هاشم خاستار، أحد المعلمين والنشطاء المدنيين في إيران، نقلته قوات الأمن مجبرًا إلى قسم مرضى الحالات النفسية المزمنة في مستشفى ابن سينا في مدينة مشهد! وأعلنت زوجته، صدّيقه مالكي فرد، أن مسؤولي القضاء في مشهد يزعمون أنهم لم يُصدروا أي حكم قضائي بهذا الخصوص، وبحسب ما ذكرته السيدة صديقي فرد، فإن متابعاتها في الاستخبارات والشرطة وإدارة حماية المعلومات في مدينة مشهد لم تُفض إلى نتيجة، وفي الحقيقة لم تعلن أي من المؤسسات القضائية والأمنية حتى الآن مسؤوليتها عن هذه الخطوة العجيبة وغير القانونية. لا يعاني هاشم خاستار، بحسب أقرباءه، من أي مشكلة نفسية أو جسمية، والآن تواجه صحته مخاطر حقيقية بسبب هذا الإجراء غير المألوف الذي تتضح أسبابه من سوابق خاستار، فهاشم ليس من أولئك المعلمين الذين نشطوا خلال السنوات الأخيرة للاعتراض على أوضاع المعلمين المعيشية والنقابية المضطربة، بل وصل من خلال عملية تكاملية في نشاطاته إلى نتيجة مفادها أن تلبية مطالب المعلمين المختلفة قد تراكمت خلال الأربعين عاماً الماضية، دون أن تجد أجوبة مناسبة، وأن هناك حاجة إلى تغييرات واسعة النطاق على صعيد السياسة والحكم.
قضى هاشم مدة في السجن، وعانى من قيود كثيرة، لكن ذلك لم يؤثر في عزمه على مواصلة احتجاجه، فقد خاطب المرشد علي خامنئي بشكل مباشر وبلا خوف، مشيراً إلى أن أداء الخميني وخامنئي هو السبب الرئيسي وراء الأوضاع المأساوية في الدولة ومشاكل الناس، كما أن من خصائص نشاطاته اهتمامه الخاص بضرورة رعاية حقوق المواطنة بحق جميع طبقات المجتمع، وتمتُّعَ جميع التوجهات السياسية والمذهبية بالحريات الأساسية، وفي آخر مواقفه صرّح خاستار أن القوى السياسية الداخلية يجب أن تتولى قيادة وإدارة العمليات في المرحلة الانتقالية.
والآن يبدو أن نشاطات خاستار الانتقادية أثارت غضب واستياء قوات الأمن بحيث قاموا بتغيير حدود القمع، ولأول مرة في تاريخ أعمالهم القمعية في إيران، يرسلون شخصا سليما إلى مستشفى الأمراض النفسية، لإظهاره على أن لديه اضطرابات سلوكية.
إن لهذا التصرف المذموم القاسي الذي يرمي إلى إشعار خاستار بالملل، هدف أبعد، وهو زيادة تبعات القيام بأي أعمال احتجاجية على المعلمين، والحيلولة دون نشرهم الاحتجاجات النقابية بحيث تصل إلى المجالات الاجتماعية والسياسية التي تخشاها الأجهزة الأمنية، وذلك ليوجدوا بزعمهم ردعاً لتأثير الاحتجاجات التي تقوم بها حركة المعلمين وعصيانهم المدني.
أما التخمين بخصوص هل أن هذه الحسابات صحيحة، أم أنها قصيرة النظر، كما حدث في الماضي عندما تجاهلت الآثار السلبية على المدى البعيد، فليس ممكناً في الوقت الحالي، وهو بحاجة إلى مرور الزمان، لكن رصد الظروف يشير إلى أن حركات المعلمين الاحتجاجية قد اقتربت تقريباً من مستوى حركة اجتماعية منظمة، لا تقوم على شخص بحدّ ذاته.
