك. ولهذا فإنها حريصة على الإبقاء على مسار الدبلوماسية، بل إنها اتجهت نحو تقديم تنازلات بشأن مطالبها في إحياء الاتفاق النووي، ومنها الكف عن المطالبة برفع اسم الحرس الثوري من قائمة العقوبات الأمريكية، وغيرها من الخطوط الحمراء التي أصرت عليها في بداية المفاوضات.

ب. حدود استعدادات الصين وروسيا لدعم إيران: على الرغم من أن روسيا والصين من الحلفاء الموثوقين لإيران، فإنه لا يبدو أن الصين وروسيا لديهما الاستعداد والإمكانيات والمبادرات الكافية لتغيير قواعد النظام، بل إنهما قد تتخليان عن الحلفاء مع الحصول على امتيازات ونصيب أكبر من الموارد في النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، ومِن ثَمّ عدم المضيّ قُدُمًا مع إيران في تحدّيها للقواعد والخطوط الحمراء الأمريكية، خصوصًا أن مصالح كل الأطراف تلتقي في تحجيم طموح إيران النووي، فضلًا عن الحذر من نفوذها الإقليمي، وزعزعتها لأمن المنطقة التي يتدفق منها نصيب مهمّ من مصادر الطاقة ويمرّ عبرها قدر هائل من حجم التجارة الدولية، وعلى الرغم من التعاون الحالي بين إيران وروسيا، فإنّ العداء القديم والأهداف المتباينة تستمر في تقويض عَلاقتهما. فالصين وروسيا تساورهما مخاوف مشتركة من أن إيران قد تولِّى وجهتها نحو الغرب، كما حدث بعد اتفاق عام 2015م، ويبدو أن روسيا تحديدًا تخشى من أن تحتلّ صادرات النفط الإيراني مكان النفط والغاز الروسيين[36]. كما أن محاولات إيران الانضمام إلى تحالفات مناهضة الولايات المتحدة كمنظمتَي بريكس وشنغهاي وتكتُّل أوراسيا يواجه عقبات، فهذه المنظمات تشارك بها دول مؤثرة قد تقيد بدورها أيّ جهود معادية للولايات المتحدة، كالهند العضو في شنغهاي وبريكس. ومع ذلك لا يمنع وجود إيران ضمن هذه المنظمات من أن هذه المنظمات قد تحدّ من أو تخفف حدة التحركات القسرية والعقابية من جهة الولايات المتحدة وحلفائها تجاه إيران إلى حدٍّ ما.

ج. مساحة المناورة ذاتها المتاحة للمنافسين وتوظيفها لمقاومة سلوك إيران: تمتدّ ارتدادات سياسة رئيسي الخارجية إلى المنطقة، فبينما يُلقي رئيسي بثقله نحو الشرق من منظور إقليمي، فإنه يواجه في غرب آسيا تحديات جسيمة، إذ عادت الولايات المتحدة لتبنّي إستراتيجية ردع إقليمي لمواجهة خطر إيران، بعد أن فشلت التفاهمات حول دور إيران في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، فضلًا عن تراجع تأثير أذرع إيران الإقليمية. وظهرت بوادر ذلك في لبنان الذي تراجعت فيه مكانة حزب الله، كما أظهرت الانتخابات الأخيرة، وكذلك في العراق في ظل التصادم بين المكونات الشيعية وتراجع شعبية الفصائل المحسوبة على إيران، والرغبة العراقية في استعادة الدولة العراقية لهويتها القومية والعربية، فضلًا عن التحديات على الساحة السورية التي يتقاطع فيها نفوذ إيران مع نفوذ كل من تركيا وإسرائيل، في ظل انشغال روسيا بالحرب الأوكرانية وأزمتها مع الغرب. وبقدر ما لدى إيران من مساحة للمناورة في ظل دبلوماسية بايدن، وما قد يترتب عليها من فرص لإيران لمد نفوذها ومواصلة سياساتها المدفوعة أيديولوجيًّا، بقدر ما لدى القوى الإقليمية المساحة ذاتها لإظهار مزيد من المقاومة لسياسات إيران، وقد اتّضح ذلك في الخلافات العميقة بين دول الخليج وإسرائيل بشأن موقف الولايات المتحدة من ملف إيران وتوظيف احتياج الولايات المتحدة لحلفائها في المنطقة، في إطار صراعها من الصين وروسيا، لتعديل مواقفها، خصوصًا بشأن ملف إيران.

