انتقدت كُلٌّ من الولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبي، مؤخَّرًا، تواني الحكومة الإيرانية الجديدة في إحياء الاتفاق النووي وسط محادثات فيينا المتعثِّرة، وحذَّرت الولايات المتحدة -بعد مشاورات مع حُلفائها- إيرانَ من أنَّ الفُرصة الحالية لإحياء الاتفاق «لن تكون سانحة إلى الأبد»، فيما انتقد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في خطابه الأوَّل بالأمم المتحدة، الولايات المتحدة إزاء الضغط على طهران واستخدام العقوبات الاقتصادية؛ لإحياء الاتفاق النووي المُبرَم مع إيران عام 2015م.
كما زادت إيران خلال الأشهر الأخيرة تخصيبها لليورانيوم، ويشير نهج إيران تجاه المحادثات النووية القائمة إلى غياب الثقة، وإلى وجود خلافات بينها وبين الولايات المتحدة، فضلًا عن تحدِّيات تواجه إحياء الاتفاق النووي، إذ ذكر المدير العام لمنظَّمة الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية رفائيل غروسي، مؤخَّرًا، أمام الجمعية العامَّة للأُمم المتحدة، أنَّ الوكالة قلِقة بشأن بعض القضايا العالقة المرتبطة بعجز إيران عن تفسير وجود آثار مادَّة اليورانيوم في مواقع غير مُعلَن عنها قبل عام 2003م. وذكر غروسي أنَّه على الرغم من الاتفاق الأخير، الذي سمح للوكالة بالدخول المؤقَّت إلى المواقع النووية الإيرانية، فإنَّ قُدرتها على مراقبة برنامج إيران النووي لا تزال محدودة.
كما أجرت إيران تعديلات على فريقها التفاوُضي في المحادثات النووية، إذ خفَّضت رُتبة عباس عراقتشي، وعيَّنت مكانه علي باقري كني، الذي يُعَدّ تلميذ رئيسي المقرَّب منه. وقد كان عراقتشي أحد أهمّ المفاوضين خلال المحادثات، التي قادت إلى إبرام الاتفاق النووي الإيراني عام 2015م، وتشير تقارير عدَّة أنَّ عمله سيقتصر -إلى حدٍّ كبير -على تقديم دورٍ استشاري.
وقد كان كني منتقدًا لسياسة حسن روحاني تجاه المفاوضات النووية بشدَّة، واتّهمه بتقديم تنازلات غير منطقية سمحت للقُوى الأجنبية بدخول منشآت إيران النووية ومواقعها الأمنية. وخلال المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرِّية الذي عقد مؤخَّرًا، ذكر رئيس وكالة الطاقة الذرِّية الإيرانية محمد إسلامي، أنَّ إيران تأمل رفع جميع العقوبات الأمريكية في سبيل إحياء الاتفاق النووي. وتضع التغييرات التي أجرتها إيران (إسلامي وكني) في الواجهة، وترسل رسالةً قويَّة إلى الغرب، مفادها أنَّ إيران ستتّخِذ موقفًا لا يتّسم بالمرونة في المرحلة المقبلة من المحادثات النووية.
وتُعَدّ مسألة الإعفاء من العقوبات إحدى أهمّ نقاط الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران، لا سيما نطاقها، فحتَّى الآن لم تُعرِب إدارة جو بايدن عن نيتّها رفع جميع العقوبات المفروضة على إيران، لا سيما في ظِل التهديدات المتزايدة التي يشكِّلها سلوكها الإقليمي.
كما أنَّ إيران أحرزت تقدُّمًا نوويًا مهمًّا في الأشهر القليلة الماضية، ومن ثمَّ فإنَّ إيقافها عن بلوغ العتبة النووية سيكون صعبًا جدًّا، إذ أشارت تقارير وتحليلات استشرافية إلى أنَّ العودة إلى الاتفاق النووي لن يعني ضمان تغيير إيران لسلوكها، ولن يمنع دول المنطقة من التسابُق على الأسلحة، وهذا ما يجعل الولايات المتحدة تطالب بإبرام اتفاق «أقوى وأطول» مع إيران، لكن نهج إيران يشير إلى أنَّها متردِّدة في قبول مقترحات واشنطن. ويعتمد نهج إيران تجاه المفاوضات النووية إلى حدٍّ كبير على اعتبارات داخلية وإقليمية، وقد انتقد رئيسي نهج سلفه روحاني القائم على الاسترضاء وتقديم التنازُلات إلى الغرب، لا سيما الولايات المتحدة، ويبدو أنَّ رئيسي يرغب في إظهار نفسه في صورة الرجل القوي، خاصَّةً بعد تأكيده أنَّ الحكومة الإيرانية لن تخضع للضغوط الأمريكية.
كما أنَّ الدعم الروسي والصيني الذي تلقاه إيران عاملٌ مهم في مفاوضات طهران النووية، إذ دافعت بكين عن مخاوف طهران، وتعهَّدت بتقديم الدعم المالي لها؛ ما يعكس تنامي الاستثمارات الصينية في إيران، لا سيما فيما يخُصّ بناء الموانئ البحرية والسكك الحديدية الإستراتيجية.
وتدرك إيران أنَّ إدارة بايدن تتعرَّض لضغوط داخلية، فيما يتعلَّق بقرارات سياستها الخارجية، التي اتّخذتها مؤخَّرًا، وتنوي استغلال هذه الظروف بتصعيد التوتُّرات، كما أنَّ تدخُّلات إيران السياسية والعسكرية في المنطقة نقطة خلاف رئيسة أُخرى بينها وبين الولايات المتحدة، إذ تأتي معظم الإيرادات الإيرانية من صفقاتها الاقتصادية مع العراق وسوريا ولبنان، وفي هذه الدول تستخدم إيران نفوذها السياسي والعسكري لمنافسة المصالح الأمريكية؛ وبالتالي فمن غير المُحتمَل أن تغيِّر إيران سلوكها وتخاطر بمصالحها الإقليمية.
وبناءً على ذلك، فإنَّ أيّ تصعيدٍ إيراني سيُؤدِّي إلى دخول طهران في عُزلة دولية وإقليمية، فمن المرجَّح أن تتّخِذ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خطوات أكثر صرامة، في حال واصلت إيران خرق خطوط الاتفاق النووي الحمراء. وفي حال فرض عقوبات أُخرى على إيران، فسيقف ذلك في طريق انعاش رئيسي لاقتصاد بلاده المُنهَك، وسيرفع من الضغوط الداخلية، وسيشغل احتجاجات شعبية على مستوى البلاد؛ ما سيقوِّض -بلا شكّ- من شرعية النظام السياسي المتراجعة.