في الحقيقة إن ما مهّد لتوجّه المعلمين نحو الحركات الاحتجاجية هو مشكلات المعيشة ومشكلات الحرفة على نطاق واسع، ما جعل تحمّل الوضع الموجود بالنسبة لهم أمرا غير ممكن، فعجز الحكومات عن توفير احتياجاتهم، والأهم من ذلك أجواء انعدام الثقة السائدة، تسببت في أن تواجه قضية شراء الوقت، وإرضاء المعلمين كي يعطوا المسؤولين فرصة، وتأجيل الاحتجاجات إلى المستقبل، عوائق كثيرة لا يمكن العبور منها.
للمعلمين مكانة خاصة بين الجماعات الاجتماعية والقوى المدنية في إيران، فنطاق حركتهم وتبعاتها المقصودة أو غير المقصودة لا تقتصر على مجتمع المعلمين، بل تؤثر على مجتمع التلاميذ وأُسرهم بشكل مباشر، ففي الوقت الحالي هناك أكثر من 13 مليون تلميذ في جميع المراحل الدراسية في إيران، ويصل عدد المدارس على 92 ألف مدرسة، 58% منها في الأرياف و42% في المُدُن، كما أن عدد المعلمين وموظفي المدارس يصل تقريباً إلى مليون و14 ألف شخص، وهذا الحجم الكبير من القوى البشرية الذي يشمل ما يقرب من 20% من عدد السكان، يمتلك قدرات فعلية على إحداث تحولات سياسية واجتماعية، خاصة أن مستوى الوعي والوصول إلى المباحث الفكرية وآثار النخبة في هذه الشريحة مرتفع جداً، والأهم من ذلك مشاركة طلاب المدارس في احتجاجات ما بعد ديسمبر 2017، وهو أمر غير مسبوق منذ السنوات الأولى التي تلت الثورة.
إن هذه الحقائق تجعل من قلق الأجهزة الأمنية إزاء الاستياء المتنامي داخل مجتمع المعلمين وقدرتهم على تشكيل الاحتجاجات الهادفة وإحداث ضغط اجتماعي لإحداث التغييرات، أمراً مبرراً، وبالطبع ماتزال الاحتجاجات ضمن نطاق النقابة، وعلى الرغم من وجود وعي كبير داخل هذه الشريحة، لكن ماتزال الأفعال لم ترتق إلى مستوى منظّم ومستمر ومؤثر، ومن هنا تسعى الأجهزة الأمنية للحيلولة دون ارتقاء حركة المعلمين الاحتجاجية إلى حركة منظمة قوية من خلال فرضها تكاليف مادية ومعنوية من ضمنها الطّرد وتشويه السمعة والسّجن وما إلى ذلك.
لكنّ إجراء غير عقلاني من قبيل إدخال شخص سليم بالقوة إلى مستشفى الأمراض النفسية ينطوي على مجازفة غير مدروسة يمكنها أن تؤتي نتائج عكسية، كما أن هذا الإجراء من زاوية أخرى يعكس وصول إجراءات النظام القمعية في إرعاب وإسكات المعلمين المحتجين إلى طريق مسدود.
لو كان لأحكام الجلب إلى الأجهزة الأمنية، والسجن، وأنواع التهديد أي تأثير، لكان من المستبعد إدخال هاشم خاستار إلى مستشفى للأمراض النفسية بحيث يتعرض هناك للأذى من قبل من يعانون من أمراض نفسية شديدة، ولهذا فإن هذا الإجراء الذي من المستبعد أنه سيؤدي إلى نتيجة، يشير بشكل أكبر إلى يأس آلة القمع التي لجأت إلى إجراء انتقاميّ غاضب غير مدروس تصاحبه مجازفة عالية، بدلاً من إجراء مدروس.
ليس معلوماً بالطبع على أي مستوى داخل الأجهزة الأمنية اتُّخذ هذا القرار، وهل كان قراراً فردياً أم لا، ولكنه مهما كان فلن يؤدي إلى حلّ المشكلة بالنسبة لهم، فضلاً عن أن النظرة المُخجِلة المستترة داخل هذا القرار تجاه المرضى النفسيين، واستغلال ظروفهم، ستبقى نقطة سوداء خالدة في سجلّ أجهزة النظام الأمنية.
https://www.youtube.com/watch?v=93IDnypYb9I
مادة مترجمة عن موقع راديو فردا
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المعهد