د. تواضع نتائج سياسة حل مشكلات إيران بعيدًا عن الاتفاق النووي والتفاهم مع الغرب: بينما كان رئيسي يطمح إلى معالجة مشكلات إيران بمعزل عن الاتفاق النووي، لكن من الواضح أن بوابة حل مشكلات إيران هي التفاهم مع الغرب ومعالجة الخلاف بشأن البرنامج النووي، لكن في ظل الخلافات العميقة بشأن إحياء الاتفاق النووي فإن العقوبات لا تزال مؤثرة وتنهك الاقتصاد الإيراني. وفي الواقع، لم يسعف الاقتصاد المتدهور تحركات إيران بعيدًا عن الغرب، وإن كان بعض هذه السياسات قد حقق بعض المكاسب الاقتصادية التي لا يمكن إنكارها، لكن الفساد المستشري وسوء الإدارة والاقتصاد الموازي، في إطار سياسة الالتفاف على العقوبات، يهدران مزيدًا من الموارد والعوائد التي يفترض أن ترفد ميزانية الدولة. وبينما تتدهور الأوضاع الداخلية فإن شعبية رئيسي تتراجع مقارنةً بأيّ رئيس إيراني منذ الثورة، وتُظهِر الاحتجاجات على مقتل الشابة مهسا أميني حجم الغضب الشعبي الذي يتجاوز أسبابه الظاهرة حول مقتل الفتاة على أيدي شرطة الأخلاق، ناهيك بأن التبعات الاقتصادية لوباء كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا تضاعف أزمة إيران وتثقل كاهل حكومة رئيسي أكثر وأكثر.

وجدير بالذكر الإشارة إلى أن تجارة إيران الخارجية لم تصل بعدُ إلى مستويات ما قبل العقوبات، خصوصًا مع شركاء مهمّين لها سابقًا كالاتحاد الأوروبي، بوصفه شريكًا تكنولوجيًّا مهمًّا لإيران، وهو ما كان له أكبر الأثر في قطاعات حيوية بالداخل الإيراني كالطائرات والسياحة والسيارات وغيرها. ومع أن مبيعات النفط قد نمت بشكل كبير في ظل الظروف الدولية والتراخي الأمريكي، لكنها لم تصل بعدُ إلى نصف ما كانت عليه قبل فرض العقوبات، الذي بلغ 2.3 مليون برميل نفط يوميًّا، وإن كانت إيران قد استفادت من ارتفاع أسعار النفط حاليًّا في تقليص خسائر نقص كميات التصعيد.

خلاصة:

وفَّرت التحولات على الساحة الدولية لإيران مكاسب ومساحة حركة، لا سيما في ما يتعلق بالتغلب على بعض العقوبات ومواجهة العزلة الدولية، بما في ذلك إيجاد مشترين لنفطها كالصين تحديدًا، وربما توسيع نطاق تعاونها العسكري مع القوى الكبرى كروسيا، وكذلك إيجاد وسائل محدودة للتبادل المالي للتغلب على العقبات المالية، فضلًا عن توفير فرص من أجل ممارسة الضغوط وتوسيع نطاق المناورة، والانضمام إلى تكتُّلات دولية مؤثرة.

ويجوز القول إنّ هذه النجاحات في ظل البيئة الدولة الراهنة قد تُغري إيران بالمُضيّ قُدُمًا في إظهار مزيد من التحدّي، خصوصًا في ما يتعلق بشروطها من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووي، بالتوازي مع المُضيّ قُدُمًا في امتلاك القدرة النووية، إضافة إلى اختبار القدرة على تحييد أثر العقوبات الأمريكية، قد يعزز هذا الاتجاه تقدير النُّخبة «المتشددة» بأن الفرصة مواتية لإحداث اختراق نووي، وأن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين وحتى إسرائيل غير مستعدّين لإعلان الحرب ضد إيران، أو شن هجوم لتدمير قدراتها النووية، أو اعتقادها بأنها سوف تتلقى حماية من روسيا والصين ضد أي عدوان، ولأن روسيا والصين قد توفران دعمًا لإيران نكاية في الولايات المتحدة.

لكن لا تزال هناك وجهة نظر ترى أنه لا حل لمشكلات إيران بمعزل عن تسوية الخلافات مع الغرب والولايات المتحدة تحديدًا، فكل النجاحات الاقتصادية دون المستوى الذي يضمن الاستقرار الداخلي ويعزز الشرعية المتآكلة، ومِن ثَمّ فإن إيران قد تراجع توجهاتها التي تهدف إلى الابتعاد عن الغرب، وتمضي قُدُمًا في مسار الدبلوماسية من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووي، يعزز ذلك أن الولايات المتحدة لا تزال القوة الدولية الأكثر تأثيرًا، ولن تسمح لإيران أو غيرها بكسر القواعد التي أرستها للنظام الدولي منذ نهاية الحرب الباردة دون تحمُّل العواقب، هي أو أي دولة قد تتمادي في مساعدتها في ذلك، وتحديدًا ما يتعلق بالجنوح نحو امتلاك السلاح النووي، أو تغيير ميزان القوة الإقليمي، إذ إنّ ذلك قد يقلب الطاولة بالكامل على إيران، ويدفع بالولايات المتحدة نحو خطط بديلة تبدو مستعدة لها، وستجد دعمًا مفتوحًا من القوى الإقليمية، التي تبدو أكثر ميلًا إلى خيار كهذا، إضافة إلى أن رئيسي بحاجة ضرورية إلى دعم شرعيته المتدهورة من خلال تحسين الأداء الاقتصادي، واغتنام فرصة حاجة السوق الدولية لمصادر الطاقة الإيرانية، كما أن النظام الإيراني يدرك أن التعويل على روسيا والصين ليس مضمونًا.

مع ذلك فإنّ الأرجح أن النظام الإيراني سيظل يعتمد على المواءمة، إذ يتحرك على حافة الصراع بين القوى الكبرى لتحقيق أقصى مكاسب ممكنة دون صدام مع الولايات المتحدة، ومِن ثَمّ قد يوافق على العودة إلى الاتفاق النووي بما يضمن مصالحه، مع عدم السماح بتطبيع العَلاقات مع الولايات المتحدة، في الوقت نفسه العمل على تأمين عَلاقات جيدة بالقوى الكبرى كالصين وروسيا، وكذلك محاولة تحييد دور القوى الإقليمية من خلال فتح مسارات للحوار والتهدئة لتخفيف آثار حملتها ضد إيران وفك عزلة إيران إقليميًّا. ولا شك أن لدى النظام خبرة تاريخية في تحقيق مواءمة بالغة الدقة بين مصالحه الأساسية والتحديات التي يواجهها، يعزز هذا الاتجاه أن الأولوية القصوى للطبقة السياسية الحاكمة بقيادة المرشد هي بقاء «الجمهورية الإسلامية»، فضلًا عن إدراك حدود التحولات الدولية التي لا تسمح بأن تتحدى إيران قواعد النظام دون تحمُّل عواقب وخيمة.


[1] Hippolyte Fofack, Dawn of a second Cold War and the» ‘scramble for Africa”, Africa Growth Initiative at Brookings, (Washington: The Brookings Institution, May 2022), Pp4-5.

[2] Steve Holland, Biden announces U.S.-Africa summit for mid-December, Swiss info, (July 20, 2022), accessed on: 9 Aug 2022, https://bit.ly/3P5NFXv

[3] Bonny Lin and Jude Blanchette, China on the Offensive: How the Ukraine War Has Changed Beijing’s Strategy, (August 1, 2022), accessed on: 9 Aug 2022, accessed on: https://fam.ag/3zFLhB7

[4] Melanie W. Sisson, America’s real deterrence problem, The Brookings Institution, (June 15, 2022), accessed on: 1 Sep 2022, https://brook.gs/3zFvcvf

[5] Bonny Lin and Jude Blanchette, Ibid.

[6] Elizabeth Sidiropoulos, How do Global South politics of non-alignment and solidarity explain South Africa’s position on Ukraine?, The Brookings Institution,(August 2, 2022), accessed on: August 9, 2022, https://brook.gs/3A85pNV

[7] Richard Haass, The Dangerous Decade: A Foreign Policy for a World in Crisis, foreign affairs, September/ October 2022), accessed on: 9 Sep 2022, https://fam.ag/3TSHslE

[8] US Department of State, Nuclear Non-Proliferation Treaty Remains Strong Despite Russian Obstructionism, (Aug 28, 2022), accessed on: Aug 29, 2022, https://bit.ly/3pPkLRm

[9] Andrew Yeo, Why further sanctions against North Korea could be tough to add, The Brookings Institution, (July 8, 2022), accessed on: Aug 9, 2022, https://brook.gs/3bC0D1L

[10] Adam Tooze, The World Is Seeing How the Dollar Really Works, Foreign Policy (Aug 12, 2022), accessed on: 1 Sep 2022, https://bit.ly/3CKl07R

[11] the future of money, foreign policy, accessed aug 23, 2022, https://bit.ly/2ZkQuQU

[12] الجزيرة نت، في أول تصريح ضمني له بشأن مفاوضات فيينا.. خامنئي: التفاوض لا يعني «التسليم للعدو»، (09 يناير 2022م)، تاريخ الاطلاع: 01سبتمبر 2022م، https://bit.ly/3q2tRKx

[13] وكالة تسنيم، عقب‌ماندگی از تحولات جهانی، عامل هذیان‌گویی رژیم تروریستی آمریکا علیه سپاه است، (۱۱ فروردين ۱۴۰۱ه ش)، تاريخ الاطلاع: 30 أبريل 2022م، https://bit.ly/3uLGkEj

[14] الجزيرة نت، وزير النفط الإيراني: على القوى الغربية انتهاج سياسة عقلانية مع طهران إذا أرادت تحقيق أمن الطاقة العالمي، 04 أغسطس 2022م، تاريخ الاطلاع: 01 سبتمبر 2022م، https://bit.ly/3CLnC5B

[15] وكالة إرنا، دستگاه‌ها برای خنثی‌سازی تحریم‌ها با معاون أول همکاری کنند، (۲۵ مهر ۱۴۰۰ ه ش)، تاريخ الاطلاع: 01 نوفمبر 2021م، https://bit.ly/2XjdXkf

[16] وكالة تسنيم، چین، هند وروسیه أولویت‌های جدید تجاری ایران در دولت رئیسی/ ۲ راه‌‌حل برای مشکل تجارت با قفقاز، (۱۸ مهر ۱۴۰۰ ه ش)، تاريخ الاطلاع: 01 أغسطس 2022م، https://bit.ly/3ltU5Ez

[17] وكالة مهر، هیئت تجاری ایران در راه قزاقستان/ احتمال احیای سوآپ انرژی، (۱۹ مهر ۱۴۰۰ ه ش)، تاريخ الاطلاع: 01 أغسطس 2022م، https://bit.ly/3oTSVUU

[18] وكالة ایرنا، آمادگی ایران برای انعقاد قرارداد بلندمدت با هند برای توسعه بندر چابهار/ هند: چابهار را به یکی از بنادر مهم جهان تبدیل می‌کنیم، (۳۰ مرداد ۱۴۰۱ ه ش)، تاريخ الاطلاع: 01 سبتمبر 2022م، https://bit.ly/3dP0TLe

[19] عبد القادر فايز، إيران وأمريكا.. من ورقة التخصيب في عُمان إلى مكتسب الضمان الذاتي في فيينا، (28 مارس 2022م)، تاريخ الاطلاع: 30 أغسطس 2022م، https://bit.ly/3vAMUxY

[20] وكالة أنباء مهر، شمخانی: سند همکاری ایران وچین بخشی از سیاست مقاومت فعال است، (۹ فروردین ۱۴۰۰ ه ش)، تاريخ الاطلاع: 10 أغسطس 2022م، https://bit.ly/2QIOUDz

[21] مي مجدي، صادرات النفط الإيراني إلى الصين تتراجع أمام الخام الروسي الرخيص، موقع الطاقة، (09 مايو 2022م)، تاريخ الاطلاع: 20 أغسطس 2022م.

[22] وكالة ايسنا، سرلشکر باقری: قراردادهای خرید تجهیزات دفاعی از روسیه پیگیری می‌شود، (۲۶ مهر ۱۴۰۰ه ش)، تاريخ الاطلاع: 01 أغسطس 2022م، https://bit.ly/3FWBUPT

[23] وكالة فارس، رایزنی تهران ومسکو برای به رسمیت شناختن سامانه بانکی MIR، (۱۴۰۱-۱-۴)،)، تاريخ الاطلاع: 03 أغسطس 2022م، https://bit.ly/3qsJPyn

[24] وكالة إيلنا، معاون نخست وزیر فدراسیون روسیه؛ روس‌ها عَلاقمند به تعمیق روابط با ایران هستند/ اهمیت دسترسی به خلیج فارس از طریق کریدور شمالـجنوب/ محدودیت‌های واردات را کاهش می‌دهیم، (۰۴/۰۳/۱۴۰۱ه ش)، تاريخ الاطلاع: 31 مايو 2022م، https://bit.ly/3wMShea

[25] إيران إنترناشيونال/ النسخة الفارسية، رویترز: نفتکش حامل یک میلیون بشکه نفت خام ایران وارد آب‌های ونزوئلا شد، (۳/۳/۱۴۰۱)، تاريخ الاطلاع: 31 أغسطس 2022م، https://bit.ly/3lzT2Sy

[26] ANDRES OPPENHEIMER, Colombian man extradited to Miami may know secrets of Iran arms shipments to Venezuela | Opinion, (OCTOBER 20, 2021), accessed Nov. 1, 2021, http://hrld.us/3GIDRjw.

[27] وكالة إيلنا، رکورد درآمدی وصادراتی نفت خام ایران در ایام تحریم شکسته شد، (۱۴۰۱/۰۱/۰۳)، تاريخ الاطلاع: 03 أغسطس 2022م، https://bit.ly/3JJ0OnO.

[28] وكالة إيلنا، سد تحریم را شکستیم، (۱۴۰۱/۰۱/۰۶)، تاريخ الاطلاع: 03 أبريل 2022م،https://bit.ly/3DbQHoS

[29] راديو فردا، وال استریت جورنال: ایران برای دور زدن تحریم‌ها «شبکه پولشویی» ایجاد کرده است، (۲۷/اسفند/۱۴۰۰)، تاريخ الاطلاع: 03 أغسطس 2022م، https://bit.ly/3tnbnXJ

[30] وكالة تسنيم، رشد ۷۰ تا ۱۲۰ درصدی صادرات ایران به کشور‌های همسایه طی ۴ ماه گذشته، (۰۸ فروردين ۱۴۰۱)، تاريخ الاطلاع: 03 سبتمبر 2022م، https://bit.ly/3Dhg6h5.

[31] وكالة إيلنا، رشد ۳۹ درصدی تجارت ایران با کشورهای حوزه خزر، (۱۴۰۰/۱۲/۲۸)،)، تاريخ الاطلاع: 03 سبتمبر 2022م،https://bit.ly/37KIT1P

[32] وكالة إيسنا، نایب‌رئیس اتاق مشترک بازرگانی ایران وعمان خبر داد: افزایش ۶۳ درصدی صادرات ایران به عمان، (اردیبهشت ۱۴۰۱ه ش)، تاريخ الاطلاع: 31 مايو 2022م، https://bit.ly/3yOtid5

[33] وكالة إرنا، نماینده قم: پنج میلیارد دلار از منابع بلوکه شده کشور آزاد شد، (۱۸ دی ۱۴۰۰ ه ش)، تاريخ الاطلاع: 29 سبتمبر 2022م، https://bit.ly/3zGfhMP

[34] موقع راديو فردا، رشد چشمگیر تجارت ایران واتحادیه اروپا در سه ماهه أول ۲۰۲۲، (اردیبهشت ۱۴۰۱ه ش)، تاريخ الاطلاع: 30 أغسطس 2022م، https://bit.ly/3NvFfrZ

[35] IMF Data, international financial statistics, country report September 2022.

[36] الجزيرة نت، بعد إزالة كاميرات المفاعلات، دول أوروبية تدعو لوقف التصعيد.. وواشنطن تنذر طهران وتحذِّر من أزمة نووية، (10 يونيو 2022م)، تاريخ الاطلاع: 03 أغسطس 2022م، https://bit.ly/3nxXYIE

د. محمود حمدي أبو القاسم
د. محمود حمدي أبو القاسم
مدير تحرير مجلة الدراسات الإيرانية